صالح عطية القانون الخاص بالإذاعات والفضائيات (قانون السمعي البصري) الذي صادقت عليه الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، أثار الكثير من الجدل في الأوساط الإعلامية والسياسية بسبب عديد الفصول التي اعتبرت ضد حرية الرأي والتعبير، ومن شأنها تقييد عمل الفضائيات والإذاعات، ولعل في مقدمة هذه المسائل، البند المتعلق ب«المصلحة الوطنية العليا» وهي العبارة التي أخافت الكثيرين، لأنها تحيل على المرحلة السابقة، حيث كان المخلوع يستخدم عبارة «المصلحة العليا للوطن»، مثل السيف على رقاب الصحفيين والإعلاميين والمراقبين والنقاد للشأن السياسي. وإذا كان تخوف الهيئة العليا لإصلاح الإعلام من الخلط بين حرية الإعلام ومصلحة الدولة، يدفعها إلى وضع «ضابط» أمام المؤسسات الإعلامية، لكي لا ينفرط عقد الحريات ويتحول إلى فوضى، فإن الخشية كل الخشية، من استخدام منطق «المصلحة الوطنية العليا» لتكميم الأفواه، سواء بمنطق الدولة أو من منطلقات «الأمن القومي»، او من خلفية حزبية، خصوصا إذا ما كانت البلاد مرشحة لحكم جديد تضطلع به عدة أحزاب وحساسيات. لقد كان الحديث عن السياحة أو الفلاحة او عن علاقة ما، تربط تونس بدولة أجنبية، أو حتى عن الرياضة والمصالح البلدية، ممنوعا في مناسبات كثيرة زمن المخلوع، حيث كان يعتبرها مسا بالمصلحة الوطنية العليا، واتخذ النظام آنذاك صلاحية تقدير هذه المصلحة، وأين تبدأ وأين تقف.. أفلا تكون هذه العبارة التي تضمنها القانون الجديد للسمعي البصري، مدخلا غير مقصود طبعا لاستئناف المنطق النوفمبري السابق، وإن جاء بخلفية وسياق مختلفين؟ ! أمام الحكومة المؤقتة التي عرض عليها القانون، فرصة تعديل هذا الجانب على الأقل لأنه يذكر بعهد المخلوع، الذي كان فيه الإعلام، عبارة عن «أقلام ببغاوات»، مع بعض الاستثناءات تعيد إنتاج ما يريده الرئيس الهارب.. الشعب التونسي بأطيافه السياسية ونخبه وشبابه يريد إعلاما حرا وتعدديا، بعيدا عن أية إملاءات أو محاذير، وان تلبست بلبوس «المصلحة العليا» أو «الأمن القومي» أو غيرها من هذه المقولات التي تعبر عن استحقاقات، لكن يراد بها باطلا، ومحاولة لجرد الرأي العام من أهم أسلحته. أو ليس الإعلام الحر مصلحة عليا للبلاد أيضا؟