أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 3 ماي 2024    حفاظا على توازناته : بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يرفع رأس ماله الى 69 مليون دينار    الرابطة المحترفة الاولى – مرحلة التتويج – الجولة 6: جولة القطع مع الرتابة    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    بلدية تونس: حملة للتصدي لاستغلال الطريق العام    نبيل عمار يستقبل البروفيسور عبد الرزاق بن عبد الله، عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    معهد الصحافة يقرر ايقاف التعاون نهائيا مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بسبب دعمها للكيان الصهيوني    مقتل 20 شخصا على الأقل جراء حادث سقوط حافلة في واد بهذه المنطقة..#خبر_عاجل    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    الرابطة المحترفة الاولى : تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    تشيلسي يفوز 2-صفر على توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    البطولة الوطنية : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الثانية إياب من مرحلة تفادي النزول    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    إيقاف 3 أشخاص من بينهم مفتش عنه من أجل السرقة وحجز 3 قطع أثرية بحوزتهم    طقس اليوم الجمعة    خلال 24 ساعة: 15 قتيل و 500 مصاب في حوادث مختلفة    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    وسط أجواء مشحونة: نقابة الصحفيين تقدم تقريرها السنوي حول الحريات الصحفية    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    المغازة العامة...زيادة ب 7.2 % في رقم المعاملات    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    الجامعات الغربية تخاطب النظام العالمي الأنغلوصهيوأميركي.. انتهت الخدعة    القصرين: اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    باجة.. تفكيك شبكة ترويج مخدرات وحجز مبلغ مالي هام    انتخابات جامعة كرة القدم.. قائمة التلمساني تستأنف قرار لجنة الانتخابات    اجتماع تنسيقي بين وزراء داخلية تونس والجزائر ولبييا وإيطاليا حول الهجرة غير النظامية    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    القبض على مشتبه به في سرقة المصلين بجوامع هذه الجهة    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    عاجل : إدارة الترجي تمنع التصريحات لوسائل الإعلام في هذه الفترة    بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    بنزيما يغادر إلى مدريد    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخيرا.. بدأ الأوروبيون ينصتون للإسلاميين

في تطور ملفت، شرعت "المفوضية الأوروبية" منذ الخامس والعشرين من شهر سبتمبر في عقد سلسلة من المنتديات الداخلية، التي تضم عددا من موظفي الاتحاد الأوروبي، وذلك للتعرف على ما يُسمى بالإسلام السياسي.
وقد احتضنت العاصمة البلجيكية بروكسل أولى هذه اللقاءات التي التأمت مؤخرا، وحضرها ما بين أربعين وخمسين موظفا، وخصص السيمينار الأول للإطلاع على نماذج من دول المغرب، وشملت كلا من الجزائر والمغرب، حيث تم تأجيل النظر في الحالة التونسية إلى اللقاء الموالي.
سيتم الاستماع في هذه اللقاءات إلى خلاصات أبحاث سبق وأن أعدها فريق من الخبراء والمختصين في قضايا الحركات الإسلامية بطلب من مركز للدراسات السياسية مقره في بروكسل.
وقد حاولت هذه الأبحاث، التي ستصدر في كتاب باللغة الأنجليزية خلال الأسابيع القليلة القادمة، الإجابة عن سؤال محوري يتعلق بمدى استعداد هذه الحركات للشروع في التعاون مع الاتحاد الأوربي خلال المرحلة القادمة.
وإذا كان هذا النقاش قد بدأ في ورشة مغلقة قبل حوالي عشرة أشهر في مدينة إشبيلية الإسبانية، إلا أن الجديد هذه المرة هو دعوة بعض ممثلي هذه الحركات، لسماع وجهات نظرهم بشكل مباشر حول المسائل التي تهم الطرفين.
تعتبر هذه المرة الأولى التي تقرّر فيها مؤسسات الاتحاد الأوروبي فتح حوار مباشر مع الحركات الإسلامية، دون أن يعني ذلك أن الاتحاد قد حسَم نهائيا هذه المسألة، إذ أنه لا يزال في مرحلة التحسّس والتعرف على ما تفكر فيه الأطراف المقابلة.
وقد وصف أحد الذين حضروا جلسة "بروكسل" بالمفيدة، وأضاف بأنها وفّرت للمشاركين فِكرة أولية هامة، ولم يكن من باب الصُّدفة أن تبدأ هذه الحوارات التحسيسية بدول المغرب العربي.
فمعظم الحكومات الأوروبية تربطها مصالح قوية بهذه المنطقة، خاصة دول جنوب المتوسط. فهذه الأخيرة، تتابع بقلق عودة العنف إلى الجزائر وتخشى من أن تنهار سياسة المصالحة التي أقدم عليها الرئيس بوتفليقة، كما أن هذه الحكومات تُتابع باهتمام مُتزايد ما يجري في المغرب، بعد أن حصل حزب العدالة والتنمية (حزب إسلامي معتدل) في انتخابات 7 سبتمتر على أعلى نسبة في الأصوات وأصبح يحتل الآن المرتبة الثانية في خارطة الأحزاب المغربية.
فإذا أضفنا إلى ذلك صعود الإخوان المسلمين من جديد في مصر وانقلاب موازين القِوى الذي عرفته الساحة الفلسطينية، وما حققه حزب الله ضد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، كل ذلك وغيره بدأ يُقنع الأوروبيين بضرورة التفكير في التعامل مع الحركات الإسلامية بشكل مختلف، أي فتح الحوار في مرحلة أولى، والتعاون في مرحلة ثانية، إذا ما أدّى الحوار إلى توفير أرضية مشتركة.
وفي هذا السياق، كيف تنظر هذه الحركات للتغير المتوقع في سياسة أوروبا تجاهها؟
مؤسسات الاتحاد الأوروبي وموظفيها حذرون من كل اتصال مباشر بحركات الإسلام السياسي. إنهم يخشون ردود فعل أصدقائهم من حكومات ونخب قريبة منهم، كما أنهم حريصون على عدم محاورة من يوصفون بالراديكاليين أو المتهمين بالإرهاب.
وبناء عليه، يفضلون في هذه المرحلة التعامل مع الحركات التي يمكن أن توصف بالاعتدال. وأهم ما يطلبونه في هذا السياق أن تكون هذه الحركات لا تنتهج العنف أسلوبا في التغيير، وأن تعلن قبولها بقواعد اللعبة الديمقراطية، وأن تكون قابلة بمبدأ التعاون مع أوروبا.
فالنسبة للمغرب، يعتبر ( حزب العدالة والتنمية ) الأكثر أهمية من الناحية السياسية. وقد أبدت قيادته الاستعداد للحوار والتعاون مع الاتحاد الأوروبي. وهي ترى أن نماذج الديمقراطية الأوروبية تشكل مصدرا مهما للاستفادة منه، ولا تؤمن بالقطيعة الثقافية مع أوروبا أو الغرب.
بل هذا الحزب حرص ولا يزال على أن طمأنة أوروبا، وبالأخص الدول الرئيسية التي لها مصالح هامة في المغرب بأنه لا ينوي تهديد هذه المصالح، بل هو يعمل على تطويرها، وهو ما حاول أن يبلغه الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني بشكل مباشر خلال جولاته السابقة التي قادته إلى عدد من هذه الدول، وفي مقدمتها إسبانيا وفرنسا.
أما بالنسبة للجزائر، فتشكل حركة مجتمع السلم النموذج المفضل أوروبيا لإدارة مثل هذا الحوار، بحكم أنها شريك في السلطة، إضافة إلى كونها تنطلق من تراث فكري وسياسي منذ عهد مؤسسها الشيح محفوظ نحناح يقبل الانفتاح على الغرب، وخاصة أوروبا. كما أن تجربتها في الحكم، جعلتها من أكثر الحركات الإسلامية الجزائرية برغماتية.
إن مؤسسات الاتحاد الأوروبي متوقفة عند نموذجين، تجد صعوبة كبيرة في التعامل معهما بشكل سياسي مباشر. أولهما نموذج " حركة حماس " التي لها حضورها الواسع في الشارع الفلسطيني، لكنها موقفها من إسرائيل وتمسكها بمنهج المقاومة، جعل الأوربيين يرون في ذلك خطوطا حمراء، تتعارض مع نظرتهم للصراع والأمن في الشرق الأوسط.
أما النموذج الثاني، الذي يتقاطع مع المثال السابق هو بالتأكيد " حزب الله ". ومع ذلك فقد إدراج التنظيمين في اهتمامات الاتحاد الأوروبي، نظرا لاستناد كل منهما على الشرعية الديمقراطية في الوصول إلى السلطة، إلى استعدادهما للحوار مع أوروبا والتعاون معها. لكن الأمر يحتاج إلى وقت أطول، وظروف إقليمية ودولية أحسن.
للإجابة على هذا السؤال، يمكن اتِّخاذ حركة "النهضة" التونسية مثالا يُقاس به، إذ أثبتت الدراسات التي أنجِزت بأن معظم الحركات الإسلامية في المنطقة العربية متشابهة نِسبيا في مقارباتها وموقفها من أوروبا وسياساتها.
ولدت الحركة الإسلامية التونسية، مثلها مثل بقية الحركات المشابهة، مناهضة للغرب ومعادية لاختيار "الأوربة"، أي سياسة الإقتداء بأوروبا واتخاذها "نموذجا" للتقدم.
وقد شكل هذا البُعد أحد الأسباب الرئيسية للصِّراع الثقافي والسياسي بين حركة "النهضة" من جهة و"النظام البورقيبي" من جهة أخرى، لكن قادة الحركة اليوم ينظرون إلى أوروبا بشكل مختلف عن نظرتهم السابقة، خاصة بعد أن اضطُر العديد منهم إلى مُغادرة البلاد والاستقرار في العديد من الدول الأوروبية والغربية، التي فتحت لهم أبوابها ومنحتهم حق اللجوء السياسي.
عندما سُئل بعض الكوادر القيادية لحركة النهضة عن موقفهم من الديمقراطية الأوروبية مقارنة مع الديمقراطية الأمريكية، أكّدوا على أنهم أميَل للتفاعل مع الديمقراطيات الأوروبية رغم "بعض النقائص أو التحفظات التي لهم عليها".
وبالرغم من أن حمادي الجبال، القيادي البارز في الحركة قد غادر السِّجن بعد قضاء أكثر من ستة عشر عاما رَهن الاعتقال، إلا أنه، استنادا إلى السنوات التي قضاها في فرنسا لاستكمال دراسته الجامعية، يعتقِد بأن النموذج الأوروبي الذي عايشه عن قرب "يُعتبر الأقرب في تحقيق سيادة الشعب على نفسه" ويوفر "تعدّدا حقيقيا للأحزاب بمختلف توجهاتها، الفكرية والسياسية والاجتماعية، حيث نجِد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن البروليتاري إلى الرأسمالي ومن الغني إلى الفقير ومن الليبرالي إلى المحافظ".
أما أهم ما في النظام الديمقراطي، فهو يثمثل عند السيد ، رئيس المكتب السياسي للحركة في "قدرته على امتِصاص الصِّراعات العنيفة حول السلطة ووضع أسُس التعايش السلمي بين القوى المتنافسة، فضلا عن قيامه على مفهوم المواطنة".
ويلاحظ ، وهو قيادي آخر لاجئ حاليا في بريطانيا، أن النموذج الديمقراطي الأوروبي ليس واحدا، ويقول بأن "هناك فروق هامة بين الديمقراطية عند أوروبيي البحر الأبيض المتوسط وبين البلدان الإسكندنافية وبريطانيا".
ونظرا لمحورية البُعد الديني عند الإسلاميين، فإن تفاعلهم مع النماذج الديمقراطية يكون بقدر تعامل هذه النماذج إيجابيا مع الدِّين ودوره في المجتمع، ولهذا يميِّز الفرجاني بين ما يُسميه ب "الديمقراطيات المتشدّدة ضد الدِّين، مثل اللائكية الفرنسية والدنمركية، وبين الديمقراطية البريطانية والسويدية، وإلى حد ما البلجيكية، التي تتعامل بسهولة مع الدِّين، رغم اختلافها فيما بينها في ذلك".
وإذ تجيز كوادر حركة النهضة مبدأ "الاقتباس من النموذج الديمقراطي الأوروبي"، لكن ، رئيس الحركة، يشترط بأن يكون هذا الاقتباس في خِدمة المرجعية الإسلامية و"ليس للحلول محلها"، واعتبر من سلبيات النظام الديمقراطي، التي يجب الحذر منها "الفلسفة المادية والقِيم العِلمانية الدُّنيوية البحتة، التي غدت بطول الإلف، وكأنها جزء من هوية النظام الديمقراطي"، وهو ما أدّى، حسب رأيه، إلى ما وصفه ب "الانفلات الديمقراطي من عالم القِيم إلى قيمة الرِّبح والإنتاج"، وهي القيم التي "تسارع إليها، التفتت بتسارع معدّلات العلمنة" حسب رأيه.
لكن حاول أن يرفع الالتباس بالإشارة إلى أنه "إذا كانت الديمقراطيات الغربية قد أفرزت سلبيات مثل تفكّك الأسرة ومشاكل المخدّرات وانتشار مظاهر الإدمان... فلا ينبغي ربط السلبيات بها، لأن هذه الآفات موجودة أيضا في البلدان ذات النّظم الديكتاتورية وفي الدول الغنية والفقيرة".
عندما سألنا الغنوشي، المقيم كلاجئ سياسي في بريطانيا، حول مدى قيام الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن الحقوق السياسية للإسلاميين، سارع بالإجابة "ليس لدي ما أعِيبه في سياسة دول الاتحاد في موضوع الإسلاميين اللاجئين، غير سنِّها لقوانين الإرهاب"، وأضاف أنه في العموم "يعتبر إيجابيا ملف دول الاتحاد إزاء اللاجئين الإسلاميين، فقد صمَدت في وجه طلبات حلفائها من الدكتاتوريات العربية في سدّ باب اللجوء في وجه ضحاياه من المعارضين الإسلاميين، وبعض تلك الطلبات المتكرّرة جاءت في ظروف عصيبة، كتلك التي تلت أحداث 11 سبتمبر".
ولاحظ رئيس حركة النهضة (المحظورة في تونس) أنه "لئن تمكّنت أنظمة القمع من استلام عدد من الإسلاميين، وبالخصوص في إيطاليا وبعض البلاد الأخرى، فقد فشلت في تحقيق ما ترجوه من إدراج كل الإسلاميين في قوائم الإرهاب وتسليمهم لدولهم بالجملة"، كما أن "كثيرا من هؤلاء المعارضين التونسيين تمّ تمكينهم من حمل جوازات وجِنسيات الدول، التي لجؤوا إليها، وأمكن لهم أن يندمِجوا هم وأسَرهم، سواء منهم من تابع دراساته العليا أو اندمج في سوق الشغل أو واصل النِّضال من أجل قضيته في وطنه الأصلي".
وأشاد الغنوشي أيضا بدول الاتحاد الأوروبي، التي أمكن لها أن "تميِّز بين مجموعات إسلامية تتبنّى العنف وبين معارضة إسلامية سِلمية فتحت أمامها أبواب الاندماج، ولم تسمع فيها قولا ولم تُلق بالا للملفات التي تصطنعها أجهزة الأمن في دول المنشأ، رغم أن بعض أجهزتها الأمنية متفاعلة إيجابيا مع نظيرتها التونسية في رمي حركة مثل النهضة بالإرهاب"، وهو سعيد بأن حركته "لم توضع على أي قائمة من قوائم الإرهاب في دولة أوروبية، بل في العالم كله" ما عدا في تونس.
في مقابل إشادة الغنوشي بالسياسة التي انتهجها الأوروبيون تُجاه لاجئي الحركة، عبّر القيادي حمادي الجبالي، الذي لا يزال يحمل معه غُبار السجن، عن أسفه تُجاه الاتحاد الأوروبي الذي حسب رأيه "لم يكتف بعدم الدِّفاع عن الحقوق السياسية للإسلاميين، بل وحتى عن حقِّهم في المواطنة، وإنما رفع ورقة الفيتو تُجاه الإسلاميين واعترض على تقنين وضعهم السياسي".
وأشار الجبالي إلى وجود مقاربات وسياسات متعدّدة لدول الاتحاد من "هذا الملف الساخن"، قائلا بأنه "من الصعب التعميم والحديث عن سياسة موحّدة لدول الاتحاد تُجاه الإسلاميين عموما، وحقوقهم السياسية بشكل خاص"، فهو يعتقد بأن دول جنوب أوروبا "ذات العلاقة التاريخية بتونس، هي التي تزعّمت داخل الاتحاد الدّفاع عن الأنظمة الاستبدادية التي عمدت إلى محاولة استئصال الحركات الإسلامية، حتى المعتدلة منها، وحرمتها حقها في الوجود القانوني، كطرف سياسي له وزنه الشعبي"، لكنه اعترف في الوقت ذاته بوجود دول أوروبية أخرى تبنّت "مواقف أكثر اعتدالا وبراغماتية، خدمة لمبادئها ومصالحها".
أما مرسل الكسيبي، وهو ناشط سابق في حركة النهضة يقيم حاليا بألمانيا، فيفترض بأن الاتحاد الأوروبي "مؤهّل أكثر من غيره ليلعب دورا رئيسيا في إنهاء الصراع القائم بين بعض البلاد العربية ومعارضيها، المنتمين إلى المدارس الإسلامية المعتدلة والوسطية"، وهو ينتظر من الاتحاد القيام بدور أكبر في هذا الاتجاه"، من أجل قطع الطريق على مدارس العُنف والتشنّج، التي صنعتها أخطاء الأنظمة العربية عبر تماديها في سياسة القمع والتسلّط، دون قيد أو رقيب".
دول الإتحاد وقفت إلى جانب الإستبداد
عندما تسأل أطراف المعارضة في تونس حول تقييمهم لجهود دعم الاتحاد الأوروبي للديمقراطية في دول جنوب المتوسط، غالبا ما تكون إجاباتهم أقرب إلى الانطباع السلبي، لهذا، فإن ردود كوادر حركة النهضة لم تكُن مغايرة عن بقية المعارضين التونسيين، وإن جاءت أحيانا أكثر حدّة، نظرا لما تعرّضوا له من ملاحقة وإقصاء خلال المرحلة الماضية.
قدّم جوابا مُقتضبا جدّا، اعتبر فيه أنه "واقعيا، وقفت دول الاتحاد إلى جانب الاستبداد"، ويعود ذلك، حسبما يراه القيادي في حركة النهضة زياد الدولاتلي، إلى أن أوروبا "تتعامل مع العالم العربي بعقلية المُستعمر وتظن بأنها مالكة الحقيقة، وأن المثال الغربي هو النموذج الوحيد لصالح التنمية"، ولهذا السبب "تقوم أوروبا بدعم الفساد والاستبداد من أجل الحِفاظ على مصالحها المادية، وتتحالف مع من يتبنّى قِيمها الحضارية، رغم فشل كل محاولات الغزو الثقافي".
لكن الدولاتلي يستثني من ذك ما وصفه ب "التيار التحرري، الذي نما في السنوات الأخيرة، والذي يُطالب بضرورة تفهم الظاهرة الإسلامية وفتح حوار معها وتشريكها في الحياة السياسية".
حاول من جهته أن يكون أقلّ حدّة في نقده، فقال "في الأصل، أوروبا مؤيّدة للديمقراطية، لكن للأسف ما لاحظناه هو أن أنظمة عربية استبدادية تتمعش من الدّعم الأوروبي، بل صارت في الكثير من الأحيان تُملي سياساتها على بعض الدول الأوروبية من موقع الشعور بالحاجة إليها، فحصل تأثير في الاتِّجاه المعاكس، أي من أنظمة الاستبداد باتِّجاه الحكومات الديمقراطية الأوروبية، وليس العكس".
النهضة تُراهن على الحوار مع أوروبا
يتمسك قادة حركة النهضة بمبدإ التعاون مع أوروبا، لكن يصِف هذا التعاون ب "التأرجح بين المأمول والواقع، وبين المبادئ والمصالح"، ويفصل ذلك بقوله "فمن جهة نعتقد نحن وكثير من القوى التحررية في أوروبا أن هذا التعاون حتمي ومن المصلحة أن يكون لصالح شعوب المنطقة جميعا، ومن جهة أخرى، تتمسك حكومات استبدادية بهذا التعاون، ولكن من أجل ضمان استمرارها، ولو على حساب إرادة مواطنيها"، لكن رغم هذا التأرجح أو التذبذب، يعتبِر العريض أن التعاون مع أوروبا "مسألة مصيرية لتحقيق التنمية وتبادل المنافع".
من جهته، ينظر الكسيبي بتفاؤل لمستقبل العلاقة بين أوروبا والإسلاميين، ويرى أن هذا المستقبل سيكون "مُشرقا ومُشرفا وواعدا، رغم وجود كثير من الصعوبات، نتيجة تشويش الأنظمة القمعية على معارضيها وصورتهم السياسية والفِكرية المعتدلة من منطلق ابتزاز الدّعم المالي والاقتصادي والسياسي والأمني من الحكومات الأوروبية، التي تعتبرها بعض أنظِمة المنطقة العربية بمثابة البقرة المالية والسياسية الحلوب، التي ينبغي استمرار تدفّق لبنِها، ولو باعتماد أساليب الغِش والتلبيس والخداع".
النهضة تطالب الأوروبيين بالاعتراف بها
بالنسبة لمجالات التعاون المُمكنة بين الطرفين، فإن حركة النهضة لا تزال تفتقِر لمقترحات واضحة وعملية. فالغنوشي اعتبر أن مجالات التعاون "كثيرة"، لكنه طالب أوروبا أولا بالاعتراف بالإسلام وأن "تكُف عن محاولات إقصائه أو تفصيله على هواها"، وأن "تعترف به كما هو وتُقر العزم على التعامل مع عالم إسلامي محكوم بالإسلام وبالإسلاميين، أي بالديمقراطية، والمعنى واحد، فلا ديمقراطية في العالم الإسلامي إلا عن طريق الإسلام، تماما كما أنه لا ديمقراطية في أوروبا إلا عن طريق العلمانية".
وأضاف بأنه من "المؤلم أن تكون الأصوات في أمريكا الداعية إلى الاعتراف بعالم إسلامي محكوم بتيارات الوسطية الإسلامية – حتى وإن عتمت على تلك الأصوات اللوبيات الصهيونية - عجيب ذلك، بينما أوروبا الأقرب، هي الأكثر تشددا إزاء الحركات الإسلامية، حتى أكثرها اعتدالا، مثل العدالة والتنمية والنهضة والإخوان"، وإذا غيرت أوربا من موقفها، فإن الغنوشي يعِدها بأنها "ستجد في الحركة الإسلامية حليفا ثابتا وقويا لا يضطرها إلى التضحية بقيمها التنويرية والديمقراطية من أجل المحافظة على مصالحها في عالم الإسلام".
حاول أن يكون عمليا ودقيقا، فحدّد أربعة مجالات للتعاون بدت له أساسية وممكنة وهي: إدارة الحوار لنزع عوامل الكراهية والعنف والتعاون لدعم تطلّع بلداننا للإصلاح وتحقيق التنمية والتعليم والبحث العلمي وبناء علاقات سياسية واضحة.
ولم يستبعد أن يشمل التعاون كل المجالات، بما في ذلك "الأمنية والدفاعية"، ويقول في هذا السياق "نحن نرفض أن نكون باباً للنّيل من أمن أوروبا ولا بوابة لمرور المخدّرات أو الهجرة غير القانونية، ولا قوة عداء باسم الإسلام ضد أوروبا أو باسم المسيحية أو اليهودية أو الفلسفات اللادينية من أوروبا ضدنا"، واقترح من أجل ذلك عددا من التوصيات، من بينها: فتح علاقات سياسية رسمية وبعث لجنة تفعيل البند الثاني لاتفاقية الشراكة الأوروبية التونسية، إلى جانب "تحديد رؤية مشتركة لعلاج مشاكل الإرهاب والهجرة غير القانونية في أوروبا، والاستبداد والتنمية في تونس".
يتبين مما سبق، أن قيادة حركة النهضة وعدد واسع من الإسلاميين المستقلين يبدون استعدادا كبيرا لمد جسور التعاون مع الاتحاد الأوروبي وهيئاته المختلفة، لكن ما تطالب به حركة النهضة بشكل أساسي، هو الاعتراف بها من قِبل الأوربيين كلاعب رئيسي في الحلبة التونسية، وإذ تقدر الحركة احتضان الدول الأوربية للكثير من كوادرها وما قدّمته لهم من حماية ولجوء وقدر من حرية التعبير والحركة، لكن قيادة (النهضة) تريد من أوروبا أن تمارس قدرا من الضغط على الحكومة التونسية من أجل إطلاق سراح مساجينها، والاعتراف القانوني بها كحزب معارض.
فكوادر الحركة، الذين تمّت محاورتهم، يعطون الأولوية لمسألة الحريات والحقوق الأساسية على الجوانب المتعلِّقة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية، نظرا للظروف التي يمرّون بها منذ مطلع التسعينات، هذه الظروف التي أصابتهم بالشلل وجعلتهم مشغولين بالصراع من أجل البقاء، وغير قادرين أن يضعوا أنفسهم في موقع الطرف الذي يحكم أو المشارك في السلطة، مثلما هو الشأن في الجزائر أو في المغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.