نور الدين عاشور - كادت بعض التطورات التي شهدتها الأيام الماضية تقضي على ما اكتسبه التونسيون من ثقة بخصوص الحاضر والمستقبل وقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الانفلات الأمني يبقى العنصر الأكبر الذي يخشاه المواطنون. ولعل اندلاع الاحتجاجات وأعمال العنف بصورة فجئية وغير متوقعة خاصة بعد عيد الفطر وانقضاء شهر رمضان في هدوء يعيد إلى الأذهان سؤالا لا بد من طرحه بين فينة وأخرى لأنه سؤال مشروع ويستمد شرعيته من حق المواطن في معرفة ما يجري حوله وما تخبئه الأيام خصوصا في فترة الأعداد لأول انتخابات يؤمل الجميع أن تكون نزيهة وشفافة وفي مستوى الثورة وتضحيات أبناء تونس. أي نحن سائرون ؟..السؤال رغم بساطته يترجم أحاسيس ومشاعر التونسي العادي اللاهث وراء العيش الكريم والكرامة في شتى تجلياتها والذي لا ناقة له ولا جمل في السياسة وخباياها وأساليبها الواضحة أحيانا والملتوية أحيانا أخرى. لا شك أن بمجرد التمعن في الأماكن المستهدفة في الآونة الأخيرة بأعمال العنف يفاجأ المرء بأن المناطق في معظمها داخلية سواء منها تلك التي اندلعت منها الثورة أو مجاورة لها أو مناطق كانت هي الأخرى مهمشة وعرفت في الماضي بردود أفعال متساكنيها المحتجة في عديد المناسبات. فهل ما حصل كان نتيجة استفزازات أو ما تضمره بعض الأطراف من شر بهدف الإساءة لتلك المناطق وإدخالها في دوامة العنف وعدم الاستقرار وفق أجندات قد تكون خفية أو صراع بين بعض القوى الفاعلة في البلاد؟ بقدر ما ينتظر المرء إجابات شافية.. بقدر ما يطمح إلى أن لا تتكرر تلك المشاهد أو السناريوهات التي تستسهل الزج بالأبرياء في أتون الصراعات الخفية بين ما يمكن تسميته بمراكز القوى . وقد خلنا أن الإعلان عن خطاب للوزير الأول الباجي قائد السبسي من شأنه تبديد كل المخاوف ويعيد الطمأنينة بصورة نهائية لكن رغم طمأنته الرأي العام بأن الانتخابات ستجرى في موعدها يوم 23 أكتوبر القادم خصوصا أن الاستعدادات المادية في مراحلها الأخيرة فإن قرار تجميد نشاط اتحاد النقابات المنتخبة لقوات الأمن الداخلي وحديثه بطريقة غير ملائمة عن بعض رجال الأمن من شأنه إشعال فتيل انقسام في جهاز لا يشك أحد في أهميته في حياتنا اليومية بل رأى البعض أنه إشغال وإلهاء في فترة ما قبل الانتخابات لجانب من التونسيين بقضية العمل النقابي في سلك الأمن الداخلي وما نخشاه هو أن تكون هناك قطيعة أو شرخ بين جميع المتدخلين والفاعلين في المجال الأمني. ومع نفي وجود أي خلاف بين الأمن الداخلي والمؤسسة العسكرية أو «منافسة» بينهما تبقى مصلحة البلاد في تثبيت الاستقرار وعودة الطمأنينة إلى كافة المناطق أولا من أجل عودة مدرسية وجامعة آمنة وثانيا من أجل تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي في أجواء مستقرة كفيلة بفتح جديدة في تاريخ تونس. بالتأكيد يهمنا حاليا التمسك بالموعد الانتخابي رغم أن بعض الأصوات تنادي بتنظيم استفتاء حول المجلس وهو ما يبدو منطقيا لأن بعض المسائل ذات العلاقة بالمجلس تبقى في حاجة إلى الضبط مثل مدته التمثيلية حتى لا يصبح المؤقت بلا ضوابط سواء في المهام أو المدة الزمنية. صحيح أن الإرادة الحقيقة والصادقة كفيلة بإنجاح الانتخابت لكن لا بد من توفر الثقة لدى المواطنين عموما وبالذات لدى الناخبين وذلك في النواحي التالية : - نزاهة الانتخابات ومصداقيتها - التأكد من عدم تفشي عدوى «الزبونية السياسية « (Clientelisme) بما يمكن تلخيصة بشراء الأصوات وتجاوز حدود العمل السياسي في العلاقة بالناخب - الشعور بوجود أخلاقيات في النشاط السياسي سواء في الخطاب السياسي للأحزاب أثناء حملتها الانتخابية أو في طريقة تعاطيها مع الناخبين وتحديدا الوعود . - القطع مع أساليب الماضي في الترهيب ومحاولة التأثير على الناخبين إنها جملة من المسائل يتعين العمق فيها في هذه الفترة النهائية من الإعداد للموعد الانتخابي ولعل استعادة المواطن الثقة في العملية الانتخابية تبقى هامة مع الأحزاب أو مع الهيئة المشرفة على الانتخابات فما عاشه التونسيون منذ عقود طويلة يتطلب عملا تدريجيا لإرساء الثقة . إن المرحلة الحاسمة والحقيقية للثورة تبدأ بعد 23 أكتوبر لأنها تشكل امتحانا صعبا للجميع.. للحكومة المؤقتة التي أدارت البلاد حتى تصل إلى بر السلامة وللهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي تشكل تجربة فريدة من نوعها في تاريخ تونس منذ الاستقلال وللأحزاب وبقية مكونات المجتمع المدني وكذلك للتونسيين ليؤكدوا أنهم فاعلون وليسوا عنصرا مفعولا به فيما يتعلق بمستقبلهم وبمستقبل البلاد . نقول هذا حتى لا تخرج بعض الأصوات بعد الانتخابات مفادها أن النتائج هي عبارة عن طبخة جاهزة أضفيت عليها صبغة الديمقراطية ترضي أطرافا معينة وتخدم مصالح ضيقة وربما ترضي أطرافا خارجية يهمها استقرار تونس على نمط معين ترتئيه ليصبح سيناريو لبلدان أخرى ترغب شعوبها في الإطاحة بأنظمتها السياسية . كما أن من مصلحتنا عدم الوقوع في ما من شأنه أن يمثل انتكاسة لا قدر الله- فلا نريد بالتأكيد أن آخر مرحلة لتثبيت الثورة مرحلة من التطاحن والتقاتل مثلما آلت إليه بعض الثورات في البلدان العربية فالمثال الليبي درس لا بد أن نتعظ منه وكذلك المثال السوري . لتونس العربية الإسلامية خصوصياتها ..بتياراتها السياسية التعددية ..بمثقفيها..بطبقاتها الكادحة على مر العقود ..هذه الخصوصيات لا نريدها عنصر انكفاء على الذات ورضوخ للأمر الواقع ..نريد رضاء داخليا وإعجابا خارجيا بأن التونسيين قادرون على الفعل بعد أن غيروا ما بأنفسهم ويدركون إلى أين هم سائرون.