قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    سعيد في لقائه بالحشاني.. للصدق والإخلاص للوطن مقعد واحد    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    يوميات المقاومة...تخوض اشتباكات ضارية بعد 200 يوم من الحرب ..المقاومة تواصل التصدي    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار الترجي الرياضي ...مخاوف من التحكيم وحذر من الانذارات    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    قرار قضائي بتجميد أموال شركة بيكيه لهذا السبب    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف جعل بن علي من التغيير مشروعا ثقافيا متكاملا ؟
نشر في الشروق يوم 07 - 11 - 2010

لن ينسى التونسيون صباح السّابع من نوفمبر من خريف 1987 الذي أعاد الهيبة للدولة وأعاد الثقة للمواطن في القانون والمؤسسات. فالتغيير الذي قاده بعزيمة وشجاعة الرئيس زين العابدين بن علي من أجل انقاذ البلاد والدولة التي أصيبت بالترّهّل في تلك السنوات من الثمانينات كان في جوهره مشروعا ثقافيا فقد أدرك بن علي منذ البداية أن الثقافة والمثقفين هم صمّام الأمان لأي مجتمع يتوق للتقدّم والالمام بأسباب المعرفة والعلم والحداثة لذلك كان الهاجس الثقافي هاجسا شخصيا للرئيس بن علي وهو ما تترجمه الاجراءات المتتالية والانجازات المتواترة بين يوم وآخر وقد كان الملف الثقافي من أوّل محاور المجالس الوزارية وقد بدأ العهد الجديد بتمكين عدد من المبدعين من استعادة حقّهم في العمل بعد سنوات من التهميش والبطالة كما أنهى عهد محاكمات الرأي ومصادرة الكتب وأعاد الاعتبار للمثقف وللثقافة كسند للتنمية اذ أكّد بن علي في كل خطبه على ضرورة اعادة الاعتبار للمثقف وللمبدع وفي هذا السياق تتالت الاجراءات التي أقرّها سيادته للأسرة الثقافية.
في الحقيقة يصعب استعراض كل الاجراءات التي شملت القطاع الثقافي في عهد التغيير في مجال ضيّق كهذا ويكفي التوقّف عند بعض القرارات ذات الدلالة فقد أدرك بن علي منذ البداية أن الانسان هو جوهر أي مشروع تنموي لذلك شدّت المقاربة التونسية في التنمية وحقوق الانسان اهتمام العالم فالثقافة حق للجميع في اطار منظومة من القيم لذلك أقرّسيادته ولأوّل مرّة في تاريخ تونس أن تتجاوز ميزانية وزارة الثقافة 1٪ من الميزانية العامة للدولة حدث هذا في بلد صغير وقليل الموارد ورغم الظروف العالمية والاقليمية الصعبة لم تتراجع ميزانية الوزارة وحافظت التظاهرات التونسية على انتظامها واشعاعها وفي هذا دلالة عميقة على أن الثقافة في عهد بن علي مشروع يسعى الى خلق جيل مؤمن بقيم التنوير والحداثة ولأن المبدع والمثقف هو جوهر أي مشروع ثقافي تمّ تمكين المبدعين من التغطية الاجتماعية التي كانوا محرومين منها وتمّ تنقيح عدد من القوانين وسنّ مجموعة من الاجراءات لتمكين المبدعين من حوافز في الانتاج الثقافي ففي المسرح مثلا تطوّر عدد شركات الانتاج بنسبة تفوق 300٪ خلال سنوات التغيير بسبب الحوافز والاجراءات التشجيعية التي تقدّمها وزارة الثقافة ووصلت الميزانية المخصّصة للدعم المسرحي الى مليارين ووصل عدد شركات الانتاج الى حوالي المائتين بعد أن كان لا يتجاوز العشرين قبل التغيير.
وحصل الأمر نفسه في قطاع السينما مما جعل أيّام قرطاج السينمائية في دورتها الثالثة والعشرين المنتظمة منذ أيّام تقدّم 100 شريط تونسي وهذا يحدث للمرّة الأولى كنتيجة طبيعية للتشجيعات الكبيرة التي سنّتها الدولة لهذا القطاع وما رصدته من حوافز مالية كما خصّص رئيس الدولة أكثر من مجلس وزاري مضيّق لدراسة آفاق السينما التونسية وخصّصت الدولة بتعليمات رئاسية سامية منحا مالية فاقت المائة ألف دينار لكل قاعة سينما للترميم والاحاطة التقنية وتمّ تركيز شبّاك موحّد لتسهيل الاجراءات في تصوير اللأفلام الأجنبية بتونس وهو ما أعاد تونس الى الواجهة في السينما العالمية اذ عادت شركات الانتاج العالمية الى تونس بعد أن غادرتها في منتصف الثمانينات كما تمّ الترفيع في دعم الانتاج السينمائي ليفوق العشرة مليار دينار وهو رقم كبير بالنسبة إلى دولة صغيرة مثل تونس وتمّ احداث لجنة وطنية لتقييم واقع السينما التونسية برئاسة وزير الثقافة والمحافظة على التراث الأستاذ عبد الرؤوف الباسطي وأحدث متحف للسينما واستعادت الدولة جزءا كبيرا من الأرشيف من فرنسا كان منسيا في الخزينة الفرنسية كما تمّ انشاء ثلاثة معاهد عليا لتدريس السينما لأوّل مرّة في تاريخ تونس الى جانب المعاهد الخاصة التي تحظى هي الأخرى بدعم من الدولة وتمّ اقرار سنة وطنية للسينما.
الكتاب والمطالعة
وعلى غرار السينما والمسرح حظي الكتاب باهتمام كبير من الدولة فتمّ تمكين الناشرين من دعم على انتاج الكتاب ب60٪ من سعر الورق وتونس هي الدولة الوحيدة في العالم التي سنّت هذا الاجراء كما تمّ تمكين الناشرين من حوافز في شحن الكتاب الى الخارج وارتفعت الميزانية المخصّصة لشراءات الكتاب الى أكثر من مليارين مما جعل عدد دور النشر التونسية يصل الى المائتين تقريبا أمّا معرض تونس الدولي للكتاب فقد أصبح المعرض العربي الأول في سوق الكتاب العربية بشهادة الأرقام والناشرين العرب وبتعليمات سامية خصّصت سنة وطنية للكتاب واستشارة وطنية حول المطالعة وتمّ ربط شبكة المكتبات العمومية بالأنترنات على غرار دور الثقافة وتمّ احداث مكتبة نموذجية للمكفوفين في سوسة وهو انجاز يؤكّد الريادة التونسية في ربط الثقافة بحقوق الانسان وهو جوهر المقاربة التونسية التي قدّمها بن علي الى العالم.
كما ألغي الايداع القانوني ورفع الحظر عن الكتب التي منعت في العهد السّابق وقد ترجم كل هذا مناخا من الحرية أراده بن علي أن يكون أرضية للابداع.
انّ الخطوات التي تمّ اتّخاذها من أجل نشر الكتاب وترويجه كان هدفها الأساسي هو التأكيد على ثقافة التنوير والحداثة لأنّه لا مستقبل لشعب لا يقرأ وفي هذا السياق تنظّم ادارة المطالعة العمومية في وزارة الثقافة والمحافظة على التراث مجموعة من التظاهرات لترويج الكتاب وخلق عادات للقراءة مثل «مصيف الكتاب» و«المطالعة في الوسط الريفي» و«الأيّام الوطنية للمطالعة» كما تدعم مجموعة أخرى من التظاهرات التي تنظّمها المندوبيات الجهوية للثقافة والجمعيات وخاصة جمعيات أحباء الكتاب.
الموسيقى وحقوق التأليف
بتعليمات خاصة من رئيس الدولة كانت تونس من أوائل الدول في العالم التي صادقت على تنقيحات قانون حقوق التأليف وهو ما حقّق لها احترام المجموعة الدولية كبلد له مصداقيته وبموجب هذه التنقيحات تمّ احداث مؤسسة وطنية لحقوق التأليف تسهر على ضمان الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف بعد أن كانت الجهة المسؤولة عن هذا مجرّد جمعية صغيرة لا تملك الامكانات التقنية ولا الصلوحيات القانونية لتنظيم قطاع الموسيقى وتمّ أيضا اقرار برنامج رئاسي للمساعدة على الانتاج الموسيقي وتطوّر مهرجان الأغنية ليصبح مهرجانا بعنوان أيّام قرطاج الموسيقية وتمّ احداث مركز عربي ومتوسطي للموسيقى في سيدي بوسعيد بعد ترميم قصر البارون ديرلونجي وأحدثت خزينة صوتية لجمع الذاكرة الموسيقية من كل جهات البلاد وتمّ احداث معاهد عليا جديدة للموسيقى في سوسة وصفاقس والكاف وتمّ تطوير منظومة التعليم العالي ضمن باب الموسيقى لتشمل الماجستير والدكتورا وأعيدت الروح لمهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية ولمهرجان طبرقة للجاز.
المؤسسات المرجعية
خلال ثلاثة وعشرين عاما من التغيير شهد القطاع الثقافي نقلة نوعية في المؤسسات المرجعية فقد تمّ تطوير بيت الحكمة لتصبح مؤسسة عمومية ذات استقلال مادي واداري ومنحها صلوحيات أكاديمية علمية متخصّصة في الفنون والآداب و الترجمة وهو ما مكنّها من تنظيم ندوات ذات صيت عالمي واصدارات مرجعية كما تمّ احداث مقر جديد للمكتبة الوطنية وتمكينها من قانون أساسي كمؤسسة عمومية لها استقلالها الاداري والمالي وقد تمّ احداث مقر جديد يمثّل تحفة معمارية حقيقية كما تقرّر احداث متحف للفن الحديث.
كما تمّ احداث كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان وبيت الشعر واحداث مراكز للفنون الدرامية والركحية في الكاف وصفاقس وسوسة ومدنين وأحدث مركز وطني لفن العرائس وتمّ تمكين المسرح الوطني من قانون أساسي كمؤسسة عمومية وبإذن من الرئيس بن علي تمّ احداث المدرسة الوطنية لفنون السيرك.
وقد كانت كل هذه المؤسسات نتيجة للمشروع الثقافي الذي أراده بن علي لتونس حتّى تكون منارة ثقافية دائمة كما جاء في خطابه في اختتام تظاهرة القيروان عاصمة اسلامية.
وفي السياق نفسه وبأمر رئاسي تمّ احداث سلسلة «أمهات الكتب» التي تصدرها الدار العربية للكتاب واحداث المركز الوطني للاتصال الثقافي الذي يصدر سلسلة «ذاكرة وابداع» التي تعتبر نافذة على التراث الأدبي والفكري التونسي.
الاشعاع
المسار الثقافي الذي اختاره الرئيس زين العابدين بن علي لتونس كان من الطبيعي أن يحقّق لتونس اشعاعا في العالم كبلد يعدّ نموذجا للانفتاح الثقافي فجاء اختيار تونس لتكون موضوعا لسنة 1992 في معهد العالم العربي بباريس تأكيدا على أهمية المقاربة التونسية وللسبب نفسه تمّ اختيار تونس عاصمة ثقافية سنة 1997 والقيروان عاصمة اسلامية سنة 2009 كما تجوّل تراث قرطاج في اليابان وفي الولايات المتحدة الأمريكية وراهنت الدولة على الثقافة كنافذة على العالم من خلال بعض المهرجانات المرجعية مثل مهرجان قرطاج ومهرجان الحمامات ومهرجان الصحراء ومهرجان الفنون التشكيلية بالمحرس وهو أحد ثمار التغيير بامتياز فقد تحوّلت هذه المدينة الصغيرة الى أنموذج عالمي في النحت والرّسم من خلال هذا المهرجان الذي يرأسه يوسف الرقيق الى جانب تظاهرات أخرى ولدت في عهد التغيير مثل تظاهرة 24 ساعة مسرح في الكاف أو جاز قرطاج أوملتقى المبدعات العربيات بسوسة او ربيع القيروان الدولي ومهرجان المسرح التجريبي في مدنين ومهرجان نيابوليس الدولي لمسرح الطفل بنابل...كما تمّ في السياق ذاته احداث اذاعة تونس الثقافية وضمان انتظام صدور مجلة الحياة الثقافية لأوّل مرّة في تاريخها.
الى جانب تمكين المبدعين من حوافز خاصة منها رخصة مبدع التي تمكّن المبدعين من التّفرّغ لانجاز مشاريع ثقافية كما أصبح الحضور التونسي في أعرق مهرجانات العالم مسرحا وسينما وموسيقى حضورا مشعّا من في فرنسا الى البندقية في ايطاليا الى برلين في ألمانيا الى مهرجانات القاهرة في المسرح التجريبي والسينما ومهرجانات المغرب وغيرها من البلاد العربية وكل هذه المشاركات التونسية تتمّ بتمويل من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث.
ثمار التغيير
انّ المسار الثقافي الذي اختاره الرئيس بن علي لتونس كانت نتيجته الطبيعية ولادة جيل من المبدعين الذين برزوا في عهد التغيير وكانوا نتيجة المناخ الذي وفرّته الدولة فالجائزة الوطنية لأدب الشباب التي أحدثها بن علي سنة 1992 كانت وراء بروز جيل من الكتّاب والشعراء ويكفي أن نذكر بعض الحائزين عليها ممن أصبحوا علامات في المشهد الأدبي مثل شمس الدين العوني وصلاح الدين الحمّادي ومنير هلال ومجدي بن عيسى وعمر الغدامسي والطيب شلبي ومراد الثابتي وغيرهم كما تمكّن الشبّان من تغيير المعادلات داخل المنظمات الثقافية مثل اتحاد الكتّاب واتحاد الفنانين التشكيليين واتحاد الممثلين كما ساهمت المعاهد العليا للمسرح والسينما والموسيقى والفنون والحرف في خلق جيل جديد من المبدعين من نجومه في المسرح والتلفزيون مثلا محمد علي بن جمعة ولطفي العبدلي وأمال علوان وجعفر القاسمي وكوثر الباردي ونزار الشعري ومحمد علي دمّق وزهير الرايس وفتحي المسلماني ومحمد علي النهدي ونجيب بلقاضي ونعيمة الجاني ودرصاف مملوك وسفيان الشّعري وفيصل بالزين وقابيل السياري وغيرهم...فكل هؤلاء كبروا في التغيير ونضجت تجاربهم خلال سنوات التغيير التي أسّست لمناخ ثقافي كان الأرضية الملائمة للابداع كما أنصف التغيير عددا من المبدعين من خلال الجوائز والأوسمة في اليوم الوطني للثقافة الذي أراده بن علي مناسبة سنوية تحتفي فيها الدولة باشرافه الشخصي بما يعنيه من رمزية دستورية كرئيس للجمهورية بمبدعيها بعد أن كانوا يعانون التهميش والاقصاء.
من أجل تونس... من أجل الجمهورية
لقد أكّد بن علي منذ اليوم الأوّل للتغيير أنّه «لاولاء الاّ لتونس» و«أنّ تونس فوق كل اعتبار» و«أنّ تونس أوّلا» وقد كانت كل الاجراءات المتخذّة في مجال الثقافة تهدف الى مطلب أساسي هو تنشئة جيل جديد على قيم التنوير والجمهورية والولاء لتونس التي ماتت اجيال من الشهداء من أجلها.
فالاستقلال لا تحميه الجيوش فقط بل تحميه العقول أيضا لأنّ التاريخ الانساني حافل بخيانات الطابور الخامس الذين خانوا دماء الشهداء واستقووا بالأجنبي فكانت النتائج وخيمة ومؤلمة ولنا في بعض الدول العربية أفضل أنموذج.
فالمثقف الذي لا ينخرط في الدفاع عن قيم الحداثة والتنوير بما تعنيه من صمّام أمان للاستقلال وللنظام الجمهوري لم يفهم الثقافة في جوهرها كدفاع عن الحرية بما تعنيه من قيم نبيلة.
فالاستقلال والجمهورية الدفاع عنهما مسؤولية المثقف وليس الدولة وحدها وتنمية قيم المواطنة لا تتحقّق دون فاعلية المثقّف وانخراطه في التغيير من أجل تونس ومن أجل المستقبل.
٭ نور الدين بالطيب
عهد ثقافة الامتياز
بقلم علي العبيدي (رئيس جمعية السينمائيين التونسيين)
ستظل سنة ألفين وعشرة عالقة في ذهن كل السينمائيين على اختلاف مشاربهم وتوجّهاتهم الفكرية والجمالية... وستظل مرجعا من الناحية القانونية والاجرائية وخاصة فيما يتعلّق بالاصلاح الشامل الذي يشهده القطاع الثقافي ومنه السينمائي.
والآن ونحن نحتفل بالسابع من نوفمبر المجيد ونقترب من نهاية سنة ألفين وعشرة والتي كانت سينمائية بامتياز بدأ جل السينمائيين يدركون أعمق الغايات وأنبل الأهداف التي قصدها سيادة الرئيس زين العابدين بن علي من خلال اقرار هذه السنة خاصة بالقطاع السينمائي.
يدركون ذلك وبالخصوص إذا ما تم استعراض ما انجز خلال هذه السنة لا بل ما سيقع الشروع فيه مع نهايتها ولمدة تستغرق خمس سنوات على الأقل.
فلقد تم ختم أعمال اللجنة الاستشارية للتفكير حول السينما والتي دامت حوالي سنتين شارك فيها مجمل مكونات القطاع السينمائي بأبعاده الخمسة (انتاج صناعة توزيع استغلال ثقافة سينمائية).
وهي لجنة حضر كل أشغالها وزير الثقافة والمحافظة على التراث نفسه. وقدّمت بحضوره برنامجا كاملا لاصلاح القطاع السينمائي والسمعي البصري حتى تكون تونس البلد الصاعد متمكّنة من كل ما جادت به الثورة الرقمية التي تحتل مئة بالمئة من الصناعة السينمائية اليوم، وذلك في جوّ من التآزر بين مختلف العاملين في القطاع. وهنا لابد من التنويه بتطبيق قانون بطاقة الاحتراف حماية للقطاع وضمانا للاختصاص وجودة الابداع والانتاج السينمائيين...
وأهمّ من ذلك: لا يمكن لأحد أن ينسى المجلس الوزاري المنعقد يوم 18 أوت 2010 الذي عقده سيادة الرئيس زين العابدين بن علي حيث تم وضع البرنامج العملي لانجاز أهدافنا الثقافية المرسومة. ولقد حظي قطاع السينما بنصيب الاسد حيث قرّر هذا المجلس اجراءات واضحة أهمها:
1) تقويةنسق إكمال أشغال بناء «مدينة الثقافة» وبعث «سينما تاك» ومتحف الفن الحيّ...
2) بعث جائزة للجمعيات على أنشطتها الثقافية.
3) إقرار تعميم الفضاءات الثقافية بكامل قرى البلاد...
4) تطوير المنظومة القانونية لحقوق التأليف...
5) الشروع في رقمنة رصيدنا السينمائي...
ولقد حظيت السينما بقرار تاريخي وهو القيام بدراسة معمّقة لتنويع مصادر التمويل وذلك بسنّ اجراءات جبائية إضافية تُصرف مداخيلها على الابداع والانتاج السينمائيين... كل ذلك مع انشاء المركز الوطني للسينما الذي سيرتبط بعثه مع الاصلاح الشامل للسينما التونسية...
إنها قرارات واجراءات تزيد في الحقيقة من شحذ الهمم والعزائم وذلك لبذل مجهود أكبر على درب تحقيق أهدافنا الوطنية... وحتى نكون جميعا دائما مع سيادة الرئيس زين العابدين بن علي «لرفع التحديات».
تونس وعشق الريادة
٭ بقلم: محمد الغزّي
لاشك أنّ المتأمل في تاريخ تونس القديم والحديث يلحظ ما تتميز به بلادنا من حب للريادة. والريادة لغة هي النظر والطلب والاختيار. والرائد هو الذي يتقدم القوم يبصر لهم. وهذا يعني أن الريادة حركة الى الأمام، تطلع و استباق، كشف و فتح، توثب واندفاع، بعبارة أخرى نقول إن الريادة استشراف، أي انتماء الى المستقبل، أي ارتياد الى آفاق جديدة. في هذا السياق نفهم ريادة القديس اغوسطين في الجمع بين العقل و النقل جمع تآلف وانسجام، وفي هذا السياق نفهم ريادة فقهاء القيروان في منع تعدد الزوجات، وريادة ابن خلدون في تأسيس علم الاجتماع، وريادة خيرالدين في التبشير بفكر اصلاحي متطور لا يستبقي من الماضي الاّ ما يدفعة الى مزيد من التحديث والتطوير وريادة أبي القاسم الشابي في كتابة قصيدة عربية حديثة... كل هؤلاء لم يسعوا الى انتاج الماضي أو الاقتصار على شرحه والتعليق عليه، وإنّما سعوا الى تجاوزه وتخطيه مرهفين السمع الى اللحظة الراهنة و ما تنطوي عليه من أسئلة حارقة.
هذه الخصيصة خصيصة عشق الريادة هي التي قام عليها مشروع التحول، وهي ريادة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، فهذا المشروع لم يحتفظ بالأجوبة التقليدية عن أسئلة الواقع المتجددة، وإنما عمد الى اجابات جديدة مختلفة، اجابات تستضيء بنور المستقبل وتهتدي بقيمه ومبادئه
واذا اقتصرنا على المجال الثقافي وجدنا أن مشروع التحول قد نزّل الثقافة مكانة بارزة ضمن اختياراته وتوجهاته، ومنحها «موقعا مهما في مسيرتنا التنموية الشاملة». في هذا السياق تم الترفيع في ميزانية وزارة الثقافة والمحافظة على التراث لتبلغ 1.5% من ميزانية الدولة، كما تم بعث العديد من المؤسسات المرجعية التي من شأنها أن تقود المسيرة الثقافية، وسنت التشريعات التي تحمي حقوق المؤلفين، كما تضاعفت اجراءات الدعم للأعمال الفنية والإبداعية، كما بعثت الإذاعة الثقافية... لكن أهم هذه الإنجازات و أولاها بالنظر، يتمثل في آعتقادي، في تهيئة الظروف الملائمة لاطلاق مواهب المبدعين وتحريرها من كل رقابة تحد من انطلاقها واندفاعها.
وانه لأمر ذو دلالة أن تصبح الثقافة التونسيّة من أكثر الثقافات العربية تطورا و تألقا و حداثة، بل ان تتحول بلادنا الى احدى العواصم الثقافية في الوطن العربي تحظى فنونها وكتبها بعناية مخصوصة من المثقفين العرب.
قبل شهور جاء الشاعرالعربي عمر الفراء الى تونس وقبل أن يلقي قصائده التفت الى الحاضرين وقال:
ثقوا أنكم تعيشون في أجمل جمهوريّة بالوطن العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.