بقلم : نور الدين عاشور مشكلتنا الرئيسية في تونس أننا لا نجد الأجوبة الشافية القادرة على الطمأنة وحتى على الإفحام حتى لا نجتر بعض الأسئلة المحيرة والحائرة مثلنا في ذلك أي تونسي يريد أن يعرف ويفهم لا لشيء إلا ليفهم ما يجري حوله وليطمئن على حاضره ومستقبله. لننطلق من الحاضر المتسم بانتظار موعد انتخابات 23 أكتوبر يسبقه انتظار شهر رمضان المعظم بخشية من فقدان أو ارتفاع صاروخي لأسعار المواد الاستهلاكية وخشية من ليالي الشهر المبارك حيث التحسب لخروج القوى الخفية والعلنية ل«الاستحواذ» على عقل المواطن التونسي سواء بالوعظ المباشر أو بالترهيب لأن كسب المواطنين ومحاولة تعبئتهم في رمضان يضمن فوزا في الانتخابات وبالتالي تواجدا «مريحا» على الساحة السياسية ومن خلال المجلس التأسيسي. وفي حاضرنا أيضا وضع اقتصادي واجتماعي صعب يزيده وجود آلاف اللاجئين صعوبة وتساؤلا حول مدى قدرة التونسي على الاحتمال وصموده في مواجهة المصاعب.. وهذا يعني أن من حق التونسي أن يعيش موسم الصيف ويستعد لشهر رمضان ثم لعيد الفطر والعودة المدرسية والجامعية. وفي حاضرنا أحداث مريعة يشكّلها التناحر العروشي والانفلاتات الأمنية في قفصة.. سبيطلة.. منزل بورقيبة ..وأخيرا حي الانطلاقة بالعاصمة..أحداث متفرقة جغرافيا لكنها ليست معزولة عن سياق عام يتحين الفرصة ليعلم الجميع أن الثورة قد سرقت وأن قوى خفية نجحت في مصادرتها و«خوصصتها». في حاضرنا اعتصامات وتجمعات هنا وهناك..وجاء اعتصام «القصبة 3» ليطرح علامة استفهام كبرى بخصوص الأهداف والمطالب التي دعا إليها أصحاب الاعتصام دون أن نجد أو نسمع إجابات مقنعة. في حاضرنا أيضا أكثر من تسعين حزبا.. سياسيون.. زعماء.. منظمات كثيرة.. ناشطون حقوقيون.. ظهور وتمظهر في الملفات الحوارية التلفزية.. معسول الكلام ولا شيء غيره.. تخدير على طريقة النظام السابق يوحي بأن كل شيء على ما يرام عدا بعض الاستفزازات والممارسات من أطراف متطرفة «يتعين» الوقوف في وجهها.. كلام ولاشيء غيره لا يرجى منه سوى غزو عقول الناخبين والناخبات. في حاضرنا حكومة ووزير أول ووزراء.. تصريحات باهتة.. أرقام تتكرر.. نسب سلبية ترتفع.. ووعود.. الإعلام بفمهومه العلمي لم يعد- على ما يبدو- مرغوبا فيه عند الوزير الأول وهو ما يذكّر أيضا بالنظام السابق الذي يكن كرها شديدا للإعلام. في حاضرنا علامات استفهام لم تتم الإجابة عليها وقد ندخل الانتخابات ليس بفرضيات حول مستقبل البلاد وكيفية تجسيم الانتقال الديمقراطي بل سندخلها بمعادلة ذات عناصر مجهولة تصب بالتأكيد في المجهول. المجهول الذي يخشاه التونسيون لا تمر أيام دون أن يكشف عن وجوده عبر انفلاتات أمنية أو اعتداءات على الإعلام أو احتجاجات يحار المرء في تفسيرها.. المجهول يتجسد أيضا في حالة الاسترخاء التي تصبغ عديد المجالات الحيوية وحتى الهيئة العليا لتجسيم أهداف الثورة لم يبق لها إلا تنظيم اعتصام بالقصبة للإقرار بفشلها ليس في تحقيق أهدافها بل في توحيد صفوفها بعد أن كان خيار الحسابات الضيقة و»لعبة» الانسحاب من الهيئة أبرز معالم الهيئة. سؤال بريء: هل بمثل هذا الأداء في الهيئة سنحمي الثورة من اعدائها ونحقق الانتقال الديمقراطي ونقطع الطريق أمام قوى الردة وحكومة الظل حتى لا تستحوذ ثانية على البلاد لتجعل من خيراتها حقا لها ومن التونسيين مجرد عبيد؟ لا شيء يسر..لا شيء يدفع إلى التفاؤل وأخشى أن تكون الثورة قد سرقت بالفعل وتم تأجيل الإعلان عن ذلك إلى حين يأتي الظرف المواتي. حاضرنا يقول أن الثورة قد سرقت..فماذا أنتم فاعلون؟...