خسائر فادحة للعائلة والمجموعة الوطنية في تحويل الكتاب إلى شكل يجمع بين النصوص والتمارين ويستعمل مرة واحدة تونس الصباح: مثل الكتاب المدرسي الى غاية سنوات غير بعيدة المرجع الاساسي الذي يعتمده التلميذ، وذلك لما يحتويه من نصوص محورية في البرنامج الخاص بكل مادة، وايضا لما فيه من نصوص اخري للمطالعة وتعميق تكوين التلميذ واثراء معلوماته. كما كان الكتاب المدرسي في كل مستوياته الموجهة للتلاميذ محتوى راقيا يلم بالبعد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ويتصل ايضا بالبعد المدني والسياسي حيث تتناول نصوصه مفاهيم عامة تضع التلميذ في اتجاه يفهم معه معاني الحرية والفردية والجماعية والحقوق والواجبات وغيرها من المواضيع والاثار الادبية والفكرية ذات الصلة بالقيم من ناحية وبالتطور الذي يشهده المجتمع في علاقة بديناميكيته الداخلية والاطار العالمي كمحيط عام يسير ضمنه. لكن يبدو ان الكتاب المدرسي قد فقد الكثير من هذه الجوانب، حيث غاب عنه هذا المحتوى، فتحول الى مجرد اداة باهتة من جملة ادوات اخرى من حيث محتواه واسلوب وضعه المنهجي، ففقد موقعه الذي كان يتميز به، كما زحف عليه البعد التجاري اذ اصبح يجمع بين صفحات للدروس واخرى للتمارين، وبهذا تحول الى سلعة تستعمل مرة واحدة في السنة " جوتابل"، ولا شك ان في ذلك خسائر سنوية فادحة تتكبدها الدولة عبر التعويض عن الورق والطبع، وكذلك العائلة التي تبقى مجبرة على اعتماد الكتاب لاحد ابنائها فقط بدل تداوله لسنوات. فكيف يمكن ان يكون الكتاب بهذا الشكل، وهذا المحتوى وبهذه المصاريف الطائلة من اجل تجديده في كل سنة؟ وماذا عن جملة الكتب الموازية التي تحيط به لتنقص من دوره وفي الحقيقة ذات اغراض تجارية صرفة؟ الكتاب المدرسي بين المحتوى والمنهجية ضمن هذه الابعاد يمكن القول ان الكتاب المدرسي في تونس لابد ان يتجدد على الدوام، وان يمثل المرآة العاكسة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في كل مجالاتها، ولعل جملة المظاهر التي يفرزها التطور لا بد ان تكون بارزة فيه. وفي هذا السياق لا بد من مواكبة مظاهر الحياة اليومية في كل تجلياتها برصد العلاقات والمشاغل في ابعادها العلمية والاقتصادية وابراز جملة القيم التي تسير المجتمع. كما ان الكتاب لابد ان يطرح في نصوصه المبادئ العامة التي يسير عليها المجتمع والتي تسعى الدولة الى ترسيخها وتعميق الحس بها لكل الفئات الاجتماعية ومن بينها الناشئة، وفي هذا نشير الى المبادئ العامة حول الحريات وحقوق الانسان وكذلك الحقوق والواجبات وغيرها من الجوانب المتصلة بالبعد الثقافي والحضاري. كما يجب ان يركز الكتاب في منهجية واضحة ومبسطة على هذه المحاور الاساسية ، دون نسيان بعض الظواهر بجوانبها السلبية والايجابية التي تحيط بالتلميذ داخل المؤسسة التربوية وفي الشارع والمنزل، وكذلك في علاقة بالوسائل الاتصالية الحديثة التي اصبحت تمثل جزءا بارزا من مجالات الثقافة واستيقاء المعلومة. حتي يبقى الكتاب قيمة علمية ثابتة على الدوام الجانب الاخر الذي يفتح اليوم حوارا كاملا بين الولي والمربي ووزارة التربية والتكوين، وتطرح حوله جملة من التساؤلات العميقة والمحيرة هو القيمة التي اصبح عليها الكتاب المدرسي اليوم، فهو قد تراجع بشكل كبير وفقد الكثير من قيمته، وبات بمثابة الكراس البسيط التي يمكن التخلي عنها كلما انتهت صفحاتها. ولعلنا نذكر جيدا كيف ان الكتاب في سنوات خلت من مسار التربية والتعليم كان يحفظ في المكتبات الخاصة، على اساس انه يمثل مرجعا للجميع بما يحتويه من محتوى جيد، ويمكن العودة اليه على الدوام لما يحتويه من نصوص هامة وآثار فكرية وادبية قيمة. لكن هذه القيمة العلمية قد تراجعت داخل الكتاب فغاب عنه البعد المرجعي وكذلك الاعتبار في جانب هام مما جعله فاقدا لهذه القيمة الاساسية التي يقوم عليها في هدفه الاول الذي جعل من أجله. وفوق كل هذا، فان الكتاب المدرسي قد داهمه البعد التجاري والنظرة الاستهلاكية البحته، شأنه في ذلك شأن بعض السلع والمواد التي تستعمل مرة واحدة ثم يستغنى عنها مثل ادوات الحلاقة وغيرها من المواد الاستهلاكية. وهذا البعد الذي اصبح عليه الكتاب المدرسي يبدو مقصودا وتحركه اياد تجارية ليست لها أية علاقة بالتربية والتعليم والقيم التي تقوم عليها. كما ان لاصحابه نظرة تقوم على الربح الشخصي المقيت الذي لا يراعي البعد التربوي والاجتماعي في مجال التربية والتعليم، ولا يقيم لهذه الجوانب امام المشهد التجاري الذي يحركه أي وزن، والا فكيف يصبح الكتاب المدرسي كتابا وكراسا للتمارين في آن واحد وبالتالي يقع التخلي عنه بانتهاء السنة الدراسية ويطبع الجديد منه على اعتبار انه مستهلك في جانب منه وغير صالح للاستعمال من طرف تلميذ آخر في سنة او سنوات لاحقة. فهل فكر اصحاب هذا التوجه في الاموال الطائلة التي تتكبدها الدولة في كل سنة جراء التعويض الذي تنفقه الدولة من اجل ملايين الكتب وقيمة الورق الذي يورد بالعملة الصعبة؟ وهل اقام هؤلاء الذين انتهجوا هذا النهج مع الكتاب ما تتكبده العائلات سنويا من مصاريف من أجل الكتاب المدرسي الذي اصبح صالحا لسنة واحدة دون امكانية اعتماده في السنة الموالية؟ ان هذه الصورة والتوجه الذي فرض في التعامل مع الكتاب المدرسي اليوم فريد من نوعه في العالم، ومظهر آخر من مظاهر ادخال التربية في مجالات تجارية كانت في الواقع لابد ان تكون في منأى عنها. ومن هنا وجب اعادة النظر في تصميم الكتاب المدرسي وفي تعميق محتواه وفي المحافظة عليه لتداوله بين اجيال التلاميذ لسنوات، وفي بقائه بعيدا عن المضاربات وعن الجانب التجاري البحت. بين الكتاب المدرسي والكتب الموازية مشهد آخر، ما انفك يختلط فيه الحابل بالنابل و باتت صورته لا تقل قيمة عن الفوضى في الحقل التربوي، وهو ما يحصل بين واقع الكتاب المدرسي ، واعتماده ودوره، وما يسمى بالكتب الموازية ، وفرضها على التلاميذ. ففي هذا المجال طوق الكتاب المدرسي بجملة من الكتب الموازية حد الاختناق، وبات التلميذ مذبذبا بينها وبين كتابه المدرسي الى حد بات فيه العديد من المربين يعتمدون ويطالبون بهذه الكتب قبل الكتاب المدرسي. ونحن نقول هذا دون الحديث عن محتواها الذي «الله اعلم» بقيمته وبطرق اعتمادها وبمجالات الموافقة على وجودها اصلا في الساحة التربوية. أليس هذا ضرب من التطاول على البرامج التربوية وادخال الانوف فيها، وربحا تجاريا يعتمده البعض ممن يحسبون اليوم على المجال التربوي في حين ان الذي يقودهم هو ربحهم المادي وما يضعونه في جيوبهم من أموال. ان منتجي الكتب الموازية لم يكتفوا، بوضعها وتعميمها على كل المستويات بدءا من الثانية اساسي الى حد الباكالوريا، وفي كل المواد ايضا، بل عملوا على اصدارها بشكل اكثر ربحا، حيث باتت تصدر في ملاحق خاصة بكل ثلاثية، وبهذا اصبح الكتاب الموازي يصدر ثلاث مرات في السنة وذلك ليكتمل محتواه ومواكبته للبرنامج الدراسي، وطبعا ليس الهدف في احكام المحتوى، انما الهدف واضح وهو بالاساس الربح المادي لأن نسخة واحدة منه وبسعر 3 دينارات فما فوق باتت لا تكفي اصحابه، ولابد من ايجاد حيلة ليصبح بصدور 3 ملاحق سعره في حدود 10 دينارات للكتاب الموازي الواحد في السنة؟ وطبعا أمام طفرة هذه الكتب الموازية وتعددها ومطالبة المربي التلميذ بها ربح لاصحابها، واستنزاف لجيب الولي الذي لا يرحمه احد، وتخل يمكن ان يكون مقصودا عن الكتاب المدرسي رغم ما لحقه من تدن في قيمته واسلوب وضعه. فهل بعد هذا يمكن الحديث عن كتاب مدرسي قيم؟ والى متى تبقى السلط المعنية صامتة امام هذا التدهور الذي لحق بالكتاب المدرسي؟