بعد مرور عشرين سنة على إحداث المجلس الدستوري تبدو الحصيلة إيجابية بالنظر إلى قصر المدة نسبيا مقارنة مع مجالس أخرى مماثلة في أعرق الديموقراطيات وبالنظر إلى أن وجود المجلس والتدرج في تطوير دوره ومهامه خاصة بعد ادراجه ضمن الدستور يؤكد الرغبة في ضمان علوية الدستور والتقيد بأحكامه. ولا شك أن التأكيد على احترام القوانين وتثبيت ذلك بالدستور الذي أقر تقيد السلطات العمومية السياسية والقضائية والإدارية بما يصدر عن المجلس من آراء يمثل ضمانة لتكريس علوية الدستور وبالتالي دستورية القوانين بما يعزز النظام الجمهوري ويدعم أسسه وقيمه ويكرس سيادة الشعب في بلد كان له شرف إصدار أول ميثاق عربي يضمن الحقوق والحريات وهو "عهد الأمان". وقد شهدت البلاد منذ 1987 سلسلة من الإصلاحات الدستورية جاءت لتتزامن مع ما يشهده العالم من تحولات وبروز القيم الكونية وخصوصا حقوق الإنسان والحريات العامة التي أصبحت اليوم تحظى بمكانة معتبرة في العلاقات الدولية وتحدد عديد الدول سياساتها ومواقفها بناء عليها. وجدد رئيس الدولة أمس في كلمته التأكيد على أهمية الإصلاحات الدستورية وأهدافها بكونها تستجيب "للمثل التي يرنو إليها مجتمعنا بعيدا عن المواقف المنغلقة التي تكرس الجمود والتخلف وفي انخراط واع ومسؤول ضمن كونية المبادئ الديموقراطية وما تتطلبه من ثقافة دستورية..." وهو ما يعني إرادة لمواصلة التمشي في تكريس المسار الديموقراطي التعددي واحترام حقوق الإنسان والحريات مع التلازم والتكامل بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية . وما حققته تونس من نتائج مشهود بها عالميا على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية ينبغي أن يشجع على مواصلة تكريس حقوق الإنسان والحريات العامة في عالم أصبح يرصد كل صغيرة وكبيرة بل تجد بعض النفوس المريضة وبعض الجهات الأجنبية فرصا للتشهير والحط من قيمة انجازات تونس ولا شك أن أفضل رد يكون بالفعل وتدارك النقائص التي لا يمكن لأية دولة مهما كانت عراقة ديموقراطيتها الإدعاء بكونها خالية منها. إن الضمانات فيما يتعلق بتكريس حقوق المواطن في مختلف أبعادها وتوفير الرفاه للمواطن وتمكينه من حياة سياسية قائمة على التعددية والديموقراطية موجودة ومضمنة بالدستور وبالتالي فإن مواصلة العمل على احترام القوانين وترسيخ قيم النظام الجمهوري ومبادئه عمل يومي متواصل لا مجال فيه للرضا عن النفس ولا مجال فيه أيضا للانكماش أمام بعض الملاحظات وبعض التقارير التي فيها من الغث ما يحمل في طياته الرغبة في الإساءة أو يترجم عدم الفهم الحقيقي لاستنادها على معطيات ومعلومات أحادية الجانب.