من المسؤولية - بلغت جامعة الدول العربية من العمرعقدها السادس دون أن تحقق الحد الأدنى من الأهداف والمبادئ التي بعثت من أجلها كالوحدة العربية التي ظلت لسنين طوال يسمع صداها على أروقة المنظمة وجدرانها دون أن ترى طريقها إلى النور؛ ولم تسجل الجامعة ولو مجرد موقف للتاريخ ليذكرفيشكر. بل العكس، فإن جراح الأمة العربية قد تضاعفت وجسور لتعاون والتكامل فيما بين أقطارالمنطقة تباعدت، وأمال الشعوب العربية بددت واندثرت. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ، في ظل رياح الانتفاضة العربية التي اجتاحت المنطقة، هل ستتغيرجامعة الدول العربية لتواكب التطورات الجذرية بما يضفي إدخال إصلاحات على عملها وهيكلتها وأهدافها مما يمهد لفتح صفحة جديدة ومد جسورالثقة مع المواطن العربي الذي ضاق ذرعا من الوعود الهاوية والشعارات الفارغة؟ كان مسارجامعة الدول العربية شحيحا جدا من حيث الإنجازات، فجل المواقف التي اتخذت صلب المنظمة حيال قضايا جوهرية تهدد أمن المنطقة برمتها وتمس من الكرامة والهوية العربية حقيقة مخذلة . والأمثلة في هذا المضمار للأسف عديدة ومن أبرزها : القضية الفلسطينية وهي بالأساس قضية الأمة العربية التي شكلت محورالفشل الأساسي للمنظمة في القيام بأي دورفاعل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي؛ أوحتى حماية الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية لحفظ ماء الوجه. فالقضية لم تحقق أي تقدم ملحوظ بل على العكس تراجعت وأصبحت معقدة أكثرمن ذي قبل. ونقاط الاستفهام عديدة حول دورالمنظمة في هذا الملف. أين جامعة الدول العربية من حصارغزة الغانق؟ أين جامعة الدول العربية من حرب الرصاص المسكوب التي نفذتها إسرائيل على القطاع؟ أين الجامعة من الانتهاكات اليومية لحقوق الفلسطينيين في الضفة؟ إن قطع الأمل في الجامعة من الشعوب العربية لحل قضايا المنطقة لم يأت من فراغ بل جاء من حقائق واضحة نجد رمزيتها في الفرق مثلا بين موقف الرئيس التركي في مؤتمرانابولس من الرئيس الإسرائلي وموقف الأمين العام لجامعة الدول العربية : الرئيس التركي طيب أوردغان غضب من أجل الشعب الفلسطيني في غزة وغادرالمؤتمر، واميننا العام ، العربي، والذي يفترض به أن يعبرعن الضميرالعربي إزاء القضية ذاتها لم يغضب ، بل بقي جالسا. ناهيك موقف المنظمة العربية من غزوالعراق، إنها لم تنبس ببنت شفة إزاء الاحتلال الأمريكي السافروانتهاكه الصارخ لحقوق الإنسان، وما آلت إليه الاوضاع هناك الى حد الساعة. فالعراق أصبح بمثابة الجحيم!!!. يضافة الى ذلك ملف السودان الذي قسم الى دولتين وفق أهداف غربية تعمل على تفتيت وتقسيم دول المنطقة لإضعافها وتبديد قواها؛ زد على ذلك الصمت الرهيب حيال العلاقات الديبلوماسية الوثيقة بين إسرائيل وجنوب السودان وما يشكله من تهديد كبيرعلى الأمن القومي العربي. إن ما يستنتج من مسارالجامعة طيلة هذه السنين أنها كانت تحترف تدويل قضايا الأمة العربية وتتنصل من المسؤولية المنوطة بعهدتها لترميها تحت أقدام العدو. فرصة لضخ دماء جديدة. لقد مكنت الثورات العربية جامعة الدول فرصة سانحة من أجل إعادة ضخ دماء جديدة في صلب الهيئة ورسم مسارجديد مغايرتماما لسابقه لتصبح المنظمة أزرا للشعوب العربية بعد أن كانت مصالحها رهينة مصالح نخبها الحاكمة التي آثرت التباعد والتناقض على التكامل والتعاون فيما بينهم. وقد بدا موقف الجامعة من الأزمة الليبية بالوقوف مع الشعب الليبي (لأول مرة) جاء ليدشن مرحلة جديدة في تاريخ هذه المنظمة وتنسجم مع التغيرات والتحولات الكبيرة في المنطقة ... لكن موقفها من الانتفاضة في سوريا كان مغايرا تماما وبدد كل الآمال في التغيير؛ مما يعكس نفاقا وازدواجا فاضحا في المواقف تجاه القضيتين. فزيارة الأمين العام للجامعة نبيل العربي إلى سوريا جاءت متأخرة جدا وبعد أن وصلت الأمور الى طريق مسدود، بعد ماذا؟ بعد أن سفك الأسد دماء شعبه بترسانته العسكرية المدمرة التي أتت على الأخضر واليابس، لينتهي الأمر الى السقوط في دوامة الحرب الأهلية. كما أن تجاهل الرئيس السوري بشارالأسد لمقترحات الجامعة أكد مدى ضعفها وعجزها على وضع حد للمجزرة في سوريا وكبح جماح النظام. فالجامعة غير قادرة على اتخاذ موقف حاسم تجاه الأزمة في سوريا والضغط على النظام رغم فقدانه الشرعية داخليا ودوليا. بالتالي فإن مصيرها رهين المواقف الذي ستتخذ ه (يجب أن تتخذه في أقرب الاجال) حيال الثورات العربية، إما الزوال أو بعث روح جديدة. رصاصة الرحمة اكتشف مؤخرا عن مساعي خليجية حثيثة بدعم أمريكي ومباركة سعودية تطبخ على نارهادئة داخل أروقة قطرالديبلوماسية من أجل تجهيزلجنازة جامعة الدول واستبدالها بهيئة جديدة تحت مسمى الاتحاد العربي. وقد تم الاستناد في ذلك إلى مسارالجامعة الفاشل وعدم فاعليتها في ظل التغيرات الجذرية التي طرأت على المنطقة. لكن قوبل هذا الاقتراح برفض مصري قاطع لأن هيئة جديدة تعني إنهاء سيطرتهم عليها. كما أن هذه المساعي القطرية جاءت أساسا بعد فشلها في الحصول على الأمانة العامة للجامعة مؤخرا، و أن انضمام كل من الأردن والمغرب في الآونة الأخيرة الى بلدان الخليج، تمهيدا لإعلان الاتحاد العربي المشروع الخليجي الجديد من خلال تحطيم المعبد على من فيه وبناء معبد سياسي جديد. فهل ستكون هذه المساعي الخليجية بمثابة رصاصة الرحمة التي تطلق على جامعة الدول العربية؟ محمد علي العوني