فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    دعوة إلى مراجعة اليات التمويل    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    وزير الدّاخليّة يشرف على موكب إحياء الذكرى 68 لعيد قوّات الأمن الدّاخلي    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    نقابة الصحفيين التونسيين تُدين الحكم بالسجن في حق بُوغلاب    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قويّة    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    عاجل/ هذه الدولة تحذر من "تسونامي"..    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب و «الشرق الاوسط الكبير»: هل يكمن الداء...في وصفة الدواء؟ (1)
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


تونس الشروق :
لم يتوقف العرب عن تلقي المفاجأة وراء الاخرى. آخر هذه المفاجآت، هي التطوّرات التي عرفتها المبادرة الامريكية المعلن عنها منذ ديسمبر 2002، والتي شكلت دعوة ادخال اصلاحات جذرية على مستوى الدول العربية، الركن الاخير فيها، ضمن افكار اخرى، هي خاصة، دعم الحضور الامريكي العسكري في المنطقة والقضاء على النظام العراقي وايجاد حل للصراع العربي الاسرائيلي... هذه الدعوة تحوّلت الى مشروع امريكي اكثر الحاحا، بل الى مشاريع، المانية، دانماركية، وغيرها مما استوجب، طرحها بشكل موحّد خلال قمّة مجموعة ا لثمانية في جوان المقبل. الأمر الذي يعطي الانطباع بأنه لا مفرّ أمام العرب سوى التعامل مع هذه المشاريع، التي تتبناها مجموعة الثمانية، والتي يقول البعض، إنها تمتلك ما يكفي من «التمثيلية»، التي تجعل توصياتها تحظى بالقبول! ثم ان ا عتماد المبادرة الامريكية على تقريري التنمية البشرية في العالم، وفي العالم العربي، واللذين عكسا مؤشرات خطيرة للتنمية البشرية في العالم العربي، واللذين عكسا مؤشرات خطيرة للتنمية البشرية في العالم العربي، تبرّر، حسب البعض، طرح هذه المبادرة والاصرار على ضرورة ادخال هذه الاصلاحات.
في هذا الملف، تطرح «الشروق» هذه المبادرة للنقاش، فيما هي الخطوط العريضة للمبادرة الامريكية، والتي ظلّت ا لى حد الان من قبيل التسريبات، في انتظار ما سيقدّم الى قمّة الثمانية... ما هي ملامح دعوات الاصلاح الاوروبية، التي ظهرت، كردّ فعل على المبادرة الامريكية.
وقد تحدّثت «الشروق»، في عواصم عربية عديدة، الى خبراء السياسة والاقتصاد، والى المفكّرين. استقرأت المواقف بشأن «الشرق الاوسط الكبير». فتحت المجال للمدافعين عن هذه المبادرة وكذلك للرافضين، فهذا الدكتور شريف دلاور، من مصر يدعو العرب للقبول بهذه المبادرة، والى التفاوض «الابتكاري» معها، كما يدعوهم الى مناقشة الامور والنظر لها بعيون المصلحة.
المدافعون عن المبادرة، وهم قلّة، يبرّرون مواقفهم، بقوّة الادارة الامريكية وقدرتها على فرض ما تريد. ويبررون الامر ايضا بتقريري الامم المتحدة، اللذين ساهم الخبراء العرب، في وضعهما، وخاصة تقرير التنمية البشرية الخاص بالعالم العربي، ويبررون موقفهم بوضعية الحريات العامة في العالم العربي، وكذلك وضع المرأة وغيرها من المسائل الحيوية... وهي كلّها عيوب ونقائص يعترف بها الرافضون للمبادرة الامريكية ولا يجادلون حولها، ولكنهم يؤكدون، إنه ما من اصلاح يمكن فرضه من الخارج، حتى أن الدكتور جورج جبّور يذهب الى القول بأن الهدف الاساسي من فرض ا صلاح من الخارج، هو منع الاصلاح الذي بدأ يحدث من الداخل، والذي لن يصب بالضرورة في مصلحة هذا الطرف الداعي الى فرض اصلاحات على العرب! ويلتقي كل هؤلاء على القول بأن اي طرف يرغب في طرح الاصلاح، انما ينبغي ان ينطلق في ذلك من حد أدنى من المصداقية، التي ترسي حدّا أدنى من الثقة المتبادلة، ولكن رصيد الادارة الامريكية من الثقة والمصداقية في العالم العربي، لا يرقى الى الصفر. والمحك الاساسي لهذه المصداقية في فلسطين وفي العراق. في فلسطين تنحاز الادارة الامريكية الى الطرف الاسرائيلي، وحتي التعهدات التي اتخذتها على نفسها، فإنها لم تنفذها، بما في ذلك ما التزم به كولن باول وبوش، عند الاعلان سنة 2002 عن المبادرة الامريكية الشاملة للمنطقة، عندما التزمت الادارة الامريكية بتسوية الصراع وبدولة فلسطينية في أفق 2005، حيث ان النتيجة هي ما يحدث الان في الاراضي الفلسطينية المحتلّة، وبضوء أخضر أمريكي، من جدار عازل، ومن قضاء تدريجي على أي أمل في اقامة الدولة الفلسطينية. وكل ذلك يتم برعاية ومباركة من طرف يريد «خيرا» بالعرب ويريد دعوتهم الى «النهوض» بذاتهم، حتي ان احد المتدخلين في هذا الملف قال «إن المخطط الصهيوني القديم قد أصبح مشروعا تتبناه امريكا».
غير بعيد عن فلسطين، يحتل الامريكيون العراق، وينكلون بأهله، ويمارسون ضدّه ممارسات الاحتلال التي يمارسها «المعلّم» في اسرائيل، بل ان الذين يطالبون العرب، بدخول عصر «الحداثة» يحتجزون مئات العلماء العراقيين، خوفا من «تفشي» علمهم.
وحتى وإن افترضنا جدلا، ان الامريكيين جادون في طرح الاصلاح هذا، أليس في ذلك استنقاص، لانسانية العرب ولقدرتهم على النهوض بانفسهم، فهؤلاء ليسوا قصرا...في هذا الملف تكتب الينا الشاعرة فضيلة الشابي والاديب عبد القادر بلحاج نصر، كما يتحدّث الينا كل من صلاح ستيتية وجورج جبّور وفيصل علّوني وعصمت عبد المجيد، وايهاب وهبة وشريف دلاور وسلامة أحمد سلامة وضياء الدين داود والسيد ياسين ومرسى عطاء الله واحمد عبد العظيم وجودة عبد الخالق.
** فيصل علّوني سفير سوريا: المشاريع الأجنبية تهدف الى إحياء «الشرق الأوسطية» بديلا عن القومية العربية
تونس الشروق :
في لقاء مع «الشروق» تحدّث الدكتور فيصل علّوني سفير سوريا ببلادنا عن المشروع الذي تقدمت به سوريا ومصر والسعودية وعن الأهداف الحقيقية لمشاريع الاصلاح المطروحة على العالم العربي وشدد خاصة على انه لو كانت الإدارة الأمريكية جادة في طرح الاصلاح لعملت على انهاء الاحتلال من المنطقة.
* هل لكم أن تقدمووا لنا ملامح المشروع السوري السعودي المصري للاصلاح؟
المشروع المعني هو مشروع ثلاثي مشترك تقدمت به سورية ومصر والسعودية كوثيقة موحدة لتطوير منظومة العمل العربي المشترك وتفعيل آلياته. وتركز هذه الوثيقة على مبدإ أساسي هو الالتزام بتنفيذ ما يتفق عليه بين الدول العربية ووضع الآليات اللازمة لذلك لتكون قادرة على مواجهة التحديات الراهنة والتعامل مع المتغيرات الاقليمية والدولية على قاعدة المصلحة العربية العلياوصون الحقوق العربية.
* ما هي آفاق هذا المشروع؟
اعتمد وزراء الخارجية العرب هذا المشروع وأقروا في ختام اجتماعاتهم بالقاهرة الخميس الماضي بالاجماع وثيقة العهد بين الدول العربية والتي سترفع الى القمة العربية القادمة في تونس لإقرارها من قبل القادة العرب بهدف اصلاح وتطوير منظومة العمل العربي المشترك وتفعيل آلياته من خلال التزام الدول العربية بتنفيذ تلك الوثيقة متضامنين ومتحدين لتحقيق مستقبل أفضل للشعب العربي واقرار السلام العادل والشامل القائم على مبادئ الحق وقرارات الشرعية الدولية واسترجاع الأراضي العربية المحتلة. وتؤكد الوثيقة على الالتزام بتنفيذ ما يتفق عليه بين الدول العربية والقرارات المتخذة في اطار الجامعة العربية خدمة للأهداف والمصالح المشتركة وتعزيزها، كما تتضمن الآليات اللازمة لتنفيذ بنودها وتحقيق الاتحاد العربي والتحرك في عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الجارية في الدول العربية لإنجاز التنمية المستدامة ومواجهة تحديات العصر، بالاضافة الى العمل المشترك والفعال لتحقيق المصالح العربية العليا.
* ما هي حسب رأيكم الأهداف الحقيقية لمشاريع الاصلاح المطروحة على العرب؟
جاء في نص مشروع الشرق الأوسط الكبير انه «طالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة سنشهد زيادة في التطرف والارهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة» أما الاحتلال الاسرائيلي وسياسة ازدواجية المعايير واحتلال العراق، وهي الأسباب الحقيقية للإرهاب والتطرف وانعدام الاستقرار وتعثر التنمية في المنطقة، فلا نجد لها أثرا في المشروع العتيد... كما يشكل محاولة جائرة لمحو هوية المنطقة وإلغاء خصوصيتها الثقافية.
ولو حاولنا تلخيص أبرز أهداف المشروع في عجالة لوجدنا انه يهدف الى احياء «الشرق أوسطية» بديلا عن القومية العربية وتعطيل أية امكانية لترتيب البيت العربي، واختراق المجتمعات العربية عبر توظيف بعض النخب وإثارة النعرات الطائفية والعرقية تحت غطاء التعددية والقضاء على المقاومة العربية في المنطقة.
كما ان معظم الأوروبيين لا يخفون اختلافهم مع المشروع، بل وحتى انتقادهم له. وهذا ما عبّر عنه مؤخرا خافيير سولانا الممثل الأعلى للسياستين الخارجية والأجنبية في الاتحاد الأوروبي بتأكيده على ضروة ألا تتجاهل أية مبادرة بشأن الاصلاح في المنطقة عملية السلام فيها، وتشديده على انه من دون اقرار السلام في المنطقة لن تنجح اية مبادرات تهدف الى الاصلاح وتأكيده ايضا على ان أية مبادرة او جهد يبذل من اجل الاصلاح يجب ان ينبع من داخل الدول العربية...
باختصار لو كانت الادارة الأمريكية جادة في اصلاح أوضاع المنطقة لعملت على انهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل والشامل فيها وليس على اخضاعها ومصادرة حرية وإرادة دولها وشعوبها.
* ما هي الآليات لتنفيذ هذا المشروع؟
وثيقة العهد بين الدول العربية التي سترفع الى القمة القادمة في تونس تضمنت التحرك في عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الجارية في الدول العربية لإنجاز التنمية المستدامة. والمهم أن تقف الدول العربية وقفة تضامنية جادة في مواجهة المشاريع الاستعمارية المفروضة من الخارج وتصوغ المشروع الذي يستجيب لمصالحها الوطنية والقومية.
لقد دعا الكاتب البريطاني باتريك سيل الخبير في شؤون المنطقة، العرب الى اقتراح صفقة على الولايات المتحدة تقول : «أوجدي تسوية للمشكلات السياسية التي تعترضنا مثل التوسع الاستعماري الاسرائيلي، أوضاع الشعب الفلسطيني. تواجد قوى عسكرية أمريكية في قلب منطقتنا العربية واستقلالنا المحدود، عندها سوف نجري الاصلاحات الضرورية لمجتمعاتنا الخالية من الضغوط والحروب والاحتلال».
ولكن يبدو ان الادارة الأمريكية بطرحها مشروع الشرق الأوسط الكبير كما هو مصرّة في تجاهل الأسباب الحقيقية لتردي أوضاع المنطقة لأن احتلال الأراضي العربية يأتي على رأس هذه الأسباب.
** الكاتب والمفكر صلاح ستيتية : أي شهيد عربي، يترك أرضه ل 10 شهداء آخرين؟
تونس (الشروق)
في لقاء مع «الشروق» تحدّث الأستاذ صالح ستيتية عن اشكالية الاصلاح المفروض من الخارج، وعن الأهداف والمرامي الحقيقية للمشروع الأمريكي، كما تحدّث أيضا عن آفاق الوضع العربي، وبدا متشائما إزاء الأوضاع التي آل إليها العالم العربي.
وصلاح ستيتية، هو دبلوماسي عربي سابق، مثّل بلده لبنان في عدة بلدان وخاصة الأوروبية منها، وهو الى ذلك صاحب مؤلفات عديدة، حيث وضع أكثر من 60 كتابا، في الثقافة والأدب والفلسفة، وحرص كما يقول هو نفسه، على أن ينقل قيم وثقافة وحضارة الشرق، العربية الاسلامية الى أوروبا، من خلال تضلّعه في الثقافتين العربية والأوروبية.
* ما هو المغزى من مشاريع الاصلاح المطروحة الآن على العالم العربي، ولماذا الآن؟
الولايات المتحدة تسعى، للسيطرة الكاملة على العالم العربي، رغبة منها في تحقيق عدد من المطامع المرتبطة بمصالحها، وربّما مصالح تنزّلها منزلة قبل مصالحها الخاصة، وهي الوصول الى ايجاد حلّ بين العالم العربي واسرائيل، يكون لمصلحة إسرائيل. وهذا موقف غريب! دولة عظمى، بل هي الدولة العظمى في العالم ولها مصالح كثيرة في كل العالم، وفي العالم العربي بصورة خاصّة، تهتم بإيجاد حل لإسرائيل قبل النظر لشأنها الخاص، وهذا الأمر يدلّ على الارتباط القديم القائم بين البروتستانت الأمريكان، وعالم التوراة. والبروتستانت الأمريكيون، ومنهم بصورة خاصة المسؤولين السياسيين، ليس لديهم في نظري الثقافة الكافية ليروا أن المسيحية بكاملها والاسلام أيضا لهما تاريخهما في المنطقة، وارتباطا بهذا العالم التوراتي، الذي يسعى الأمريكيون للدفاع عنه بصورة عمياء وغير متوازنة.وثانيا، تعود رغبة الأمريكيين في فرض مشاريع الاصلاح، الى الرغبة الأمريكية القديمة لأن تسيطر على منابع النفط، وهو أمر مفهوم، خاصة وأن أهم منابع البترول توجد في العالم العربي وثالثا، إن أمريكا التي ليس لها من ماض استعماري مع المنطقة المتوسطية والعالم العربي، وهي تأتي اليوم بحلم، إن لم يكن للاستعمار، فهو للهمينة وللسيطرة على مناطق كانت مستعمرة لمدة طويلة من قبل الأوروبيين، وهي تريد أن تأخذ هذه المراكز القديمة للنفوذ والسيطرة الأوروبية الاستعمارية، دون تلك الخبرة القديمة، التي جاءت من الجغرافيا إلى حدّ بعيد، ومن التعامل التاريخي بين العالمين العربي والأوروبي.
أمريكا ليست بأوروبا، والشيء الواضح ان أوروبا تبدو منزعجة من هذا المشروع الأمريكي الذي تسميه اصلاح العالم العربي، لأن أوروبا بمعرفتها بالأشياء، ولخبرتها بنفسية الانسان العربي، تدرك أن هذا المشروع الأمريكي سيوصل العالم العربي لمأزق جديد، لأن الديمقراطية لا تفرض، فأسس الديمقراطية هي الحرية، وإذ بأمريكا تقول إنها تريد أن تفرض علينا الديمقراطية، وكأن الديمقراطية، سلعة تباع وتشترى وتنقل من هنا إلى هناك!
العرض الأمريكي يفتقد الى الواقعية في التعامل مع العالم العربي. والكل يعلم ان الاصلاحات في العالم العربي، مسألة ينبغي أن تحدث، فهذا العالم متأخر في ميادين عديدة، والكل يعلم أنه تمّ في العالم العربي، إضاعة فرص عديدة لتطوير الشعوب والبلدان.. والكل يعلم أن العالم العربي يعاني العديد من الأزمات، التي تشكّل خطرا على هذا العالم وعلى مستقبله، منها التصحّر ومنها الأمية، ومنها عدم التوازن الاقتصادي بين الدول العربية نفسها، ومنها أيضا عدم وجود روح ديمقراطية، لأسباب تعود الى انعدام الثقافة الديمقراطية لدى الشعوب العربية نتيجة للاستعمارين الأوروبي والتركي، وكذلك الانفجار الديمغرافي.. فالعالم العربي يتوجّه الى المستقبل، وهو مثقل بالأزمات، دون أن يكون قد وضع مشروعا لضبط أموره، حتى على مدى العشر سنوات القادمة مثلا.. في مثل هذا الوضع تتراكم جميع الأسباب التي تشكّل قنبلة موقوتة، ستنفجر في وقت ما، إذا لم يتم اتخاذ التدابير السريعة لإزالة خطرها.
ولكني أعود وأقول أنه لا يمكن فرض مشاريع إصلاح من الخارج، والاصلاح اما أن يأتي من الذات، واما ألا يكون. والمنطق السليم ينصّ على أن «الحل لا بدّ أن يكون من داخل المشكلة».
أنا أنظر بكثير من التشاؤم إلى هذا البرنامج الأمريكي له طابع انتخابي، فالادارة الأمريكية الحالية لم تحصل على أي نتائج في أي ميدان من الميادين التي فتحتها في العالم. لم تصل الى نتيجة في أفغانستان أو في فلسطين، أو في العراق، حيث فجّرت في هذا البلد وضعا، سوف يكون أخطر إقليميا ودوليا من القضية الفلسطينية.. وها أن هذه الادارة تسعى في آخر أيامها لفرض ما تسميه «اصلاحات»، رغبة منها في أن تتجه الى الرأي العام الأمريكي، والاسرائيلي خاصة، لتقول انها حققت شيئا يمكن أن يساعد على ايجاد الحل السياسي الذي من شأنه أن يضمن تفوّق اسرائيل، كما أنها تقول للعالم الغربي انها بهذا المشروع قد خفّفت من خطر حدوث تفجيرات جديدة تهدّد سلامة العالم.
* عمليا، هل يمكن أن تفرض الادارة الأمريكية هذه المشاريع المرفوضة من قبل العالم العربي؟ وهل تعتقدون أنه بالقوة المفرطة وبالغطرسة يمكن أن تفرض أمريكا هذه الأفكار؟
أعتقد أن أمريكا تلعب ما يسمى ب»البعبعة» فهي تريد أن تقول «انتبهوا الى ما حصل لصدّام حسين، ولعدد من دولكم، انتبهوا للوضع المأساوي الذي يعيشه عرفات عن طريق اسرائيل، انتبهوا الى ما حصل لليبيا!..».
هذا الضغط من شأنه أن يخيف بعض الأنظمة، أما الخوف بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستتحول مجددا وعبر القوة لفرض «نظامها الديمقراطي» على رقعات من العالم العربي، فأعتقد أن ذلك لن يحدث. فهذه الادارة عاجزة عن التدخل في دول عربية أخرى، وهي لم تحقق حتى اليوم أي نتيجة في العراق، وهي بحاجة الى زيادة الجود والآليات لمواجهة الوضع العراقي بالذات..
أعود وأقول، على الرغم من ذلك أن عملية الاصلاح، هي عملية ضرورية، لا تفرض، وإنما حتى ولو فرضت فإنها تحتاج وقتا طويلا لتجسيد ذلك. وأنا أخشى أن تتورط أمريكا من جديد في العالم العربي، في هذه القضية تحديدا، بل من شأن هذا التورط أن تثير النزعات والتيارات المتطرفة في العالم العربي، وأن تشجّع بهذا التصرّف، ما تقول أنها تسعى الى حذفه من الوجود، وكلنا يعلم اليوم أن أي شهيد في العالم العربي، يترك أرضية لظهور 10 استشهاديين، مكانه راغبين بالانتقام له والاستشهاد من أجل مبادئ، بصرف النظر عن مضمون هذه العقيدة الاستشهادية، سواء كانت المواقف أو المبادئ سليمة أم لا.. لذلك أعتقد أن هذا التكتيك الأمريكي مخطئ مائة بالمائة.
لاحظنا أن مساعد كولن باول زار عدة دول عربية وأنه ذهب بعد ذلك الى عدد من الدول الأوروبية لكي يقنع الجميع بالقبول بالخطة الأمريكية، وهي خطة على الورق حتى اليوم وغير معروفة، وكذلك وسائل تنفيذها.. لا أحد يعرف حقيقة المخطط الأمريكي على الأرض.. الدول العربية إجمالا، لم تثن على المبادرة الأمريكية، وكذلك الدول الأوروبية التي تبدو غير مقتنعة بهذا المشروع، الى درجة أن المسؤول الأمريكي صرّح في بروكسال بأن المشروع الأمريكي مفتوح، وأنه سيأخذ بعين الاعتبار جميع المقترحات التي تودّ الدول العربية أو الأوروبية إدخالها على المشروع الأساسي. وأعتقد أن أوروبا وخاصة فرنسا، سيعارضان هذا المشروع، لعدم واقعيته ولخبثه.
* لماذا يطرح الأمريكيون، موضوع اصلاح العالم العربي، دون شعور بأي حرج أو بأنهم يعتدون على حرية هذا العالم في الاختيار، هل يعطي العالم العربي الانطباع بأنه مهزوم أو لقمة سائغة؟
يمكن تفسير الموقف الأمريكي لهذه العوامل أيضا التي تفسّر الهيمنة الأمريكية. أمريكا موجودة اليوم في قلب العالم العربي، عسكريا وبقوة لا يستهان بها، من خلال احتلالها للعراق، وهي تهدد بتلك القوة الدول المجاورة للعراق، وكما قلت في السابق، فهناك عدد من الدول العربية التي خضعت «بواقعية» وبشيء من الذل، للإدارة الأمريكية، وهذه المواقف من شأنها أن تشجّع الأمريكيين على زيادة الضغط على الدول والأنظمة والمسؤولين في العالم العربي، إنما لغة الهيمنة شيء ولغة الواقع شيء آخر، وأعتقد أنه بين رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إذلال الدول والأنظمة العربية، وتمكنها من فرض وجهة نظرها ومشاريعها الاغتصابية على العالم العربي، سيكون لأوروبا دور أساسي، في مساعدة العالم العربي للخروج من هذا الوضع الاذلالي الخطير، ولدفع أمريكا نحو تفهّم أعمق وأدقّ للعالم العربي. وأعتقد أن مفتاح الخروج بالمنطقة من عنق الزجاجة، هو عبر العلاقة مع أوروبا وخاصة مع فرنسا التي سيكون لها دور كبير، في هذا المجال مستقبلا. وعلى الرغم من أنه ليس لفرنسا الامكانيات التي لدى الأمريكيين، إلا أن سياساتها ستكون البديل الوحيد والذكي والواقعي للسياسات الأمريكية.
* سنة تقريبا منذ حصول زلزال العراق، واحتلال هذا البلد، كيف تقيمون ما حدث للعالم العربي، منذ ذلك الوقت؟ وما هي البدائل أمامهم وهم مستهدفون في أكثر من مكان وعلى أكثر من مستوى؟
ما لاحظت أنه خلال كل هذه الفترة لم يتحرّك العالم العربي، وكأنه أصيب بصداع، أو أنه بتلك الصدمة، قد ركبه الجمود. العالم العربي اليوم، مستقيل، من تاريخه، وهناك صمت رهيب في جميع العواصم العربية التي تنتظر أن يقرّر مصير الدول العربية والعالم العربي، خارج العالم العربي وخارج إرادته. العالم العربي لم يكن يوما، بهذا الوضع المتخوّف الصامت غير نشيط في جميع الميادين التي تتطلّب اعادة الثقة للشعوب بذاتها وبحكّامها، بدل ذلك نرى ما سبق وسميته الجمود أو الإلتجاء الى الخضوع أو الى السعي لدى دول صديقة وخاصة في أوروبا لكي تكون تلك الدول الحامية والمحامية للعالم العربي بكامله. نحن في مأزق، ولا يمكنني أن أتنبّأ بكيفية الخروج من المأزق.
وحتى على مستوى الفرد، فإنّه أصبح غير قادر على مواجهة هذا السيل الذي يجرفه، فالانظمة العربية سعت لمحو الإنسان العربي، الذي أصبح وكأنه لا قيمة له وهذا الانسان اليوم، لعدم وجود ديناميكية، أصبح لعبة لا فقط بين أيادي التاريخ، وكأن الحاكم يريد أن يجعل من المحكوم دمية، وإذ به اليوم بحاجة لأن تعود تلك الدمية الى نشاطها الأساسي، اقتناعا بمصيرها والثقة في مستقبلها وفي ذاتها.. ولكن مرّت الساعة.. وألاحظ أن الشعوب نفسها أصبحت سلبية وغير نشيطة إلا في بعض المواقف والمواقع الجزئية، كما في العراق وفلسطين، وهي أعمال تفرض الاحترام وتعيد للإنسان العربي شيئا من كرامته.
* وهل تأملون في حدوث تغيير بفضل قمّة تونس؟
حسب المعلومات المطروحة الآن، يبدو أنه سيتم على هامشها تقييم المشروع الأمريكي، وبنظري، سيكون هناك رفض لهذا المشروع، للأسباب التي تحدثنا عنها في السابق، ومنها خاصة عدم واقعية المشروع، إضافة الى أن الدور الأوروبي المشجّع للتصدّي لمثل هذا المشروع، قد يكون له نتائج ايجابية عند المسؤولين العرب، خاصة وأن الكل يعلم أن الانتخابات الامريكية ستأتي بعد 8 أشهر وأن مصير الادارة الأمريكية هو على كفّ عفريت، وليس من العقل أن يسلّم العرب مصيرهم لإدارة أمريكية غير مؤتمنة على مصيرها هي.
** الدكتور جورج جبّور : الاصلاح الخارجي، يهدف الى منع حدوث إصلاح حقيقي
تونس (الشروق)
في لقاء عبر الهاتف، من دمشق، تحدّث إلينا الدكتور جورج جبّور، أحد المستشارين السابقين في الرئاسة السورية، خلال مرحلة الرئيس حافظ الأسد، وممثل آسيا في لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، المكلّفة بالتعامل مع الاضطهاد العنصري الذي يتعرّض له السود، و قال ان الاصلاح المفروض من الخارج يهدف خاصة الى منع حدوث إصلاح حقيقي ينبع من الذات.
* كيف تنظرون الى دعوات الاصلاح المطروحة على العالم العربي اليوم؟
الإصلاح ينبغي أن يكون من الداخل. وكل إصلاح من الخارج يقصد به أصحابه، منع الإصلاح، لأن الإصلاح الذي يأتي من الخارج يستفزّ كل من هم في الداخل ويشعرهم بأنهم قاصرون، وانهم تحت الوصاية، وهكذا فإن هؤلاء الذين في الداخل، سيتطوّر عندهم شعور بضرورة رفض الإصلاح لأنه يأتي من الخارج، ولا يحافظ على كرامتهم وبالتالي فإن علينا أن نشجّع الاصلاح من الداخل، وعلى كل من يرغب في الاصلاح من الخارج، أن يعلم أن رغبته الحقيقية ليست في الاصلاح، بل في تقويض الإصلاح.
* وهل تعتقدون أن دعوة الاصلاح مبرّرة؟
أمور كثيرة أعتقد أنها تدعو للاصلاح، من منظور داخلي، ومن منظور خارجي الا أني أؤمن بأن الاصلاح ينبغي أن يأتي من الداخل، وأي إصلاح يأتي من الخارج فهدفه الحقيقي هو إعاقة الاصلاح وكل نظام سياسي في العالم يحتمل أن يكون فيه نقاط يلزمها الإصلاح، فأنا مثلا أستطيع أن أقول، بصفتي ممثلا للقارة الآسيوية في مجموعة العمل من الخبراء التي شكلتها لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة للتعامل مع الاضطهاد العنصري الذي يتعرّض له المنحدرون من أصل إفريقي، أي السود، إن نظام لاانتخابات التشريعية الأمريكية ظالم للسود، لأن نسبة السود في المجتمع الأمريكي هي أكبر بكثير من نسبة ممّا هي عليه في المجالس التشريعية، سواء كانت على المستوى الفيدرالي الأمريكي، أو على مستوى كل ولاية على حدة، ولكني لو عبّرت عن هذا الرأي فإن أمريكا القوية لن تسمعني، إلا أن السود في أمريكا هم الذين يحقّ لهم أن يناضلوا، أكثر من غيرهم لإصلاح النظام الأساسي هناك.. وأنا أدعو المعارضين العرب إلى أن يقوموا بمعارضتهم في أوطانهم، معتمدين على أنفسهم، ورافضين لكل معارضة تأتي من الخارج، لأن هذه المساعدة مسمومة في هدفها الأساسي، وفاشلة في قدرتها على التأثير النفسي على الناس.
* ما هو المغزى الحقيقي لمشروع الإصلاح؟
المغازي الأمريكية هي محاربة الاصلاح الداخلي وإشعار الشعوب العربية بأنها عاجزة وقاصرة ومطلوب من أمريكا أن تصلح نفسها وأن تعترف بالقانون، وأن تنفّذ القانون الدولي، بما منحها اللّه من قوّة، وأول معالم تنفيذ القانون الدولي في منطقتنا من العالم هو إنهاء الاحتلال الاسرائيلي لأراض من سوريا ولبنان وللضفة الغربية وغزة.
* تسارع الجهات الدولية لعرض مشاريع على العالم العربي، ألا يعيد إلى الأذهان ما حدث مع «الرجل المريض»، بعد هزيمة الامبراطورية العثمانية؟
نعم، ولكن الامبراطورية العثمانية كان لها رأس في اسطمبول، أما الرجل العربي المريض، فهو رجل له رؤوس متعددة، وهو يعاني منذ فترة طويلة يمكن أن نؤرخ لها ببداية الاحتلال العثماني للوطن العربي في القرن السادس عشر، ولم يكن هذا الرجل المريض متعافيا، حقيقة، في كل تلك الفترة، منذ ذلك الوقت.. بينما كان الرجل العثماني المريض قويا في فترات كثيرة، من تاريخه حتى انه هدّد فيينّا وحاصرها، وهي آنذاك عاصمة أوروبية كبيرة وقوية، وكان حصاره لها في القرن السابع عشر، وقد استعان أهل فيينّا على العثمانيين، بنوع من السحر، فأخذوا يرسمون الهلال، وهو شعار العثمانيين، ويأكلونه دلالة على قوتهم.. ونحن حتى الآن مازلنا نقلّد النمساويين، فنتناول يوميا «الكرواسون».
وفي الحقيقة هم يريدون أن نكون مهزومين، فإذا أصررنا على أننا أقوياء، وإذا أصررنا على إعلان قوتنا، بمزيد من الوحدة، فإنّه سيكون بإمكاننا أن نتصدّى لما يريدون فرضه علينا.
** الشاعرة فضيلة الشابي: املاءات استعمارية... اسقاطها ممكن... بشروط
الاستعمار عاد الى شعوبنا وأوطاننا، استعمار أكثر فظاعة واذا كان كل استعمار فظيع فإن ما نتعرّض له كشعوب عربية وبلدان عربية هي حملة استعمارية بدأت فصولها منذ خمسين سنة بداية من فلسطين ووصل اليوم الى العراق فسقطت بغداد في فخ الاستعمار المعولم.
المرحلة الثالثة الآن هي التغييرات التي تطالب بها الإدارة الامريكية الدول العربية... هذه الكلمة تضحكني! هذا استعمار لأننا نتعرض شعوبا ودولا عربية الى مرحلة استعمار متعدد الجنسيات متصهين معولم... السؤال المطروح كيف نواجه هذا الاستعمار الجديد؟
هذا هوالسؤال الهام، الشعوب العربية من صدمة الى صدمة، الغرب... يخطط لمصالحه في مدى زمني يتجاوز الثمانين سنة يخططون لكل الطبخات السياسية والعسكرية وما نعيشه ليس وليد اليوم بل خطط له منذ زمن بعيد لكننا نحن العرب لم نتعلّم ان الولايات المتحدة الامريكية والغرب اعدّوا كل شيء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لماذا لم نتعلّم نحن العرب هذه النظرة المتوسطة وبعيدة المدى لمصالحنا؟ الآن ليس وقت تحليل لأن الحملة الاستعمارية مفضوحة مهما كانت الشعارات التي تتخفى بها. لكن السؤال: ماهي الخطوات العملية التي يمكن ان تقوم بها الشعوب او الأنظمة العربية الرسمية لأنهما في نفس السلة في أتون هذه الحملة الاستعمارية؟
اعتقد ان النظام الرسمي العربي مطالب بالمصالحة مع الشعوب لإنقاذ المنطقة من الاستعمار. وأجو ان تكون قمة تونس خطوة حقيقية وناجعة للدفاع عن مصالح الشعوب العربية.
فلنتعلّم نحن من الغرب قدرته على التخطيط الاستراتيجي المتوسط والبعيد المدى. لدينا كل الكفاءات للمواجهة لكن هذه الكفاءات مكبّلة ومهمّشة وهو ما فتح الباب لاسرائىل للعربدة في منطقة الشرق الأوسط.
الجدار ليس في فلسطين فقط لكنه في العالم العربي هناك جدران اخرى في الدول العربية يجب ان تزول حتى لا نندثر طالب مثقفون عرب سابقا وها انا أطالب الآن ليس بالوحدة العربية لكن اطالب باتحاد عربي من المحيط الى الخليج لماذا يبحث العرب عن فضاءات اخرى للتعاون ويتجاهلون المجال الحيوي الذي يجمعهم وهو الانتماء الواحد... الغرب لا تعنيه افريقيا وإنما العرب والمسلمون لأن الإدارة الامريكية تريد افراغ المنطقة من شعوبها فحين تذلّ شعب فلسطين او العراق يعني انك امته لم تعد المسألة رد فعل آني. انا اتساءل اين مراكز الاستشراف المستقبلي والاستراتيجي في اوطاننا ماذا فعلت للعالم العربي... اين النظر الاستراتيجي لمصالحنا؟
انا كمثقفة عربية حتى لا تعرّى ظهورنا أطالب بالتبنّي الفوري لخطوات عملية صارمة وناجعة وتخطي ما يسمى ب»الواقعية» التي اصبحت مرادفة للإيقاع بنا كشعوب وبلدان عربية.
الشعوب العربية تعوّدت الموت في الدفاع عن الارض زمن الاستعمار لذلك فهي لن تصمت امام هذه الحملة الاستعمارية التي يروّج لها باسم «الاصلاح» هذه الكلمة مضحكة لأنها تخفي حقيقة الاملاءات الاستعمارية الجديدة التي علينا ان نقف في وجهها صفّا واحدا شعوبا وأنظمة.
** عبد القادر بن الحاج نصر: ظلم ذوي القربى أهون مائة مرّة ممّا يخطّطه الاستعمار الجديد لنا
1 الرقاب الممدودة
منذ أن بدأ تاريخ الحروب، والصراع على النفوذ بمعناه الشامل، والسعي الى التفوّق على الآخر، كان أصحاب المبادرة يعتمدون على رموز استوى لديها «الماء والخشب»، فالوطن الذي ينتمون اليه بالثقافة والدّين والمنشأ لا علاقة لهم به إلاّ بقدر ما يستقطعون منه لأنفسهم من أرباح مالية، فإذا سدّت أمامهم هذه المنافذ ووجدوا أنه بالإمكان الاستعانة بالغرباء أو بالأعداء كي يستعيدوا مراكز النهب والسلب لخيرات بلدهم فإنهم لا يتأخّرون ساعة زمن لفتح البوّابات عريضة أمام أعداء وطنهم حتى يدخلوا ويعيثوا في الممتلكات فسادا، وفي الهوية تشويها، وفي الثقافة طمسا، مقابل أن يمنحوا مركز نفوذ حلموا به ولم يدركوه، أو كانوا فيه وأخرجوا منه.
أما الوطن، أما الأمّة، أما الحضارة التي ولدوا في أحضانها، وترعرعوا في رحابها فإنها تصبح في نظرهم أقل قيمة من علبة السيجار الفاخر التي تصلهم كل آخر شهر.
الغزاة والساعون الى الاستيلاء على أوطان الغير، لا يتاح لهم تحقيق حلمهم هذا، إلا إذا وضعوا أقدامهم، ساعة للغزو على رقاب وأكتاف رموز بشرية خارجة عن القانون، متنصّلة من الوطنية، عاقّة، ولا يتحرّك لها ساكن وهي تشاهد بلدها يدمّر على رؤوس الأهل، ومنجزاته ومكتباته، وشواهد حضارته تسوّى بالأرض، أو تذهب لتبتلعها خزائن الغزاة الى أبد الآبدين.
2 شرق أوسط متأمرك
طرحت فكرة الشرق الأوسط الكبير من قبل الادارة الأمريكية الحالية، وكانت من قبل تتردّد في أحاديث مختلفة، وبأشكال تتعدّد فيها الألوان و يتوحّد فيها الجوهر، عندما أحسّت هذه الادارة أنها أصبحت فاعلة في سلوك وعقول، وتوجّهات العديد ممّن يسمّون بالمثقفين المتسيّسين أو ممّن جاؤوا الى المسؤولية السياسية، ومراكز النفوذ بالحديد والنّار، واعتمدوا في وجودهم وسطوتهم وتجاوزاتهم على الدعم الأمريكي المشروط دائما. وأمريكا مثلما شاهدنا وتأكدنا تغضّ الطرف عن أبشع الجرائم التي ترتكب ضد الشعوب إذا كان ذلك خدمة لمصالحها، وتثور ثورة لا هوادة فيها إذا نطحت عنزة عنزة أخرى في أي مكان من الوطن العربي، معتبرة ذلك جريمة ضد حيوانات الأرض التي يجب أن يقام بينها الحدّ ويحكم بين العنزتين بالعدل والقسطاس، فالعرب في نظرهم يصبحون دمويين ومتخلفين وحضارتهم وثقافتهم ودينهم تستوجب كلها المراجعة والتعديل لأن عنزة ظلمت عنزة في زريبة أحد مواطني بلد من بلدانهم ولم يقم عليها الحدّ.
وللوصول الى تحقيق هدف من الأهداف الأمريكية، تدقّ طبول الاعلام، وتنتفض مؤسسات الصحافة والتلفزيون، والاذاعة، واستويوهات السينما، وتستعرض قوة الجيوش، وتتحرّك الأساطيل في البحار، وتخرج ملفّات حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والديمقراطية، والتسامح بين الأجناس والديانات.
ولأن هؤلاء العرب، نحن العرب، من المحيط الى الخليج، رغم أساليب الإذلال التي مارستها أمريكا ضدّنا، ورغم المغريات المادية التي قدمتها وتقدمها لبعض رموز المثقفين والمتسيّسين لإخضاع الإرادة العربية الى الاملاءات الغربية، فإن هناك منا من يتمسّك بالروح العربية، وهو على اعتقاد راسخ بأن في الأمة جذوة كبرياء وشعاع عزّة لا يقهرهما قاهر، لذلك لم يعد أمام أمريكا، في نظرها، لسلب هذه الأمة هويتها وأصالتها وانتماءاتها الحضارية والثقافية والدينية والوطنية، إلا أن تبسط نفوذها الاقتصادي والثقافي والعسكري كاملا غير منقوص بواسطة أطروحة «الشرق الأوسط الكبير»، فإن لم يكن بالرضاء فبالقوة والتدمير.
ولعمري إن المرء ليتساءل، وأمريكا تحتلّ العراق العزيز، وتستبيحه، تستبيح كل ثرواته، لشركاتها، ومن ورائها الشركات الصهيونية، وتمكّن اسرائيل من أعتى وسائل الدمار والتقتيل، ونشاهد يوميا عشرات الفلسطينيين الذين يذبحون، ويفجّرون، وتهدم بيوتهم بالعشرات وتجرف حقولهم، وتفتكّ أراضيهم، ويبنى الجدار العازل ليفصل الوالد عن ولده والأم عن ابنتها، ومع ذلك لا يتحرّك لها ساكن، وتسنّ، أمريكا، قانون عقوبات ضدّ سوريا، وتهدّد المملكة العربية السعودية ومصر، وتلفّق ضدهما التهم، حتى أن التهم أصبحت صناعة أمريكية ضدّ العرب.
كيف بعد هذا يمكن لهؤلاء العرب، من الخليج الى المحيط، عدا الرموز الشاذة، أن يثقوا في ما تقدّمه وتقترحه عليهم هذه الادارة.
3 للتاريخ فقط
لا أعتقد أن هناك شعوبا وحكومات غير الشعوب والحكومات العربية ارتمت بنفس الاندفاع في أحضان أمريكا، وفتحت لها أبواب التعاون على مصراعيه، وسعت الى أن تبني جسور الثقة والصداقة بين الطرفين، على مدى عقود من الزمن، إلا أنه كلّما تقرّبت الشعوب العربية وحكوماتها أكثر من الادارة الأمريكية المتعاقبة إلا وازدادت أمريكا نفورا من العرب، وعداء مجانيا لهم، كأنما استنتجت أن العرب مسؤولين وشعوبا، هم رهن قبضتها الى الأبد، ولا مفرّ لهم منها، وأنهم أي نحن العرب، يجب أن نكون الحقل الدائم لتجاربها المخبريّة. إنّ هذا الكره الأمريكي المتنامي ضدّ العرب، ولّد وسيولّد حتما كرها متناميا للأفكاروالأساليب والمعاملات الأمريكية، فالكره إذا ما تأصّل لا يولّد إلاّ مقابلا له. ولقد بات واضحا أن هذا العداء الأعمى للأمة العربية، والذي غذته، المؤامرات الصهيونية، بقدر كبير، جعل من الإدارة الأمريكية، تصرّ على موت أبنائها يوميا في العراق بمعدل جنديين كل يوم دون أن تبادر الى تغيير وجهة نظرها أو حتى الرأفة بجنودها، ومشاعر أمّهات جنودها، لأن المعادلة عند الادارة الجديدة تقوم على اخضاع الإرادة العربية مهما كان الثمن، والاستحواذ على خيرات الوطن العربي، رغم عويل أمّهات جنود المارينز، وصيحات المعارضين للمخططات الاستعمارية، وانتقادات الكتّاب والعلماء والفنّانين، ورجال الكنيسة داخل أمريكا نفسها.
إن الإدارة الأمريكية التي تدّعي أن أطروحة «الشرق الأوسط الكبير» سينشر من خلالها العدل والقانون في هذه المنطقة، تتناسى أنها تنطلق من فكر وسلوك منافيين للقانون الدولي، والأخلاق الانسانية، يتمثلان في التدخل القسري في شؤون الغير، والسعي الى تغيير الهويات والثقافات على قياس النموذج الأمريكي.
لقد شاهدنا كيف تجاوزت الادرة الأمريكية منظمة الأمم المتحدة، وأقرب حلفائها والعدد الأكبر من مواطنيها لتحقق مآرب لها في المنطقة العربية بالذات، وها هي الآن تلوّح بتطبيق العدل والقانون في المنطقة العربية متجاهلة أن جنودها غرقى حتى الرّكب في دماء ودموع الأمهات العربيات في العراق.
4 حتمية التغيير
إن التغيير واجب لا مفرّ منه، مادمنا نؤمن بدورنا في مجريات الأحداث، وفي المساهمة في النهضة الانسانية، ومادام لنا تاريخ، وحضارة، ورصيد ثقافي يندر مثيله، ولكننا نؤمن بتغيير أنفسنا بأنفسنا، وفق عقيدتنا وخصائصنا الاجتماعية والثقافية والدينية، ويمكن لنا، لتحقيق تغيير ايجابي الأخذ بما يتماشى مع أهدافنا من الأفكار والأطروحات والدراسات التي أنجزها أو ينجزها الآخرون دون أهداف مسبّقة، أو نوايا استعمهارية مبيّتة تخدم أصحاب الفكرة لا أصحاب الوطن والأرض، وبما أن الزمن يجري والأحداث الجسام تتتالى فإن التغيير لن يكون على مراحل وبالتدريج، مثلما ينادي به البعض منا ممّن يراوغون شعوبهم من ناحية و يراوغون الضغوطات الخارجية من ناحية أخرى، كما لن يكون التغيير بين عشية وضحاها مثلما ينادي بذلك رموز المتعاونين مع المنادين بمشروع «الشرق الأوسط الكبير» لأن ذلك لن يكون إلا كارثة على الهوية والخصائص، ولكن التغيير بادئ ذي بدء يستوجب قرارا وطنيا يتخذه أصحاب الأمر والنهي، ويستند الى مطالب الشعوب وحقوقها في مستقبل أفضل. وإنني من الذين يفضلون مائة مرة تجاوزات المسؤول العربي، على تغيير يقوم به الأعداء ليستبيحوا به الأعراض والممتلكات، ويهيئوا للصهيونية موطن قدم، ولنا في ما يحدث في العراق أكبر دليل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.