بقلم: صالح عطية على خلاف كل ما قيل في الأوساط الإعلامية والسياسية من أن الطبقة السياسية عندنا «مريضة» و»معقدة» (بالمعنى الفرويدي للكلمة)، ويأكل بعضها البعض الآخر، كشف «إعلان المسار الانتقالي» الذي تم التوقيع عليه أمس من قبل 12 حزبا سياسيا، على أن هذه الطبقة التي تجري عملية هرسلتها و»تلويث» سمعتها، والتقليل من حجمها ودورها، و»وطنيتها» أيضا، تدرك جيّدا وفي الوقت اللازم مصلحة البلاد، وتراعي هواجس شعبنا وتطلعاته.. ليس هذا فحسب، بل إن هذا «الإعلان» التاريخي الذي جرى ترتيبه ومتابعته من قبل رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي، عياض بن عاشور، الذي لعب دور «الوسيط المعدّل» بين هذه المكونات الحزبية الإثني عشر، يعكس قدرة قسم هام ولعله الأهم من طبقتنا السياسية، على التوافق الذي خرج هذه المرة من رحم أزمة حقيقية كانت تتربص بالمشهد السياسي، إن لم نقل بعملية الاستقرار في بلادنا.. والحقيقة، أن المعلومات التي بحوزتنا، تؤكد أن المشاورات والمناقشات التي سبقت التوقيع على هذا الإعلان، والتي استغرقت أكثر من خمس جلسات، شهدت جدية كبيرة، ومسؤولية وطنية عالية من قبل هذه الأطراف، بل إن بعض الأحزاب «الكبرى» قدمت «تنازلات» مهمة، رغم أنه كان بإمكانها التمسك برأيها، وربما فرضه على بقية الأطراف، غير أنها غلبت المصلحة الوطنية، والرغبة في إماطة كل ما من شأنه أن يشوش على الانتخابات المقبلة، ويؤشر بالتالي لسياق سياسي جديد، يهيئ الأرضية النفسية والسياسية والاجتماعية للاستحقاق الانتخابي القادم وما سوف يعقبه من تطورات مؤسساتية.. لقد كاد المرء أن يعدّ موكبا لتشييع جثمان الوفاق والعمل السياسي المشترك، بعد سلسلة الخيبات التي عرفها المشهد السياسي والحزبي خلال العقود الماضية، لولا ان تداركتنا «مجموعة ال12» بهذا الإعلان الهام الذي يضع لبنة أساسية لسياق سياسي جديد في تونس، تبدو النخب والطبقة السياسية والإدارة وأجهزة الحكم اليوم مدعوة للتأسيس عليه كنواة رئيسية للمرحلة المقبلة بعيدا عن أية مزايدات أو «عقد» الزعاماتية، أو الطروحات الإيديولوجية المتكلسة من هنا أو هناك، لا يبدو أن البلاد أو المشهد السياسي بحاجة إليها في المرحلة المقبلة..