تونس الصباح: تتعالى أصوات العائلات منذ سنوات، ويتذمر المواطنون من التكاليف السنوية التي أصبح عليها الكتاب المدرسي من حيث تعدد أنواعه وكثرتها، وأسلوب اعتماده مرة واحدة، وأيضا التكاليف التي أصبحت عليها الأدوات المدرسية، وما يمثله الكتاب ضمنها من ثقل على جيوب العائلات. كما بات الجميع يتذمرون من شكل الكتاب الذي تحول إلى "كراس كتاب"، يستعمل مرة واحدة، وسنة واحدة ومن طرف تلميذ واحد ليقع التخلي عنه وتعويضه بنسخة جديدة في السنة الدراسية القادمة. قبيل موعد تجديد الكتاب المدرسي وطبعه أفادتنا مصادر عليمة من وزارة التربية والتكوين أن لجان إعداد الكتاب المدرسي من حيث تجديد البعض منه، وتطوير محتوى البعض الآخر، ووضع الكتب الجديدة، قد شارفت على نهاية عملها في هذا الجانب. وينتطر في وقت قريب لاحق أن يتولى المركز البيداغوجي كالعادة طوال فصل الصيف طبع هذه الكتب لتكون جاهزة قبل بداية السنة الدراسية القادمة. وعلى ضوء هذه الأخبار المتصلة بالكتاب المدرسي وفي ظل جملة الاجراءات والقرارات التي أعلن عنها وزير التربية والتكوين نتساءل هل كان للكتاب المدرسي حظ من هذه القرارات، وهل تم العمل على تغيير شكله الذي ضجرت منه العائلات، ومن القيمة الهابطة التي أصبح عليها، والقيمة المتدنية التي تحول إليها، شأنه في ذلك شأن كافة السلع التي تستهلك مرة واحدة ثم يرمى بها في سلات المهملات؟ الكتاب المدرسي.. وتمشي السنوات الأخيرة التمشي المتبع في وضع الكتاب المدرسي قد تكون له إيجابياته البيداغوجية، لكن خسائره المادية كبيرة، أولا على مستوى العائلات التي لم يعد بإمكانها تناقل هذا الكتاب بين أطفالها، ثم تكبدها مصاريف باهظة وتجدد هذه المصاريف لتعويض الكتاب في كل بداية سنة دراسية. كما أن الكتاب المدرسي بالشكل الذي أصبح عليه بات يكلف المجموعة الوطنية، والدولة غاليا، خاصة عبر تجديده في كل سنة في ملايين الكتب الخاصة بكل مستوى دراسي من الأساسي إلى الأقسام النهائية الثانوية ؟ ثم أليس في هذا بعد تجاري تحركه أياد لها مصالحها في أن يكون الكتاب على هذا الشكل، وأن يستعمل مرة واحدة ولسنة واحدة؟ وفي الأخير أين هي قدسية الكتاب المدرسي باعتباره مرجعا من المراجع الدراسية التي لا يمكن العبث بها وبمحتوياتها، والعودة إليها حتى بعد عشرات السنين؟ تجربة " الكتاب الكراس" وما انجر عنها منذ عديد السنوات طلع علينا بعض واضعي البرامج التربوية بأسلوب بيداغوجي جديد تلخص أساسا في اعتماد ما يسمى ب"الكتاب الكراس"، وهو أن يجمع الكتاب المدرسي في صفحاته بين الدروس المعتادة حسب محاورها، وصفحات خاصة بتمارين تنجز مباشرة من طرف التلميذ على الكتاب ذاته. وقد أوهموا الناس في أن ذلك يعتبر تطورا في الأساليب البيداغوجية التي تساعد التلميذ، وتخفف حتى من عبء المحفظة عليه. وفي مقابل هذا أمطروا الوسط التربوي بما لا يقل عن 10 كتب لكل تلميذ وسنة دراسية، ونتج عن ذلك سيل من الدفوعات في بداية كل سنة دراسية، هذا علاوة عن جملة الكتب الموازية التي اختص فيها فريق آخر من المربين، بعضهم متقاعد والبعض الآخر مازال يباشر التدريس، وراحوا يتفننون في وضعها وطرحها في السوق، بل ووصل بهم الأمر إلى حد جعلها تصدر في كل ثلاثية داراسية لمزيد الربح، والمتاجرة بها. كل هذا التطور صاحب الشكل الذي أصبح عليه الكتاب المدرسي، الذي تحول من قيمة علمية ثابتة، إلى سلعة تخضع للعرض والطلب، وتستعمل كل السبل والوسائل من أجل ترويجها. وكان كل هذا يجري منذ سنوات ووزارة الإشراف تتفرج على المشهد الذي أصبح عليه الكتاب المدرسي، والقطاع التربوي الذي بات خاضعا هو الآخر كبقية الأسواق والقطاعات والمواد الاستهلاكية إلى اقتصاد السوق. أن أمر الكتاب المدرسي في الشكل والقيمة المحدودين اللذين هو عليهما الآن، بات أمره محيرا، وكذلك في ما تعلق بالاتجار به قد تحول إلى سلعة كبقية السلع الاستهلاكية، أما بخصوص ما أحيط به من ممارسات غريبة خلال السنوات الأخيرة مثل أيضا عبئا اقتصاديا واجتماعيا على العائلات، كما أنه دخل أيضا في متاهات الربح، وليس القيمة التربوية الثابتة التي يجب أن يكون عليها. وجملة هذه الجوانب المشار إليها تعتبر مؤشرا سلبيا داخل الحقل التربوي كان لابد من تلافيها منذ سنوات، خاصة بعد جملة التشكيات والملاحظات الواردة على الحقل التربوي والقطاع بشكل عام، والدعوات المتتالية لاعتبار الكتاب العمود الفقري الذي تقوم عليه التجربة التربوية في مظاهر نجاحها. فهل تراجع وزارة الإشراف هذا الجانب، وتجعل حدا للسيل الجارف الذي حمل الكتاب المدرسي إلى متاهات كان من الأجدر أن يكون بعيدا عنها؟