عقد صباح أمس أربعة سجناء سابقون قضوا سنوات طويلة خلف القضبان في عهد المخلوع حيث حوكموا بعقوبات طويلة تراوحت بين 21 و27 سنة سجنا، ندوة صحفية.. هؤلاء هم محمد المسدي (قائد طائرة سابق بالخطوط الجوية التونسية) ورشاد جعيدان (كان يعد لدكتوراه في الرياضيات ساعة ايقافه) ومحمد قصي الجعايبي (صيدلاني) وحمادي بن عبد الملك (فلاح من سليانة) كما حضر محاميهم نعمان الفقي. الندوة التي عقدوها طرحوا خلالها ما أسموها بقضية "ليلة المؤتمر" وهي القضية التي أوقفوا بموجبها يوم 29 جويلية 1993 ومن هناك بدأت معاناتهم مع النظام البائد. وصرح أمس السيد محمد المسدي أنه "في ليلة 29 جويلية 1993 سمع طرقا على باب منزله ولما نظر من إحدى النوافذ شاهد أعوان شرطة طلبوا منه أن يتحدثوا إليه لدقيقة واحدة ولكن الدقيقة تحولت إلى 14 سنة سجنا" يواصل المسدي سرد حكايته مع نظام بن علي ليقول: "...ما حدث كان أشبه بالخيال فقد تم أخذي من منزلي ليلا إذ بلغ مسامع البوليس لقاء جمعني بصالح كركر بأحد مقاهي باريس يوم 29 ماي... وفي دهاليز الداخلية تركز استنطاقهم لي حول من تعرف من حركة النهضة وكانوا يعتقدون أني حوت كبير وقع بين أيديهم ومنذ اللحظة الأولى التي وصلت فيها انهالت علي السياط واللكمات والصفعات وتفنن دحروج وجماعته في الاستمتاع بتعذيبي من صعق كهربائي خاصة في أماكن حساسة... ووجدت نفسي أواجه تهما تتعلق بالتخطيط لانقلاب على نظام بن علي والتخطيط لعمليات اختطاف ابنته وابنة عبد الله القلال والتخطيط لتفجير معبد الغريبة بجربة وحرق نزل.. قضيت 36 يوما بدهاليز وزارة الداخلية تحت التعذيب والإهانات وبعدها تم نقلي إلى حاكم التحقيق مع مجموعة من الأشخاص لم تسبق لي معرفتهم ولكن قاضي التحقيق كان موقفه مخزيا حيث هددني بالإعدام كما رفض عرضي على الطبيب الشرعي". وأضاف أنه قضى ثلاث سنوات في الإيقاف ينتظر المحاكمة مثله مثل بقية المتهمين معه "وخلال شهر ماي أو جوان من سنة 1996 تم تقديمنا للمحاكمة التي لم تدم غير ساعة واحدة وبعد المداولة حوكموا بعقوبات مشددة... وبعد أن قضيت 14 سنة من حياتي خلف القضبان خرجت سنة 2006 لأجد نفسي أواجه سجنا آخر، فليس لي الحق في العمل ولا في التنقل إلا بإذن..." وأما قصيّ الجعايبي الصيدلاني الذي حوكم ب26 سنة سجنا فقد ذكر أمس أن هذه القضية ليس لها إطار ولا موضوع مضيفا أنه تم ايقافه عندما كان يتأهب للنوم وقضى يوما وليلة "بين الضرب والإهانات في دهاليز الداخلية وبالرغم من أنهم لم يجدوا بيني وبين جميع من اتهموهم في هذه القضية أية روابط ولكنهم أصروا على اتهامنا وتوريطنا وأنا إلى اليوم أجهل السبب الحقيقي وراء محاكمتنا وما أعرفه أن قضيتنا سياسية أمنية ملفقة.." شقيق المخلوع والمخدرات وتبييض الأموال صرح أمس رشاد جعيدان وهو أحد الذين عانوا من الظلم البائد وكان يحضّر لرسالة الدكتوراه في الرياضيات ساعة اعتقاله من طرف أمن الدولة، أن في تلك الفترة كانت العلاقة متوترة بين تونس وفرنسا حيث تورط منصف بن علي شقيق المخلوع في قضايا مخدرات وتبييض أموال بفرنسا واستاء بن علي كثيرا من ذلك الأمر خاصة بعد أن زار البرلمان الفرنسي ووقعت إهانته فقرر فبركة قضية واختار أشخاصا لهم وزنهم ومناهضين له ولكن لا تربطهم ببعضهم أية علاقة ولفق لنا هذه التهم." ويضيف جعيدان "أذكر ذات مرة التقيت فيها بمحمد مزالي بإحدى المقاهي بباريس فقالي بلادنا في يدي مجرم ..." وعن علي السرياطي صرح رشاد جعيدان لوسائل الإعلام أنه رفع قضية ضد هذا الأخير والمخلوع وعزالدين جنيح وعبد الرحمان القاسمي وعبد الله القلال وبعض مديري السجون كما ذكر أن شقيقه توفي بعد صراعه مع مرض عضال أصابه جراء ما لحقه هو الآخر من تعذيب وضغط نفسي لما كان سجينا. وأما حمادي عبد الملك أو كما يحلو للبعض بمناداته بالحاج عبد الملك وهو فلاح مسن سجن في إطار نفس القضية وحوكم ب21 سنة سجنا وقضية أخرى حوكم فيها ب25 سنة وعن تجربته مع نظام بن علي يقول "حشرت حشرا في القضيتين ووجهت إلي تهم تتعلق بالتخطيط إلى الانقلاب على بن علي حيث جاءتني شاحنة صغيرة تابعة للداخلية وكان بها ثمانية أو تسعة أشخاص وكانوا بحالة سكر ولما وصلت إلى الداخلية وجدت عزالدين جنيح وقال لي أن عنده إذنا من بن علي كي يحطم ابني الذي يدرس بالسربون وهناك لقيت كل ألوان التعذيب وبسبب وزني الزائد لم يكن بإمكانهم ممارسة كل طقوس التعذيب علي حيث لم يكن باستطاعتهم تعليقي عاريا وضربي... ولكنهم كانوا يعوضون ذلك بضربي بعصا غليظة وذات مرة جاء "دحروج" وهو من أشهر المكلفين بمهمة التعذيب وقال لهم "هات، هات نذوق لحم الحاج" كما أن رفيق بالحاج قاسم عاينهم ذات مرة وهم يعذبونني... وأما في شهر رمضان فكانوا يقدمون لنا وجبة بعد أكثر من ساعتين على أذان المغرب ..." ويصمت الحاج حمادي بن عبد الملك بعد أن خنقته العبرات لما تذكر تلك الصفحات التي طبع عليها نظام بن علي سوادهم الأعظم.
فساد القضاء
وخلال الندوة تدخل المحامي نعمان الفقي وبين أنه كان محامي المتهمين وأنهم حوكموا من أجل "تهم خطيرة وملفقة وكان ملف القضية فارغا من الناحية القانونية ولا يوجد فيه لأي دليل على أن المتهمين اجتمعوا ولو لمرة واحدة.." وأضاف يقول "القضاء تخلى عن سلطته لفائدة البوليس والتعذيب في تونس كان مشروعا حتى في القضايا العادية فالقاضي كان من المفروض أن يكون الملاذ الوحيد للحريات وبشير التكاري كان يعطي تعليماته وأوامره للقضاة وقد قدمت قضايا في التعذيب بعد 14 جانفي ولكن من سيحاكم هذا القضاء الذي ساهم في التعذيب..." وفي خاتمة هذا اللقاء الإعلامي أكدوا على أنه ليس لهم أي انتماء سياسي وأنهم اختاروا هذا الوقت لأن الشارع التونسي مهتم اليوم بمتابعة كل ما يجري على الساحة السياسية والاجتماعية وأضافوا أنهم أرادوا أن يطلعوا الرأي العام على هذه المظلمة التي تعرضوا إليها ولم تتناولها وسائل الإعلام. كما أصدروا بيانا ختاميا طالبوا فيه الحكومة باسترداد الاعتبار المعنوي والمادي، والعمل على كشف حقائق وملابسات هذه القضية بالرجوع إلى أرشيف أمن الدولة كما دعوا إلى التحرك قصد إلزام الحكومة الفرنسية بالاعتذار إلى الشعب التونسي لأنها كانت موالية لبن علي.