تحدثت مراكز بحوث أمريكية ومختصون ومحللون سياسيون عن تغير وتطور واضح في العلاقة بين حركة النهضة والإدرات الأمريكية المتعاقبة (برأسيها الديمقراطي والجمهوري), حيث تغيرت نظرة الحكومة الأمريكية للحركة التي اعتبرتها منذ عقود ممثلة للإسلام الراديكالي فيما رأت منذ الماضي القريب ضرورة التعامل معها كطرف إسلامي سياسي معتدل, وبعد 23 أكتوبر كانت الإدارة الأمريكية من بين المهنئين للنهضة بفوزها في الانتخابات بنصيب هام من مقاعد التاسيسي بل إنها قد أعربت عن استعدادها للتعاون معها وقد كان ذلك على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون التي أكدت أن حزب النهضة قد وعد باحترام الحرية الدينية وحقوق النساء وأن العديد من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي في العالم تنخرط طبيعيا في لعبة الديمقراطية في إشارة إلى ما اعتبرته أمريكا الإسلام المعتدل . على امتداد عقود خلت كان اهتمام الولاياتالمتحدة كبيرا بالإسلاميين في تونس، ولم تفوت واشنطن كبيرة ولا صغيرة تهم الحركات الإسلامية وتطورها إلا ورصدته. بن علي و»الاسلام الراديكالي» في التسعينات من القرن الماضي، حارب نظام بن علي «الإسلاميين الراديكاليين» كما تسميهم دراسة نشرها معهد دراسات السياسة الخارجية الأمريكي، وتتحدث الدراسة عن محاولات النظام التونسي آنذاك تبني برنامج النهضة والعمل على تشغيل الشباب من أجل كسب تأييد الشعب. وفي عام 1989، وخلال انتخابات شارك فيها الإسلاميون في تونس، أشارت الدراسة إلى أنّ حركة النهضة تحصلت على عدد كبير من الأصوات حسب إحصاءات غير رسمية, وهو ما أثار حفيظة الجهات الرسمية التونسية وقتها. في عام 1990 تقدم الإسلاميون للحصول على رخصة حزب سياسي باسم النهضة، لكنّ طلبها رفض باعتبارأنّها حركة دينية وليست حزبا سياسيا. وتقول الدراسة إنّ النهضة كانت متورطة في تفجير مبنى تابع للحزب الحاكم آنذاك. ولذا كانت الولاياتالمتحدة تنظر إلى حركة النهضة على أنّها حركة راديكالية تميل إلى استخدام العنف. أمريكا والثبات على موقفها وفي صائفة 1992، تأكدت معلومات حول حضورإسلامي في الجيش التونسي والحديث عن تهديدات بانقلابات عسكرية، تلت ذلك أزمة ديبلوماسية بين بريطانيا وتونس على خلفية قبول راشد الغنوشي في لندن بالرغم من صدور حكم بالإعدام في حقه. وقد اعتبرت العديد من التقاريرالأمريكية ذلك دليلا على الاختلاف الكبير بين مفاهيم حقوق الإنسان في المغرب العربي والغرب. وعلى الرغم مما جرى وقتها ووصف بالخطوات غيرالديمقراطية، فإنّ الإدارة الأمريكية حافظت على علاقاتها بالنظام التونسي، بل طورت واشنطن خلال التسعينات علاقات استراتيجية مع تونس خاصة على مستوى الدعم الأمني أوالتدريب العسكري. ثناء على أداء حكومة بن علي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وإعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش الحرب على الإرهاب، اتخذ موقف الولاياتالمتحدة من الحركات الإسلامية في العالم منعرجا مغايرا، فقد دعم ذلك سياسات مكافحة الإرهاب بين واشنطن ودول عديدة على غرار تونس، وخلال ديسمبر 2001 أدى ويليام برانزمساعد وزير الدولة الأمريكي زيارة لتونس عبر فيها عن امتنان الولاياتالمتحدة للخدمات الأمنية وتعاونها مع مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) خاصة فيما يخص متابعة «إرهابيين تونسيي الأصل» يعملون في أوروبا. وعلى ضوء هذه الاحداث، اتهمت وسائل الإعلام التونسية النهضة التي كان عدد كبيرمن قادتها في المنفى أو في السجون بالانتماء إلى القاعدة . وفي زيارة ثانية لتونس عام 2002 ، عاود برانزالتشديد على أهمية الدورالتونسي في مكافحة الإرهاب . لذا يبدوأنّ الولاياتالمتحدة حافظت على موقف موحد من حركة النهضة باعتبارها «حركة راديكالية» متشددة. الحديث عن تغير في النهضة وفي سياق آخر، يؤكّد باحثون من خلال تقرير صادرعن خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي أنّ الدعوة إلى «حكم إسلامي» في تونس غير مقبولة وهذا ما يدركه الإسلاميون جيدا. وهوما دفع «حركة النهضة» إلى تعديل خطابها للتأقلم مع متغيرات العصر والخصوصيات التي تميزالمجتمع التونسي اليوم. ويرى التقرير أنّ سرّ نجاح النهضة هوأنّها كانت مناهضة لحكم بن علي وليس على أساس خلفيتها الإسلامية. في المقابل تحدثت وثائق السفارة الأمريكية في تونس التي نشرها موقع ويكيليكس عن تنسيق معلوماتي موازمع الإسلاميين في تونس. إذ نقل السفيرالأمريكي في تونس وليام هادسون في وثيقة بتاريخ 29 نوفمبر 2005 تزايد التديّن في البلاد وتاريخ العلاقات بين السلطة والحركات الإسلامية، إلا أنّ الوثيقة تشيرإلى أنّ العلاقة بين السفارة وأعضاء النهضة جيدة ، «إذ تستعين بهم السفارة للمعلومات». ويضيف السفيرأنّ أحد أعضاء الحزب السابقين اشتكى لأحد الموظفين السياسيين في السفارة من أنّ المجموعات السياسية الإسلامية لا تهتمّ سوى بالنشاطات السياسية والتحالفات. وفي 21 أوت 2006 وحسب وثائق ويكيليكس عقد لقاء بين الإسلاميين التونسيين المعتدلين والمستشارين السياسي والاقتصادي والضابط السياسي في السفارة الأمريكية ، نائب رئيس البعثة في تونس ديفيد بالارد فقال في برقية :إنّ «السفارة سعيدة لمبادرة المجموعة إلى الاتصال بها،» مضيفا أنّ البعثة الأمريكية « واعية لدوافع المجموعة إلى الاتصال بها.» وللإشارة فإنه وبعد نشرهذه الوثائق فإن أعضاء الحزب نفوا ما ورد فيها نفيا قطعيا خاصة المعلومات المتعلقة بالتمويل الأمريكي للحركة . استعداد للتعاون على إثر ما أفرزه صندوق الاقتراع يوم 23 اكتوبر، وفي أول ردة فعل رسمية أمريكية أعربت وزيرة الخارجية هيلاريي كلينتون عن استعداد إدارة أوباما للتعاون مع « النهضة الفائزة في الانتخابات التونسية». حيث قالت إن: «الإسلاميين ليسوا جميعهم سواسية»، واعتبرت أن «على المسؤولين عن حزب النهضة ان يقنعوا الأحزاب العلمانية بالعمل معهم وأن أمريكا أيضا ستعمل معهم». كما دعت «النهضة إلى احترام العديد من المعاييرالديمقراطية التي يجب على كل حزب احترامها وفي مقدمتها رفض العنف والانضمام الى دولة القانون واحترام الحريات واحترام حقوق النساء والأقليات والقبول بمبدإ الهزيمة الانتخابية ورفض إثارة التوترات الدينية». وأكدت كلينتون أنه و»خلال سنوات قال الطغاة لشعوبهم إن عليهم أن يقبلوا بهم لتحاشي المتطرفين وغالبا كنا نقبل نحن أنفسنا هذا المنطق». لقد أدركت الولاياتالمتحدة أن عليها فتح قنوات حوارمع ممثلي الإسلام السياسي وتغيرما تعتبره الطرف المعتدل وهو ما تعمل عليه في العديد من الدول خاصة تلك التي تشهد مخاضا سياسيا جديدا. كما أنه ومن الضروري الحديث عن مدى تأثير نجاح التجربة التركية مع العدالة والتنمية في إدارة تركيا وفي الحوار مع الغرب في نظرة أمريكا للعالم الإسلامي وللأحزاب الإسلامية.