إلى أي مدى يمكن القول أن المشهد السياسي بعد انتخابات 23 أكتوبر الماضي يمكن أن يستجيب لمطالب وانتظارات أهل الفكر والثقافة والفنون وروادها؟ يبدو مشهد تونسالجديدة غير واضح الملامح لذلك لا يمكن التكهن بالمستقبل. المهم أننا سننتظر تحقيق وتنفيذ ما وعدنا به الفائزون بمقاعد في المجلس التأسيسي في حملتهم الانتخابية ليثبتوا لنا كفاعلين في الميادين الثقافية وللرأي العام أنهم مثلما نجحوا في الإقناع قبل أسبوع قادرون على النجاح في قادم السنوات ليكذبوا الشكوك ويطمئنوا الجميع بسياسة ثقافية تشجع على الإبداع والتميز وإذا فشلوا يتوقف الجميع على فشلهم. فنحن في انتظار مشروعهم النهضوي الثقافي الذي وعدوا أن ينهض بمستوى وقيمة المنجز الثقافي والفني لأبناء هذا الوطن.
على مستوى شخصك هل ستواصل نفس الخيارات في طرحك السينمائي خاصة أنك كنت عرضة للاتهام والتهجم؟
أنا لن أغير طريقتي في العمل ورؤيتي للعالم من زاويا مختلفة للكاميرا من خلال اختيار المواضيع والتركيز على القضايا المتعلقة بالطبقات المهمشة وما يحوم حولها من معاناة أو الخوض في مواضيع ومسائل مسكوت عنها في الخطاب الرسمي للسلطة أو في مستوى المجتمع والأسرة. لأني كنت دائما قريبا من الشعب والمتعبين اجتماعيا. لكن إذا وجدت أن هناك ما يهدد كياني ومشروعي الإبداعي ونظرتي للعالم والأشياء فإنني سوف أتصدى لذلك بقوة لأن دوري كسينمائي ومثقف هو أن أكون سلطة مضادة للسلطة وأن أكون إلى جانب الطبقات المهمشة كما ذكرت من خلال النقد وتعرية الحقائق والتصوير الساخر لمواطن الوهن. ثم أني تمرست على الرفض منذ بداية مسيرتي في الميدان بعد أن زجّ بي في السجن مدة خمس سنوات في السبعينات بسبب مواقفي مع كل من حمة الهمامي ومحمد الكيلاني من سلطة بورقيبة، ثم تكررت المعاناة في عهد حكم بن علي لأنني لم أكن يوما إلى جانب البورجوازية ولو اخترت هذا الاتجاه لكنت أفضل. ثم أن ما تعرضت له مؤخرا من تهجم بالعنف اللفظي والمادي على شخصي لما كنت صحبة ابنتي في أحد الأسواق التونسية من قبل شخص كان حافزا لي لأواصل في نفس الخيار ولأكون أكثر إصرارا على الدفاع عن مشروعي الإبداعي.
كنت سجينا للفكر والرأي هل ما زلت مناصرا لنفس الأفكار التي تعرضت للسجن بسببها؟
إن بقيت الماركسية تعجبني فكفلسفة في المادية الجدلية لا غير، لأنها لا تعجبني كسياسة. ثم إني ملازم لتلاوة القرآن ولاصطحابه معي في كل تنقلاتي وأقرأ تفاسيره بلغات عديدة خاصة عندما يستعصي علي فهم بعض المعاني باللغة العربية. إنني كنت ولازلت ضد الديكتاتورية والرأي الواحد ومع احترام حقوق المواطنة وحقوق الانسان.
المشهد السياسي الجديد خطه الشعب والطبقات التي تحدثت باسمها وهي التي وضعت ملامحها فهل ستواصل في نفس التمشي؟
أعتقد أن من صنع الثورة هم فئة من الشعب لم يكن لهم الحق في القرار السياسي فنجحوا بفضل مساندة جميع التونسيين تقريبا في تغيير نظام الحكم ولكن وإن كان هذا الشعب من صنع ورسم لون ساسي جديد إلا أنه مطالب بالتمسك بمطالبه وإلزام السلطة الجديدة بالاستجابة لانتظاراته. خاصة أنه لا خيار له الآن بعد أن انطلت عليه مسألة الخطاب المزدوج وسقط في «تكتيك» تقسيم المترشحين إلى يساري ضد الهوية ويميني يدافع عن الهوية والإيديولوجيا ويعد بالجنة المنشودة من حيث التشغيل والقضاء على الفقر وغيرها من الوعود التي لا تستسيغها قدرات بلادنا الاقتصادية والاجتماعية.
ألم يُغِرك الواقع بالعودة إلى الخوض في الغمار السياسي؟
لقد ذقت الأمرَّيْن بسبب نشاطي في الحركات السياسية عندما كنت شابا يافعا بالفكر والنضال السياسي ولكني لا أعتبر نفسي رجل سياسة. ولكن أنا الآن أكثر إصرارا على الاضطلاع بدور المعارض وأن أشكل قوة مضادة لنظام الحكم. في المقابل أنا بصدد وضع اللمسات الأخيرة لفيلمي الجديد قبل الانطلاق في التصوير. كان الفيلم يحمل عنوان «ميل فاي» وأدخلت عليه تحويرات وأصبح عنوانه «ديقاج» وسأنطلق في التصوير بداية من يوم 12 نوفمبر القادم بالعاصمة بين لافايات والبحيرة والقصبة. فأنا اعتبر هذا الفيلم مشاركة مني في تناول الحدث الذي أبهج جميع التونسيين منذ 14 جانفي لأن التوق إلى تذوق طعمه لا يزال يسكننا.