«المسلمون بالمهجر لا يعيشون في بلد إسلامي ولا يمكنهم إرغاما الشعوب على تغيير عقائدهم» طهران – الصباح انتقد المعارض السوري محمد فؤاد البرازي رئيس الرابطة الاسلامية في الدنمارك المشهد الراهن في سوريا واعتبر أن تضمن الدستور في بنوده ما يقر بأن «حزب البعث» هو حاكم الشعب إهانة للسوريين، مضيفا أن هذا البند يعتبر وكأن الارحام السورية عقمت عن انجاب عقلاء أو سياسيين يستطيعون ادارة البلاد. وقال البرازي الذي لجأ الى الدنمارك منذ سبعينات القرن الماضي أن تجربته في المهجر علمته أن اندماج المسلمين في المجتمعات التي ينتمون اليها مهم في كسب احترام الاخر وسلاح للدفاع في نفس الوقت على هويتهم الاسلامية، واعتبر محمد فؤاد البرازي عضو مجمع فقهاء الشريعة في لقاء معه في العاصمة الايرانية طهران على هامش مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية أنه من الظلم والاجحاف تحميل الاسلام والمسلمين مظاهر التطرف والعنف. ودعا البرازي المسلمين في أوروبا الى الاندماج في المجتمعات التي ينتمون اليها والاستفادة من ثقافتهم مع احترام القوانين والانظمة فيها، وقال «نحن لسنا في بلد اسلام ولا تحكمنا دولة خلافة اسلامية ولا يمكننا بأية حال من الاحوال اجبار الناس على تغيير عقائدهم»، مشيرا الى أن دعوة حزب التحرير في الدانمارك الى مقاطعة الانتخابات أمر مرفوض». وفي ما يلي نص الحديث:
حوار: آسيا العتروس
أي دور يمكن للرابطة الضلوع به لمواجهة ما يتعرض له المسلمون في أوروبا من عنصرية وتطرف؟
اولا الرابطة تقدم الكثير من الخدمات الدينية والثقافية والاجتماعية للجالية المسلمة في الدانمارك والهدف من ذلك التعريف بالدين الاسلامي وربط المسلمين في المهجر بالمجتمع الذي يعيشون فيه لأنه ليس من المعقول ان يبقى الانسان معزولا عن المجتمع الذي ينتمي اليه ولابد اذن من التواصل بالطريقة المناسبة التي تجعل الجالية تستفيد من التواصل ومن معطيات العصر ومما يقدمه هذا المجتمع للمهاجر المقيم على أرضهم من فرص ومن ذلك أن مهمتنا تقتضي منا أن نتواصل مع النخب السياسية في المجتمع وكذلك العلمية لاحداث نوع من التواصل والتفاهم وهو ما حقق للجالية المسلمة نتائج ايجابية كثيرة.
وكيف يمكن تفسير تفاقم ظاهرة التطرف ضد الاسلام والمسلمين في أوروبا، وماذا قدمت رابطتكم للتصدي لظاهرة الاسلاموفوبيا؟
نحاول دوما اعتماد لغة الخطاب والاقناع بأن الاسلام شيء وما يمكن أن يقوم به بعض المسلمين المتطرفين شيء آخر وأن التطرف والعنف لا يعرف دينا ولا مذهبا ومن ذلك ما كان يقوم به الجيش الايرلندي من تفجيرات في لندن وكذلك بعض الجماعات المتطرفة في بلدانها التي تقتل وتخرب، ونستذكر قبل أشهر ما قام به متطرف نرويجي عندما استهدف العشرات من المواطنين وهو ما يعني أن التركيز على الاسلام فيه اجحاف فهؤلاء الذين ذكرت لا يمتون للاسلام بصلة وبالتالي فان التركيز على مسألة الاسلاموفوبيا خطأ كبير والمفروض طرح فكرة العنف والتطرف لان التطرف قاسم مشترك في عديد الاديان ومن الظلم الحاق هذا الامر بالاسلام والمسلمين دون غيرهم .
لماذا يفشل المهاجرون المسلمون في الاندماج وسط المجتمعات التي ينتمون اليها، ولماذا تبقى النخبة عاجزة عن تنظيم صفوفها والاستفادة من موقعها في هذه المجتمعات؟
لدينا نحو ثلاثمائة مسلم في الدنمارك من بين خمسة ملايين وقد نجح خلال انتخابات الشهر الماضي ثلاثة من المسلمين في دخول البرلمان ولاشك أنه من المهم أن يكون للجاليات المسلمة في هذه البلدان حضورها على الساحة السياسية وبالتالي الاستفادة من كل المعطيات المتوفرة للمهاجرين على هذه الارض والاندماج مع المجتمع وفهم عاداته وتعلم لغته وثقافته ومن أساليب التنمية المتوفرة لديه وربما البحث عن نقلها الى مجتمعاتنا، ولكن دون التفريط في هويتنا الاسلامية. مع الاسف أن البعض يفهمون هذا الاندماج على أنه ذوبان وانسلاخ وانعتاق من الارث والدين والتاريخ وهذا ليس صحيحا. أنا مسلم دنماركي أحترم القوانين والانظمة المعمول بها في البلاد دون أن أنسلخ عن ديني ولاشيء يمكن أن يجبرني على ذلك واسلامي لا يمنعني أن أكون مواطنا صالحا وأقوم بواجباتي وأقدم خدمات لهذا المجتمع الذي أنتمي اليه منذ عشرين عاما وحصل فيه أبنائي على شهاداتهم الجامعية . ما نشعر به اليوم أن هناك شريحة عامة من الدنماركيين بدؤوا يفهمون المسلمين بشكل جيد ولكن الاعلام المعادي للاسلام هو أكبر مشكلة.
كيف تعاطيتم مع مشكلة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للاسلام، وماذا قدمت الرابطة لتجاوز تلك الازمة في حينها؟
علينا التاكيد أن أول من فجر تلك الازمة هي وسائل الاعلام حيث قامت احدى الصحف بنشر تلك الرسوم وطبعا أثار ذلك مشاعرنا بشكل كبير وهو ما دفعنا الى تنظيم مظاهرات سلمية حضارية واشتركت معنا في ذلك عديد الفعاليات في المجتمع. طبعا كنا حريصين على الحصول على الموافقة الرسمية لتنظيم تلك المظاهرات وخرج الآلاف في أول مظاهرة تنظم في العالم احتجاجا على تلك الرسوم وحاولنا اعتماد اللغة الدنماركية لتوزيع الشعارات والبيانات ليفهم الشعب الدنماركي رسالتنا. وقد دعونا الحكومة والصحيفة المعنية للاعتذار للمسلمين. وتصاعدت بعد ذلك الاحداث ووصلت المظاهرات الاحتجاجية الى العالم الاسلامي كله... نعتبر أن الازمة انتهت الآن، فكما أننا لا نحب أن يسيء الينا أحد فاننا لا نحب الاساءة للمجتمع الذي نعيش فيه. فنحن في نهاية المطاف جزء من هذا المجتمع وما نريده هو فرض احترامنا كبقية المواطنين في الدانمارك. الحكومة السابقة وقد استمرت على رأس السلطة عشر سنوات هي حكومة يمينية متشددة لا تقبل الحوار معنا ولكن الانتخابات النيابية التي نظمت الشهر الماضي قلبت المعادلة ونجحت المعارضة في الانتخابات وهي تقبل الحوار مع المسلمين وتدعو اليه معهم. ولكن المؤسف والمثير فعلا أن أمامنا أحد التوجهات الاسلامية في الدانمارك وأذكر أن حزب التحرير ما انفك يدعو الى تحريم المشاركة في الانتخابات وهؤلاء المتطرفون فكريا صاروا اليوم يروجون الى أن المشاركة في الانتخابات ارتداد عن الدين وقد حاولنا كرابطة التصدي لذلك واقناع المواطنين المسلمين بغير ذلك واعتبار أن الانتخابات ليست جائزة فقط بل انها واجب وطني وأن مسؤوليتنا كجزء من هذا الشعب هي اقصاء الحزب أو الاحزاب اليمينية التي تسيئ الى الاسلام و المسلمين والتي ترتب حزمة من القوانين المتشددة التي تريد فرضها على المسلمين وقد تجاوبت الجاليات المسلمة مع هذه الدعوة و سجلت مشاركة ايجابية في الانتخابات. من المهم بالنسبة لمن كان في موقعنا أن نفهم الواقع الذي نعيشه نحن لسنا في بلد اسلامي ولا تحكمنا دولة خلافة اسلامية وبالتالي وجب علينا أن نكون على قدر من الحكمة للتعاون مع هذا المجتمع حسب المتاح وليس مفروضا علينا أن نرغم غيرنا على تغيير عقائدهم وإلزام الناس بذلك يتنزل في اطار الارهاب الفكري الذي نرفض أن يمارس علينا كما نرفض ممارسته على الآخرين ونعتمد في ذلك على القول بأنه لا اكراه في الدين.
لو نعود الى المشهد السوري وأنت من المعارضين السوريين في المهجر منذ ثلاثة عقود كيف تنظر الى ما يحدث في بلدك الاصلي؟
ما يحدث في سوريا محزن فنحن نشهد في كل يوم سقوط المزيد من الضحايا والمفزع فعلا أن نرى الجيش وقوات الامن تنزل الى الشوارع وتريق الدماء وتعتقل المتظاهرين. كنا ولانزال ضد كل أنواع العنف من أي طرف كان ولكني أقول مع الاسف أن الدولة هي من تقابل المتظاهرين والمحتجين بالاعتقالات والسلاح في حين كان بالامكان امتصاص نقمة الشعب منذ البداية عن طريق منحه حقوقه التي يطالب بها واتاحة الحريات العامة وتحقيق حقوق الانسان التي يطالب بها الجميع.. فنحن أمام شعب يعاني ومنذ فترة طويلة من الحرمان والقهر وهذا ما دفعه الى الخروج الى الشوارع... لكن بدل أن يقابل بالاصغاء قوبل بوعود معسولة وضربات قمعية وغير مقبولة وقد استخدم النظام في ذلك العنف بشكل مفرط ولم يسلم من ذلك بعض الاطفال والنساء وحين يعذب طفل في الثانية عشرة من عمره ويشوه جسده بطريقة حيوانية وتكرر الحكاية مع الفتاة زينب كل ذلك يدعوني الى الحديث باستحياء عما يقترف في حق أبناء هذا الشعب.
لكن الحكومة السورية تتبرأ من ذلك وتقول ان جماعات مسلحة وراء كل الاحداث الدموية؟
هذه من تبريرات النظام ليبعد العمليات الاجرامية عنه وهذه الاعمال لا يقوم بها غير قوات الامن والشبيحة، والعالم كله يرى على الفضائيات كيف يعتقل أفراد من الشعب في الشوارع مقيدين ويهانون ويضربون بالاقدام ويقادون الى أماكن مجهولة، ورأينا أيضا من كانت بعض قوات الامن والشبيحة ترقص من حولهم وعلى اجسادهم، فهل هذه الصور لمندسين أم هي لقوات من الجيش والامن التي عرضتها القنوات؟ لاشك أن هذه الاعمال فظيعة ولم نر لها مثيلا ويؤسفني ان أقول أننا لم نسمع أن الاحتلال الاسرائيلي قطع أطراف أطفال أو رجال ولكن أقول أيضا أنه من حق الشعب أن يختار حكامه وأن يطالب بحقوقه وعلى الحكام أن يدركوا أن أبجديات الديمقراطية تقتضي التداول على السلطة. فقد سئمت الشعوب الحكام الذين اذا استلموا السلطة أخذوا على أنفسهم عهدا بعدم التنازل عنها الا اذا غيبهم الموت، فهؤلاء لم يدركوا أن الزمن تغير وأنه لا مجال لاستمرارالشعوب في قبول القمع وهي تنظر من حولها الى الشعوب الديمقراطية، وإنه لمن أشد الامور ظلما بالنسبة لشعبنا في سوريا أن يتضمن الدستور مادة تنص على أن حزب البعث «هو حاكم الشعب» وكأن الارحام السورية قد عقمت عن أن تخرج عقلاء أو سياسيين او حكماء يستطيعون ادارة شؤون البلاد... انها سخافة مبطنة بدكتاتورية لا نجد لها مثيلا في أية حكومة أو نظام في العالم.