بقلم: فتحي الزغل أطلت علينا مؤخرا أخبار مفادها انشقاقات في صفوف أحزاب كبيرة في بلدي مثل حزب حركة النهضة والحزب الديمقراطي التقدمي وغيره، وفي صفوف أحزاب تعتبر صغيرة السن من التي ولدت بعد الثورة، ولعل أول سؤال يطرح نفسه عند سماع هذه الأخبار... هو سبب هذا الانقسام لأنه من غير الطبيعي أن يبدأ مِعول الفرقة في العمل قبل مخيط التجميع، إلا أني أستطيع أن أجزم بأني أملك الإجابة عن هذا السؤال البديهي لذلك فأنا أكتب لكم... هل تتذكرون تلك المقالة التي تعرضتُ فيها للحالة السياسية والثورية في بلدنا؟ والتي عنونتُها تحت عنوان «أعواد ثقاب في علبة شعب»؟ والتي صدرت في جزأين ولم يصدر جزءها الثالث بعد، المقالة التي حذرت فيها من أننا نعيش حالة من كثرة الزعامات تُنبئ بالخطر، وأن الرهط فينا - والرهط هو القليل من الناس- أصبح فيه الزعماء أكثر من العامة، وأن العاهة الحقيقية لما ألم بنا، هي تصور كل متكلم لبق في مجموعة من المهتمين بالشأن العام، أنه زعيم لتلك المجموعة، فريد عصره فيها، ديكُ زمانه عليها، رغم أنه لا يكون في أغلب الحالات التي لاحظتُها ودرستُها، سوى من هؤلاء المثقفين المقلوبين الذين هم على شاكلة رأس البصل لا يستقيم رأيهم إلا عند عكس أسفله فوقه... وهذه الظاهرة جعلت المتكلمين أكثر من السامعين، والرؤساء عددهم جاوز المرؤوسين، والفاهمين فاتوا المستفهمين - والمستفهم هنا من استفعل وهو طلب المشاركة في الفعل حسب صراط النحويين- مما طبع فشلا في التنظم، تجلى في عدم بروز أي قائد بالمفهوم الحقيقي للقائد، كما تجلى في تحول المحللين الرياضيين والأهداف والمباريات، إلى محللين سياسيين، لهم رأي في موضوع هم أبعد الناس عنه... كما تجلى في مراودة فكرة الزعامة لعديد رجال المال الذين مَنعهم جهلهم الأزلي أن يدركوا أن السياسة فن وعلم، قبل أن تكون مالا وذمما... كما تجلى كذلك في مربط فرس هذا المقال، وهو عزوف عديد الزعماء المزيفين عن الاصطفاف وراء تنظيم يتزعمه زعيم، هو في نظرهم مزيف أيضا... وهكذا... لكن الخطأ في نظري يتجاوز هؤلاء الزعماء الفاشلين، ليطال التنظيمات التي سُميت عند تأسيسها أحزابا، بسبب أن الحزب نفسه هو وليد فكرة أحدهم من هؤلاء المزيفين... نظر في ليلة بدراء في مرآة بيته... فعشق نفسه... ورأيه... ولسانه... فأقسم مع المقسمين بأن يؤسس حزبا إذا يصبحون... حتى إذا كان له ما أراد، وجمع لنفسه المناصرين العضاد، ممن اشتراهم بمال أو بآية من آيات الله ، أو بوعد بخراج من أرض مصر... خرج في حلة بينهم وهم في هالته يتهامسون... ويفكرون...يتساءلون... في شجون.... عن مبلغ الهدية ومقدار العطية... حتى إذا اكتشفوا أنه المفلس رأيا... والقابض حذقا... ليس له من كلام سوى الملحون... ومن فكر سوى المعفون... وأنه يطلب حثيثا جملة مفيدة بلغة بني جلدته، فلا تطيعه الكلمات ولا يطيعه المخزون... وأنه لا يملك من العطاء، سوى الوعد والوعيد، وما شابه الرغيف... وأنه لا يبغي منهم سوى كرسي في وزارة، أو مفتاح في عمارة... انقشعوا عنه هاربين... ونحو تكوين حزب جديد أو تكتل عتيد شارعين... وعلى غير الله متوكلين، وعلى حساب شعب قيل أنه قد قام بثورة متآمرين. فهل أوصلت لكم الفكرة التي أحب أن تَضرِب صميم الفكر فيكم؟