تسمع هذه الأيام في الإذاعات والقنوات التلفزية الوطنية تعليقات وانتقادات مفهومة جدا لواقع الإعلام التونسي قبل الثورة وبعدها.. وتقرأ في الصحف مواقف وتعليقات مماثلة.. وكل تلك الانتقادات والتعليقات يمكن تفسيرها بالسقف العالي وبالطموحات العريضة التي رفعت بعد الثورة ادراكا من الجميع بانه لا تقدم ولا اصلاحات حقيقية دون تحسين جدي لواقع الاعلام في البلاد سواء كان مكتوبا او مسموعا او مرئيا او الكترونيا .. وكل هذا ايجابي. لكن ما قد يستحق لحظات من التفكير هو ان يحمل بعض السياسيين والمثقفين والجامعيين مسؤولية تدهور اوضاع الاعلام في العهد السابق للاعلاميين وحدهم مع تجاهل الضغوطات التي كان الصحفيون وارباب المؤسسات الصحفية عرضة لها من قبل السياسيين من رموز الدولة ومن قبل بعض زعامات النقابات والاحزاب والمنظمات ونشطاء شارك بعضهم في طرد صحفيين ومضايقتهم وحرمانهم من الترقيات ومن ممارسة دورهم المهني في ظروف عادية. ان النقد الذاتي مطلوب من الجميع ولا بد ان تعترف كل الاطراف بمسؤوليتها في الثغرات والنقائص في قطاع الاعلام وفي بقية ميادين الحياة العامة وفي الحياة السياسية.. ومن حق كل المخلصين للثورة ولدماء شهدائها ودموع صانعيها طوال عقدين من الزمن ان ينشدوا اعلاما متفتحا وتعدديا وجريئا ينسيهم نصف قرن من الاعلام الموالي سياسيا للزعيم الاوحد والحزب الواحد. لكن أليس من حق الصحفيين التونسيين الذين في رصيدهم الاف المقالات والبرامج الاذاعية والتلفزية النقدية والجريئة والذين كانوا واقفين على الجمر في العهد السابق ان تنصفهم الثورة والمتسابقين على البروز في الشاشات.. جميل ان يسمع المواطن ومئات الاعلاميين التونسيين النزهاء اليوم كلاما جميلا عن زملائهم الذين هاجروا وبرزوا في وسائل اعلام عربية ودولية عديدة. .وعن نشطاء حقوق الانسان الذين ناضلوا من اجل الحريات في تونس من خلال دول المهجر.. لكن الأبطال الذين لا ينبغي هضم حقهم هم من وقفواعلى الجمر في تونس طوال العهد الماضي.. من بين الاعلاميين والمثقفين والحقوقيين والنقابيين النزهاء الذين ناضلوا في مواقعهم ببلدهم وابدعوا رغم القمع وانتجوا الاف المقالات والبرامج الجريئة والمتميزة مهنيا وان كان الثمن غاليا في حالات عديدة. فلتتضافر الجهود لبناء اعلام افضل لتونس الغد عوض التورط في مرحلة جلد الذات وجلد الاخرين دون قراءة ابداعاتهم وكتاباتهم ومعرفة انتاجهم ومساهماتهم ..رغم عقود القمع والزجر المتعدد الاشكال والمصادر..