تعيش الأحزاب اليوم ربيعها الحزبي من خلال وفرة وجودها وكثرة مريدها ومنتقديها؛ وفي حمّى السباق المعلن نحو مجلس وطني تأسيسي باتت كراسيه الشاغرة محلّ حرب طاحنة معلنة وخفية.. نجد أحزابا كثيرة تعثرت بمشاكلها الداخلية وفقدت أنصارها وباتت محل نقد وانتقاد من داخل البيت الحزبي ومن خارجه..ويبقى انسحاب أعضاء قيادية من أحزاب معروفة القشة التي قسمت ظهر الأحزاب الطامحة والطامعة في اعتلاء صهوة السلطة بالنظرالى شهرة الأعضاء المنسحبين ووزنهم في أحزابهم وروحهم النضالية التي دفعتهم للتمسّك بأحزابهم في أحلك فترات وجودها عندما كانت تتعرّض للقمع المتواصل من النظام البائد وتعرّض مناضليها للتضيقات والملحقات.. وللوقوف على الأسباب الحقيقة وراء استقالة بعض الوجوه المعروفة من أحزاب كبرى اتصلت «الأسبوعي» بالشخصيات المنسحبة والمعروفة على الساحة السياسية... ضدّ زواج المتعة بين المال والسياسية أنا عضو المكتب السياسي وعضواللجنة المركزية والكاتبة العامة لجامعة بنزرت وكان من المفروض أن أكون رئيس قائمة عن الحزب الديمقراطي التقدمي ووقع انتخاب القائمة وكنت أنا رئيسة القائمة؛ لكن الأمينة العامة ارتأت ان يكون رئيس القائمة مهدي بن غربية. وردّا على هذا التعسّف على الشرعية الانتخابية قرر11 عضوا من جامعة بنزرت الانسحاب . وأريد هنا أن أشيرإلى أن استقالتي لم تكن فردية بل كانت انسحابا جماعيا .. وحول دواعي وأسباب الاستقالة ذكرت السيدة سعاد حجي أن الاستقالة كانت أوّلا لتفنيد إشاعة تشبثي برئاسة القائمة كما عبّرت الأمينة العامة والمنجي اللوزوعصام الشابي أن مشكلتي هي ترأّس القائمة ؛ وهذا غير صحيح . فمرّد احترازي هو الطريقة التي تمت بها عملية تنصيب رئيس القائمة وما فيها من انقلاب على الشرعية الانتخابية..فأنا كنت سألتزم بقرارات القيادة إذا كان من ترأّس القائمة أكفأ مني من حيث جلب الأصوات والنضالية والمصداقية وهنا لا أريد أن أكون مجحفة في حق القيادة؛ فهم حاولوا إقناعي بأن أقبل بالمرتبة الثانية لكني رفضت لاعتبارات مبدئية وأخلاقية ومنها أنه وقع انقلاب على آليات الديمقراطية التي تمت بها تكوين القائمة. وثانيا، كان منطلق رفضنا لهذا الشخص الذي نصّب على رأس قائمة بنزرت أنه لم يعرف بنضالاته في الحزب ؛ وتنصيبه كان على خلفية أنه رجل أعمال مليارديرلكن دون أن يكون هناك كشف واضح لمصادرأمواله؛ فنحن نرفض التعامل مع المال السياسي المشبوه وهنا يبرزالخلل على مستوى رؤية الحزب؛ فبعض أعضاء المكتب السياسي يتعللون بأن طبيعة المرحلة تشهد احتدادا كبيرا للمنافسة وللوصول إلى الكراسي؛ وبما أن المال هو قوام الأعمال كان لزاما أن يتم استقطاب رجال أعمال متنفذين.ولكن أعتقد ان الأخلاق السياسية تفترض أن تكون دائما موجودة في عقيدة أي حزب؛ فالمال السياسي وخاصّة المشبوه يؤثر على نضالية الحزب ومصداقيته..فالرئيس المذكوريدعي أنه سجين نهضوي سابق فكيف لمن كان بالسجن وكلنا نعلم أن من سجن من أجل الانتماء تتم ملاحقته في لقمة عيشه حتى ولو كان بائعا متجوّلا أن يكوّن ثورة طائلة لا نعرف مصدرها.؟» في الأخير سألت محدّثتي ما إذا كانت ستواصل العمل السياسي بعيدا عن الديمقراطي التقدّمي فأكّدت: « أن السياسة هي قدرنا رغم أن الانتماء الحزبي أصبح مجازفة. فجلّ الأحزاب تتقاسم شبهة المال السياسي والتكالب على المناصب..» كما لم تنف السيدة سعاد حجي وجود عروض حزبية بعد إعلانها انسحابها من التقدمي . سجينة الحوض المنجمي تغادر التكتّل إبان احتجاجات الحوض المنجمي وفي خضّم حملة التعتيم الإعلامي الممنهج والتي كان يمارسها النظام البائد كان يندرأن يصدح صوت بحقيقة ما كان يحصل هناك؛ وكان قلة من الصحفيين والمراسلين من تكبّد مخاطرة نقل تفاصيل الواقع الاحتجاجي والمطالب الاجتماعية لمدن الحوض المنجمي ؛ وكانت المناضلة الحقوقية زكية الضيفاوي من بين القلائل اللواتي تنقلن على عين المكان لتعرية الممارسات القمعية التي كان يأتيها النظام في حق الأهالي بعد أن احتشدوا للتنديد بالطغيان والجور والظلم وذلك في إطارعملها كمراسلة لجريدة «مواطنون» التابعة لحزب التكتّل وهي بالإضافة الى ذلك تعتبرمن أبرز مناضلات الحزب، لكن ذهابها إلى الرديف دفعت ضريبته غاليا؛ فقد سجنت في مرحلة أولى سنة 2008 ثم فصلت بعد ذلك من عملها كأستاذة تعليم ثانوي؛ ورغم ذلك فإن هذه التضحيات الجسام لم تثنها عن تمسّكها بحزب التكتّل في الأوقات الصعبة غيرأن الثورة التي صنعها الشعب لتطيح بالدكتاتوروتعمّ فوائدها على الأحزاب التي انعشتها الحرية فرضت علاقة جديدة بين الأحزاب ومناضليها بحيث إن الوافدين الجدد على هذه الأحزاب احتلوا أماكن من استبسل في النضالية في سبيل حزبه ..وهونفس ما حصل لزكية ضيفاوي التي استاءت من أن لا تسند لمناضلات ومناضلي الحزب ترأّس القائمات المرشحة للتأسيسي وتمنح لعناصرالتحقت حديثا بالحزب لمجرّد أنها عندها علاقات مع رجال المال السياسي.. البشير الصيد والانسحاب المرّ يعتبرالبشيرالصيد أحد روّاد التيارالقومي في تونس؛ وفي الوقت الذي كان الرأي العام ينتظر بعد الثورة أن يتحالف البعثيون مع الناصريين في جبهة قومية عتيدة تكون قادرة على فرض نفسها سياسيا لأن الإيديولوجية القومية تبدو قريبة من التونسي البسيط المتمسّك بهويته العربية الإسلامية إلا أن العكس هو الذي حصل. والاندماج المتوقّع في المؤتمرالأخيرأصبح استقالة العميد من الحركة الوحدوية التقدمية التي أصبح إسمها «حركة الشعب الوحدوية التقدمية» برئاسة زهير المغزاوي بعد اختلاف شق التيارالناصري فقدأضعف حظوظ البشير الصيد في اقتناص فرصة تاريخية قد لا تكرّرلإثبات جدارته بتصدّرالمشهد السياسي بالنظرلعراقة رصيده التاريخي والنضالي.