ما حصل يوم 14 جانفي، ما حصل يوم كنست الثورة الشعبية الساحقة الديكتاتورية في تونس شاهدناه بأم العين. لقد خرج الشعب التونسي إلى الشارع وأسقط نظاما حاكما كان يبدو وكأنه عصي على الكل. لقد هرب بن علي وبات لقبه الجديد المخلوع بعد أن انقشع الضباب وبرزت أمام العيان الأكذوبة التي كان يعيش على وقعها التونسيون 23 سنة كاملة. لقد برزت فجأة سوءة هذا النظام الذي كان يروج فكرة أنه قوي وأنه مهاب ورآه الشعب التونسي ومن ورائه العالم بأسره منزوع الأوراق وبرزت حقيقته عارية تماما. لقد رأينا بأم العين كيف أن العالم هرع إلى الشعب التونسي مباركا الخطوة التي لم تكن تخطر على بال، لقد هرع إلينا العالم يبارك ثورة شعبية ساحقة وانتفاضة زلزلت أركان حكم كان يبدو متينا رغم أنه كان مبنيا على الجور والترهيب والوعيد وسلب الحريات. لقد شاهدنا بأم العين كيف أن المنعرج التاريخي الحاسم الذي تعيشه البشرية في بداية القرن الحادي والعشرين قد انطلق من تونس هذا البلد الصغير المعروف عنه سماحة شعبه وشاهدنا كيف أن رياح الثورة في تونس سرعان ما عصفت بالنظام الجائر بمصرقبل أن تعصف بالطاغية بالجارة ليبيا وتهد أركان نظام القذافي الذي كان والعهد غير بعيد يطرح نفسه على أن لا قوة يمكن أن تقهره في انتظار أن تقع الإطاحة بالانظمة الجائرة بكل بقعة على الأرض. طبعا ما كان لتونس أن تحقق هذا المنعرج الحاسم في تاريخها دون أن يدفع أبناؤها الثمن باهظا. لقد سقط شهداء من التونسيين وسقط الجرحى وسالت دماء وسالت دموع غزيرة لكن التونسيين نهضوا ورفعوا الرأس عاليا. لم يرعبهم الرصاص الحي ولا التهديدات ولم يزدهم سقوط الشهداء إلا اصرارا على القطع مع عهد الظلم وها أن الأشهر تمر بعد 14 جانفي المشهود، ها أنها تمر بما حملته من مفاجآت سارة وعقبات لتؤدي بنا إلى فصل جديد وواعد من فصول تاريخ البلاد التونسية. ها أن أياما قليلة تفصلنا عن الأحد 23 أكتوبر الجاري الذي دعي التونسيون فيه إلى انتخاب المجلس الوطني التأسيسي. ها أن أياما قليلة تفصلنا عن موعد أول انتخابات حرة ومستقلة لا تكون فيها النتائج محسومة ومعروفة من قبل. ومع ذلك هل يصح القول اليوم أن رحلة العذاب، رحلة عذاب التونسيين وتجربتهم مع الحكم الجائر قد انتهت. فهل بات من المتاح لنا أخيرا أن نفرح ؟وهل بات من حقنا أن نتنفس الحرية؟ وهل بات أخيرا من حقنا أن نتكلم دون أن نلتفت من حولنا خشية من أن يكون أحدهم يتلصص على قولنا وفعلنا؟ وهل بات من حقنا أخيرا أن نلعن الحاكم في غيبته؟وأن ندين وننقد وننتقد ونشتم دون أن ينقل كل ذلك على جناح الريح لمن يهمه ومن لا يهمه الأمر؟؟ اعذرونا إن كان الفرح مشوبا عندنا بشيء من الخوف. اعذرونا إن كنا نحتاج في بعض الأحيان لمن يؤكد لنا أننا لا نحلم وأننا لا نعيش حلم اليقضة. اعذرونا عن تلك الأسئلة التي طرحناها وتلك التي تتزاحم في عقولنا لأن الحقيقة تبدو جميلة إلى درجة يصعب علينا تصديقها. اعذرونا لأنهم زرعوا ثقافة الخوف في صدورنا ولأنهم ربونا على أن لا نفرح كثيرا لأنه هناك في كل شبر من يتربص بنا للتنغيص على فرحتنا. أيام قليلة بل يمكن أن نحسبها بالساعات تفصلنا عن الأحد 23 أكتوبر. إننا نوشك أن نصدق. حياة السايب