المخرج السينمائي علي العبيدي هو أحد مشاهير الساحة الثقافية في تونس... ومصدر شهرته يعود - لا فقط - لأفلامه وأعماله السينمائية التي تحمل "بصمته" الفنية وتوجهاته الفكرية... بل وتعكس حتى جوانب من شخصيته العفوية "المتشنجة" كانسان ومثقف يرفض باطلاق - ومن حيث المبدأ - كل أشكال المساومة - ثقافيا - على الاستقلالية الفكرية للمبدع...وانما مصدرها أيضا "معاركه" الفكرية المعلنة والشجاعة وغير المواربة التي خاضها مع من يسميهم هو "رموز التغريب والتبعية الثقافية لفرنسا" سواء كانوا سينمائيين أو منتجين أو سياسيين... علي العبيدي، أسس مؤخرا بمعية مجموعة من النشطاء حركة سياسية تحمل اسم "حركة الثقافة والتنوع" تقدمت بقائمات لخوض انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكثر من دائرة... فكان لنا معه - بالمناسبة - هذا اللقاء...
.. بداية، هل انتهى خلافك "المزمن" مع بعض زملائك السينمائيين حول رئاستك لجمعية السينمائيين؟
لقد كانت جريدة "الصباح" من بين الصحف التي واكبت هذا الخلاف بكل موضوعية الى ان قال القضاء كلمته العادلة باقراري رئيسا قانونيا وشرعيا لجمعية السينمائيين التونسيين... ولكن المؤسف أن وزارة الثقافة ترفض الأخذ بالاعتبار حكم القضاء العادل رغم أننا أرسلنا لمصالحها نسخة قانونية من الحكم الصادر...
.. أسست - مؤخرا - حزبا سياسيا وستخوض من خلاله غمار الانتخابات... هل يعني هذا أن علي العبيدي المخرج السينمائي قد نزع عن نفسه جلباب الابداع ولبس جلباب السياسة؟
بداية لا بد من الاشارة الى أنني لم أسس حركة "الثقافة والتنوع" بمفردي بل بمعية مجموعة من الشباب أغلبهم من المتخصصين في مجالات الثقافة وجميعهم دون سن الثلاثين الا أنا الذي قد بلغت الواحدة والستين من العمر... وقد كتبت مع هؤلاء الشبان أهداف الحركة وقانونها الأساسي وكلفوني بالمسؤلية الأولى وهي ليست لا رئيسا ولا أمينا عاما وانما أمين أول للحركة... أما عما اذا كنت قد نزعت عن نفسي جلباب السينمائي... فأجيبك بأنني لم أفعل ولن أفعل... لقد كنت وسأبقى مخرجا سينمائيا لأنها مهنتي الأولى والأخيرة ... فقط مارست حقي السياسي بصفتي مواطنا عندما أسست حركة "الثقافة والتنوع" - لا أكثر ولا أقل -... أيضا لا بد من أن أشير - هنا - الى أنني سعيد جدا لأننا في حركة "الثقافة والتنوع" قد توفقنا الى تقديم ثلاث قوائم في دوائر انتخابية هامة وكبرى : دائرة تونس2 بمقاعدها الثمانية ودائرة اريانة بمقاعدها الثمانية أيضا ودائرة زغوان بمقاعدها الخمسة... أمكننا أن نفعل هذا في زمن وجيز... وهو في الواقع انجاز حققناه على حساب أولويات أخرى أهمها تأجيل عملية الشروع في تركيز المكاتب الجهوية للحركة في مختلف الولايات وهو ما سنشرع في فعله لاحقا عندما نعقد مؤتمرنا الأول مباشرة اثر الانتخابات..
.. حركتكم هي من بين الحركات القليلة على الساحة السياسية التي تحمل في تسميتها عبارة "الثقافة"... ما هي دلالات هذا الاختيار؟
هذا سؤال جيد وهو في صلب توجهات واختيارات حركة "الثقافة والتنوع" وللاجابة يجب - أولا - أن نبادر بالتعريف بمفهوم الثقافة فأقول أن الثقافة بمفهومها العلمي الأصلي تعني كل ما يضيفه الانسان العامل الى الطبيعة والتاريخ أي كل أنواع النشاط الانساني... فالعمل البيئي ثقافة والفلاحة ثقافة وكل منتوج صناعي ثقافة اضافة الى دلالات المعاني المتداولة والتي تعني الابداع والفن... وهكذا، وبهذا المعنى فكل انسان كادح - عامل مهما كان اختصاصه هو منتج للثقافة... وحركتنا "حركة الثقافة والتنوع" تضع نوعية الناس والمجتمع بهذا المفهوم العلمي الأصلي من أولوياتها المطلقة... وفي نفس الوقت تدعو الى تحرير العمل وما ينتج عنه ( أي الثقافة ) من كل مظاهر الاستغلال والاستيلاب والاغتراب... وبالتالي فنحن في حركة "الثقافة والتنوع" ضد أن يستغل ( بفتح الغين ) الانسان من طرف الانسان كما أننا ندعو الى تحرير العمل وارجاعه الى أهله الشرعيين أي العمال والفلاحين وكل الكادحين والى حيث يتضامن معهم المثقف التقدمي بالمفهوم الماركسي للكلمة...
.. اذن توجهاتكم في حركة "الثقافة والتنوع" ماركسية الهوى والنزعة؟
نحن اذ نستلهم من التراث الماركسي بشكل عام فاننا كذلك نضع في الاعتبار الاطار الحضاري العربي الاسلامي لتونس وهو اطار لا يتناقض بتاتا مع الثيار الماركسي ولنا في ما كتبه عميد الأدب العربي الذكتور طه حسين أسوة اذ يقول بالحرف الواحد "الاسلام هو الشيوعية" وكذلك في أدبيات المفكر العربي التقدمي مهدي عامل الذي تجاوز بكثير المفكر اللبناني حسين مروة وطيب تيزيني في النظرة الى التراث العربي الاسلامي.. ثم - وفي هذا السياق - هل يمكن أن ننسى اجتهادات وتراث ابن جامع الزيتونة الأعظم المصلح التقدمي التونسي الكبير الطاهر الحداد؟؟؟... نحن في حركة "الثقافة والتنوع" لسنا متشبثين دوغمائيا بما توصلت اليه الماركسية الليلينية ولا الماوية... بل لنا أسوة في فلاسفة آخرين مثل الايطالي أنطونيو غرامشي الذي له مقولات شهيرة وتحاليل ثاقبة في مفهوم الثقافة والقومية... أما نظرتنا وموقفنا من التطور المفجع الذي انزلق اليه النظام الرأسمالي العالمي والذي يتسم أساسا بالبعد الاستهلاكي المفرط بل والمجنون فاننا نستلهم - في هذا الباب - من تحاليل وفكر المفكر الفرنسي التقدمي "غي دي بورد" الذي استنبط مقولات فذة أهمها مقولة "مجتمع الحفل" أو الفرجة وقد اشتهر خاصة باعادة صياغة مقولة لينين "ان الامبريالية هي أعلى مرحلة في مسار الرأسمالية"... دي غي بورد، يحول هذه المقولة فتصبح كالتالي : "مجتمع الحفل هو مرحلة عليا في مسار المجتمع الاستهلاكي" ويعني بذلك أن أزمة الرأسمالية قد دفعت بالانسانية الى نسق استهلاكي جنوني ضمانا لأرباح لا منتهية حتى بات المجتمع نفسه يحتفل في ثقافته بهذا الاستهلاك... وبالتالي أصبح كل الابداع الثقافي صورة للمجتمع الاستهلاكي الرديء والمغرق في السطحية... ما أريد أن أنتهي اليه - هنا - هو أن "حركة الثقافة والتنوع" تصدر في تسميتها وأهدافها وفلسفتها عن نظرة تاريخية مادية غير منغلقة ومتطورة باستمرار..
.. هذا عن كلمة "الثقافة" وماذا عن كلمة "التنوع" في تسمية حركتكم؟
التنوع هو الحل، أي الطريقة... تماما مثل الجدلية... أوليس التنوع المعنى الآخر للجدلية؟ لكن الجدلية هي قواعد واستنباطات نتيجة تراكم مكتشفات العلوم والمعرفة... في حين أن التنوع هو نمط أو "فن" توظيف كل ما هو مفيد... المهم بالنسبة الينا في حركة "الثقافة والتنوع" ألا يفضي - وبأي شكل من الأشكال - النظام السياسي أو الاقتصادي الى الاستغلال أو الاستيلاب أو الاغتراب... ونعني بالاستغلال هيمنة القطاع الخاص لأنه المولد الحتمي للاستغلال... ولذلك نحن نؤمن بضرورة ارساء اقتصاد وطني حر من الهيمنة الأجنبية... نظام يعتمد بالأساس على قطاعات ثلاث : 1 - القطاع الأهم وهو قطاع الدولة التي يجب أن يكون لها نصيب الأسد في ملكية المؤسسات الاقتصادية على تنوع ضروبها وأشكالها 2 - قطاع تعاوني ومدني يقوم على مؤسسات اقتصادية تنشئها وتسيرها النقابات العمالية والعمادات... وهي تعاونيات مملوكة بالكامل لمنخرطيها... 3 - قطاع العمل الفردي المستقل حيث يمكن لفرد ما أن ينشىء مؤسسته الخاصة وهو أمر يتعلق ببعض الحرف اليدوية والصناعات التي لا يمكن أن تكون في شكل مؤسسات كبرى... وهذا هو معنى التنوع...
بالمقابل، أستاذ علي العبيدي... ماذا عن مفهوم الحريات العامة والفردية وحق المبادرة في ضوء هذه الرؤية الاقتصادية لحركة "الثقافة والتنوع"؟
خيار التعاونيات - مثلا - هو عبارة عن فتح المجال للمبادرات الشخصية وكذلك مقولة العمل الفردي ( الحرف والصناعات اليدوية )... وهكذا تلاحظ أن ثلثي "برنامجنا" الاقتصادي هو قائم على المبادرة الفردية... أما اذا كنت تقصد حرية التعبير والتفكير فانها شيء مقدس بالنسبة الينا في حركة "الثقافة والتنوع" ولقد خصصنا فقرة كاملة في نص أهداف الحركة تنص صراحة - لا فقط - على حرية الفكر والتعبير بل حرية انشاء المؤسسات الصحفية والاعلامية ووجوب تمويلها تمويلا مجديا من طرف الدولة وأن تبقى ملكا لباعثيها... وتلح ذات الفقرة على نفي كل أشكال الرقابة... كذلك من بين أبرز أهداف حركة "الثقافة والتنوع" صون حقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل دون تمييز أو استثناء مهما كانت التعلات والأسباب..
بكل واقعية، ما هي حظوظ حركة "الثقافة والتنوع" ضمن سباق انتخابات المجلس الوطني التأسيسي؟
نحن حزب صغير جدا...أصبحنا موجودين رسميا منذ أقل من شهرين فقط وليست لدينا أية أوهام ولا ننوي التمويه ومغالطة الرأي العام... بل ونشعر أنه ليس لدينا ما نعطيه بل نحن نطمح الى أن نأخذ ونستفيد من شعبنا ومختلف قواه الوطنية... ما نحن قادرون عليه - مرحليا - هو طرح أفكارنا على الرأي العام الوطني في اطار ندوات ولقاءات نقيمها ومن خلالها نحاول أن نستلهم لكي نعدل - ان لزم الأمر - في برامجنا... وليس من طموحنا أن نصبح حزبا "كبيرا" أو حزبا جماهيريا لأنه ثبت علميا أنه بقدر ما تتوسع الدائرة الجماهيرية لحزب ما الا وتعمقت الخلافات داخله... فهل يعقل - مثلا - أن يبلغ عدد منخرطي حزب سياسي بعينه 800 ألف منخرط - كما يقول أصحابه - ولا نسمع عن خلاف شق صفوفه ؟؟؟ "الأحزاب الجماهيرية" هي شكل قديم اشتغل به ستالين وهتلر وماو تسي تونغ وبعض الزعماء التاريخيين في بلدان العالم الثالث... ومع ايجابيات هذا الشكل من الأحزاب والمكاسب التي حققها تاريخيا للبلدان التي ظهر فيها فانها أيضا أفضت نهاية المطاف الى الاستبداد والديكتاتورية... وقد ولد كل استبداد ظهر في فترة تاريخية استبدادا آخر ظهر في فترة لاحقة وهكذا دواليك... وهنا أريد - بالمناسبة - أن أتوجه بالخطاب الى بعض السياسيين وقادة الأحزاب "الجماهيرية" على الساحة الوطنية وخاصة منهم أولئك الذين اكتووا بنار القمع وكانوا من ضحايا الاستبداد زمن حكم الرئيس المخلوع بل وكانوا حقيقة في "فرن" القمع والاضطهاد كما عبر أحد زعمائهم... أهيب بهم أن يتساموا على جراحاتهم وأن يضعوا نصب أعين تطوير الحياة السياسية في تونس قبل أي هدف آخر وأن يبتكروا لنا ومعنا أساليب جديدة في التحزب وممارسة العمل السياسي... أساليب تكون في مستوى تونسالجديدة... تونس ثورة 14 جانفي العظيمة...