المهنية والحيادية والشجاعة الأدبية وتحمل المسؤولية خصال أربع لابد أن يتقاسمها اليوم -وبالتساوي- كل من الصحفي والمسؤول داخل أي منبر أو فضاء اعلامي وطني سواء كان مكتوبا أو مسموعا أو مرئيا... لأنها تمثل في ذاتها الخصال الأم التي بدونها لا يمكن لأية مؤسسة اعلامية -في المطلق- أن تضطلع بدورها الوطني التاريخي -مرحليا- في الارتقاء بالخطاب الاعلامي في زمن الانتقال الديمقراطي... فاذا كانت خصلتا الحيادية والمهنية -مثلا- ضرورتين معلومتين لا غنى لأي صحفي عنهما حتى يتسنى له أداء رسالته الاعلامية بقدر من الحرفية والنزاهة... فان خصلتي الشجاعة الأدبية وتحمل المسؤولية تبدوان -بالمقابل- لا فقط مطلوبتين في شخص المسؤول داخل المؤسسة الاعلامية بل وأيضا بمثابة عنوان بارز لمرحلة الانتقال الديمقراطي ذاتها لأنهما تحيلان على معنى المسؤولية التي هي عنوان كل ممارسة ديمقراطية مدنية متحضرة... هذه ليست مقدمة لدرس في "أخلاقيات المهنة" وانما مدخل لمقاربة ظاهرة الأخطاء المهنية المتكررة التي طبعت أداء قناة "الوطنية1" التلفزية على مدى الأسابيع القليلة الماضية... أخطاء خطرها الأكبر قد لا يكون في ذاتها -على اعتبار أن الخطأ شأن بشري- وانما خاصة في "الأسلوب" الذي اعتمدته الادارة العامة لمعالجتها و"تصحيحها"... مساء السبت الماضي -مثلا- فوجىء المشاهدون ببث تسجيل حي لفقرة انشاد ديني يعود تاريخها لفترة حكم المجرم بن علي أنهاها صاحبها بالدعاء للرئيس المخلوع... (أي والله)... وقبلها ورط أحد قارئي النشرة الرئيسية للأنباء نفسه وبالتالي المؤسسة في تعليق شخصي مرتجل على نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي اعتبره البعض منحازا سياسيا وغير محايد ويحمل اتهامات لأطراف سياسية بعينها... اللافت في الحادثتين هو ذلك "الأسلوب" الأبوي العقابي الذي اعتمدته ادارة التلفزة في "معالجة" المسألة والذي ينم عن عقلية "بطرياركية" متخلفة يفترض أنها وأصحابها قد رحلوا مع رحيل عهد التسلط والقهر والوصاية والفساد الاعلامي... ادارة التلفزة لم تفعل -في الحالتين- سوى أنها أعلنت عن عزمها على محاسبة الأعوان والصحفيين المتسببين في هذه الأخطاء ومعاقبتهم اداريا... فقد جاء في بلاغين في الشأن صادرين تباعا عن الادارة العامة للتلفزة أنه ستتم دعوة من سيثبت "تورطه" في هذه الأخطاء من صحفيين وأعوان تقنيين وحتى اداريين الى المثول امام مجلس التأديب داخل المؤسسة لمساءلتهم والتحقيق معهم... طيب... ولكن ماذا عن رؤوس التسيير والادارة في التلفزة الوطنية؟؟؟ ألا يتحملون بدورهم جزءا من المسؤولية في ما حدث وما قد يحدث؟؟؟ أم أن هؤلاء يتمتعون بحصانة وهمية ووحدهم الصحفيون والتقنيون من يجب أن يحاسبوا لأنهم مثل "عسكر زواوة" مقدمين (بفتح الدال) في الحرب... مؤخرين (بفتح الخاء) في الراتب؟؟؟ في المجتمعات الديمقراطية لا يتردد المسؤول الأول مديرا كان أو وزيرا -ومن منطلق مبدإ الشجاعة الأدبية وتحمل المسؤولية- عن المبادرة بالاستقالة -مثلا- اذا ما اتضح أن المؤسسة التي يديرها قد وقعت في خطإ فادح من شأنه أن يسيء للقيم المدنية والأخلاقية والخدماتية التي تتأسس عليها رسالتها ويتأسس عليه نشاطها... وهو ما سنبقى نطمح الى بلوغه في تونسالجديدة ما دمنا قد انعرجنا منذ 23 أكتوبر نحو طريق الديمقراطية الحق وغير المغشوشة...