تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة النهضة.. خطاف الربيع أم غيوم الشتاء؟؟
نشر في الوسط التونسية يوم 16 - 11 - 2011

ان الحركة اليوم.. وبعد سنوات طوال من القمع والتشريد والسرية.. تجد نفسها ولأول مرة في تاريخها في موقع الحكم وتقف أمام شعب طالما تعاطف معها أيام الجمر وربما اختارها لانه يرى فيها نفسه التي طالما مورست عليها الدكتاتورية في ابشع صورها
خرج حزب حركة النهضة كأكبر مستفيد من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي أو كما يحلو لأشقائنا في الشرق تسميته بالجمعية التأسيسية والذي من أوكد مهامه اعداد دستور جديد للبلاد يستمد شرعيته من ارادة الشعب والتي عبر عنها في يوم تاريخي لن يمحى من ذاكرة الاجيال المتعاقبة.. لكن هذا الفوز المدوي في الانتخابات يقابله مسؤولية جسيمة وميراث مهترئ تركته سنوات طويلة من الظلم والقمع والتنمية الزائفة والارقام المضخمة التي افظت الى واقع مرير يعيشه التونسيون اليوم..
كما يقابل هذا الفوز المدوي كذلك صرخات فزع تتعالى في الداخل والخارج من وصول الأسلاميين الى السلطة وانطلق العديد.. بعد.. في الترحم مبكرا على الحريات والمكتسبات التي تفاخر بها تونس الأمم.. مما جعل في الأمر مفارقة غريبة وهي أن الخوف لم يعد من تزوير الأنتخابات بل من نزاهتها والتي أفضت الى وصولهم الى السلطة..
على أن هذا الخوف له ما يبرره اذا ما نظر اليه بموضوعية ووضع موضع تحليل ونقاش بعيدا عن التشنج الفكري والعاطفة الايديولوجية التي ترى في الشق الآخر شرا مطلقا وفي الذات الأنانية خيرا مطلقا.. فالامر واقع اليوم.. والصندوق باح بما لديه ولا مجال لاتهام الشعب الذي ثار على اعتى الدكتاتوريات في العالم بالغباء السياسي والتوهم والا لأصبح في الأمر نوع من التفكير الأجتراري والذي لن يأدي ألا ألى "رهاب" من الديمقراطية أو "ديمقراطي-فوبيا" ان صحت التسمية.. لذلك فان الحركة مطالبة اليوم بأن تأخذ كل ذلك بعين الاعتبار وتسعى الى اكتساب ثقة الجميع في الداخل والخرج وذلك عن طريق الأفعال والبرامج وليس الأقوال..
وسنحاول في هذه الورقة ان نتناول بالتحليل فوز حركة النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي وطبيعة التحالفات الممكنة مع مختلف أطياف اللون السياسي في تونس سواء في الحكومة أو تحت قبة المجلس التأسيسي.. وكذلك رسائل التطمين التي ترسلها الحركة في الداخل والخارج دون ان نغفل عن تداعيات هذا الفوز على مستقبل البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفي محيطها الوطني الخارجي.
- لمحة تاريخية:
فحركة النهضة والتي ظلت منذ نشأتها اوائل سبعينات القرن الماضي بين العمل السري تحت مظلة الجماعة الاسلامية.. مرورا بالعلنية المحظورة والمطاردة من قبل النظام البورقيبي تحت تسمية "حركة الاتجاه الاسلامي" وولادة الحركة رسميا في جوان 1981 كتيار اسلامي يسعى للتموقع وتشكيل جبهة فكرية-سياسية ذات بعد تاريخي عقائدي في مواجهة المد اليساري الشرقي والذي كان آنذاك الطرف المهيمن على ساحة المعارضة..
وكذلك في مواجهة السلطة والتي كانت تتبنى المنهج الراسمالي الغربي.. لكنها ظلت الى ذلك ورغم اعلانها عن نفسها خارج النشاط القانوني وذلك لرفض السلطات آنذاك منحها التاشيرة القانونية بل واعتقلت قياداتها وزجت بهم في السجون لتصل الاحكام الى الاعدام. على ان احلك الفترات التي مرت بها الحركة وكادت ان تعصف حتى بوجودها هي قطعا فترة حكم بن علي والتي تميزت في بدايتها بما يمكن ان نسميه نوعا من الانفراج مع السلطة.. حيث اطلق سراح منتسبيها من السجون ودعيت الى الامضاء على "وثيقة الميثاق الوطني" ومن ثمة بادرت بتغيير اسمها ليصبح "حركة النهضة" في استجابة لمقتضيات الفصل 3 من قانون الاحزاب الصادر سنة 1988 الذي يمنع اقامة احزاب دينية كما قدمت ترشحها في الانتخابات البرلمانية سنة 1989 تحت قائمات مستقلة..
لكن ورغم هذا الانفراج مع السلطة ومع كل الوعود بمنحها تاشيرة النشاط القانوني بقيت الحركة تعمل دون ترخيص حتى بداية التسعينات التي كانت بداية سنوات الجمر بالنسبة لها وذلك بسبب ما يراه بعض الملاحظين من ان النظام قد وقف على شعبية الحركة وانتشارها.. خلال الانتخابات.. كتيار داخل البلاد وتغلغلها في عمق المجتمع التونسي وايضا ما علق بها من تهم من انها وراء التحريض والتشجيع على التظاهر والاعتصام وبث البلبلة اثناء حرب الخليج في بداية التسعينات..
فكان ان جوبهت بشتى اصناف القمع والتضييق والصقت بها عديد التهم منها محاولة قلب نظام الحكم والتي كانت مبررا كافيا بالنسبة للسلطة للزج بالعديد من قيادييها ومناصريها في السجون والمعتقلات وتصدر في شانهم احكام قاسية تراوحت بين الاعدام والسجن مدى الحياة.. ومن كان محظوظا منهم غادرلاجئا الى المنفى لسنوات طوال..
ولم تكتف السلطات بذلك بل واصلت محاولاتها لتصفية الحركة وملاحقتها لكل من له علاقة بها من قريب اومن بعيد وكانت حتى مجرد الشبهة تكفي لالصاق تهمة الانتماء الى الجماعة المحظورة وما يتبع ذلك من تعذيب وتنكيل وحرمان من العمل والسفر والتنقل وشتى صنوف المراقبة الادارية المتواصلة في محاولة واضحة لاجتثاث الحركة كما جاء على لسان رئيسها السابق واحد قيادييها وهو الدكتور "الصادق شورو" اثناء محاكمته امام المحكمة العسكرية حين توجه الى القاضي بمقولته الشهيرة: "يا سيادة القاضي اذا كنتم بعملكم هذا تريدون اجتثاث حركة النهضة من مجتمعها ومن التربة التي انبتتها.. فهي شجرة اصلها ثابت وفرعها في السماء"..
ورغم كل هذا التضييق والمحاصرة التي عاشتها الحركة طوال سنوات عديدة فان ذلك لم يمنعها من النشاط في المنفي اين سعت الى لملمة الصفوف والتنسيق بين قياداتها وعقد مِؤتمراتها في سنوات 1995 و2001 و2007 في محاولة للمحافظة على كيان الحركة.. وبقيت على ذلك حتى اندلاع شرارة الثورة في تونس في السابع عشر من شهر ديسمبر 2010 والتي انتهت الى الاطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي في الرابع عشر من جانفي2011 وبداية مرحلة جديدة في تاريخ البلاد يعود على اثرها المنفيون الى ارض الوطن ويسرح المعتقلون بعد اقرار العفو التشريعي العام لتتقدم اثرها الحركة بمطلب رسمي الى وزارة الداخلية للحصول على التاشيرة وهو الثالث من نوعه منذ نشاتها حيث قوبل مطلبها الاول والثاني بالرفض في عهدي بورقيبة وبن علي..
وقد تحصلت على الترخيص القانوني بالنشاط كحزب سياسي رسميا يوم 01 مارس 2011 وهو ما يمثل نقلة نوعية تاريخية للحركة التي ظلت طوال 30 سنة محاصرة ومطاردة والذي اعتبرته الحركة على لسان رئيسها راشد الغنوشي: "حقا مشروعا طالما ناضلت من اجله".. "وتتويجا لمسار طويل من نضالات الحركة".
وبمجرد الاعلان عن الدعوة الى اول انتخابات بعد ثورة الرابع عشر من جانفي في 23 اكتوبر 2011 وهي انتخابات المجلس الوطني التاسيسي لصياغة دستور جديد للبلاد حتى سارعت الحركة الى اعلان ترشحها في جميع الدوائر فيما يبدو انه نوع من الجهوزية لموعد طالما انتظرته واعدت له وكانت من السباقين في الاعلان عن برنامجها الانتخابي والانطلاق في خوض غمار الحملة الانتخابية..
حسابات حقل الصندوق وبيدر السياسة:
ولعله لم يكن من المفاجئ لدى الجميع فوز الحركة في هذه الانتخابات باغلبية المقاعد والتي قاربت النصف بل واكتساحها جميع الدوائر باغلبية ساحقة لتعلن نفسها الطرف الاقوى في المعادلة السياسية الجديدة وكأن القدر انصفها بعد سنوات القمع والتهجير التي عانتها والتي كادت ان تعصف بها.. لكنها في المقابل لم تسلم من سهام النقد والتخويف خاصة بما اسماه معارضوها لغة الخطاب المزدوج والذي تنتهجه الحركة منذ عودتها الى تونس والتي وصلت في بعض الاحيان الى حد القول ونقيضه في محاولة منها لارضاء جميع الاطراف وخاصة اولئك الذين يختلفون معها ايديولوجيا والذين يعتبرون وصولها الى السلطة عودة الى الوراء وناقوس خطر يهدد القيم الحداثية والتقدمية التي اكتسبتها تونس على مدى سنوات لتجعل منها واحدة من اكثر البلدان العربية والاسلامية تحررا خاصة في مسالة المساواة بين الجنسين وتحرير المرأة..
وهو ما تنفيه الحركة جملة وتفصيلا بل وذهبت الى ابعد من ذلك اذ انها اعتبرت ان حقوق المراة منقوصة ولا بد من مزيد تدعيمها وان التهم التي الصقت بها انما يراد بها تشويه صورة الحركة ولا نية لها للمس بمجلة الاحوال الشخصية (باستثناء مسألة التبني التي قالت انها ستعوضها بمفهوم الكفالة).. وان طروحاتها ذات المرجعية الدينية انما هي مواكبة لروح العصر ومنفتحة على محيطها وان الاسلام في جوهره دين انفتاح وتطور وهو قبل كل شيء دين حرية وتسامح ويتقاطع في كثير من تعاليمه مع القيم الحداثية الذين اتهموا بمحاولة مراجعتها ونسخها.
ورغم كل ما اتهمت به حركة النهضة من تهم وما لقيته من نقد من خصومها السياسيين الا انها لم تقف كثيرا موقف المدافع عن نفسها بل مرت الى الانتخابات بثقة كبيرة معتمدة على قاعدتها الشعبية العريضة وخرجت من المعركة الانتخابية بنصيب الاسد حيث فازت في جميع الدوائر وحصدت 90 كرسيا في المجلس التاسيسي من اصل 217 كرسيا (وأصبحت 91 مقعدا بعد اقرار المحكمة الادارية بصحة طعنها في صيغة احتساب الاصوات عن دائرة مدنين ثم اصبحت 89 بعد قرار المحكمة الأدارية بقبول طعون قوائم العريضة الشعبية) متقدمة بفارق كبير عن ابرز منافسيها..
وهي اليوم تستعد لتسلم حكم البلاد في ظل الشرعية التي اكتسبتها من صناديق الاقتراع وانطلقت بعد في مشاورات من اجل تشكيل الحكومة.. ولم تخف رغبتها في ان تكون هذه الحكومة ائتلافية تضم الى جانبها الاحزاب الفائزة من منطلق الشرعية الممنوحة لها من صناديق الاقتراع مع امكانية اتساعها لعدد من الكفاءات..
فهي قد اعلنت صراحة انها تريدها حكومة سياسية بامتياز وليست حكومة تكنوقراط على ان الصيغة السياسية لا تسد الباب امام الكفاءات الوطنية كما ان صيغة الائتلاف لا تعني غلق الباب امام الاطراف ذات الثقل السياسي حتى ولو لم تظفر بمناب كبير في الانتخابات.. وهو ما قرأ على أنه ليونة في احتضان بعض الطروحات المعلنة من طرف شركائها في الحكومة المرتقبة والذين "هددوا" بانهم قد لا يشاركون في الحكومة ان لم تكن حكومة وحدة وطنية او مصلحة وطنية وان لم يراعى فيها التعدد الفعلي الذي يتجاوز الاختلافات الايديولوجية.. وهو ما تجلى خاصة في الموقف المعلن صراحة من قبل السيد مصطفى بن جعفر الامين العام لحزب التكتل من اجل العمل والحريات.
على انه وفي كل الاحوال فان حركة النهضة وبالرغم من انها الحلقة الأقوى في اي حكومة قادمة وصاحبة الاغلبية الكاسحة داخل المجلس التأسيسي الا أنها قد وجدت نفسها في أكثر من مرة في موقف المدافع عن نفسها وعن اثبات حسن نيتها من أية "شماتة سياسية " بل واظطرت في العديد من المرات الى التنازل لتفادي التصادم المبكر مع شركائها المفترضين لانها وبحكم الامر المقضي قبلا من القانون الانتخابي لا بد لها من "حلفاء" في مواجهة تكتلات محتملة بل واكيدة من طرف خصومها الأزليين تحت قبة المجلس التأسيسي..
وهو ما يجرنا الى التساؤل عن طبيعة هذه التحالفات المرتقبة؟ وعن مدى قدرة الحركة على اقناع بعض هذه الاطراف بالعمل الجدي وفق اجندتها التي ترى انها تسع العديد ان لم يكن غالبية الالوان السياسية في تونس عدا من اعلنت صراحة انها لن تتعامل معها تحت اي عنوان او صيغة وذلك نتيجة عوامل تاريخية وسياسية يضيق المجال لشرحها وهي تحديدا "العريضة الشعبية للعدالة والتنمية". لكن وحتى لو توصلت الحركة وتحت اية صيغة لتشكيل هذه الكتلة ..فهل ستنجح في ابقائها بعيدة عن التصادم والاختلاف ام انها ستظطر الى نوع من "البراغماتية" ربما ينفعها في مكان ويظرها في اماكن اخرى لعل اهمها انصارها في حد ذاتهم الذين بدأوا فعلا يتململون .
ولعل ما يعيبه العديد من الملاحظين على حركة النهضة انها لم تنجح في اقناع الرأي السياسي في تونس بصدق نواياها و تبنيها الفعلي للنهج الديمقراطي المدني وانها قد خلعت عنها تماما الرداء التيوقراطي الذي طالما كانت تتهم به... و ان رسائل التطمين التي ترسلها نحو كل الجهات ما هي الا خدعة سياسية تفرش لها طريق الوصول الى الحكم والمسك الفعلي بزمام الامور لتمر بعدها الى سياسة الامر الواقع و تمرير ايديولوجيتها ذات الطرح الاسلامي..
وهنا يمر البعض نحو تساؤل يبدو انه قد بدا يراوح مكانه بين الأسطر وهو لماذا تسعى حركة النهضة الى التحالف مع احزاب لا تلتقي معها في نفس الطرح الايديولوجي وربما تصل افكارها معهم الى حد التصادم..على الأقل على المستوى النطري ..مثل حزب التكتل ذا النزعة اليسارية و بدرجة اقل حزب المؤتمر المتعاطف مع الليبرالية ولو كانت محافظة ..في حين انها ترفض رفضا قطعيا "العريضة الشعبية" ذات المرجعية الاسلامية.. وهو ما قد يفهم على انه "لعبة سياسية" املتها اولا طبيعة المرحلة التي لم تخترها بل فرضت عليها وثانيا تأكيد للصورة التي تريد ان تمررها بانها حزب منفتح على الجميع ويقبل مشاركة جميع الأطياف للتأسيس للمستقبل دون أقصاء اي طرف مهما كانت مرجعيته و بغض النظر عن الأختلافات السياسية..
-رسائل طمأنة للداخل والخارج وأيادي ممدودة لكن بتردد:
على ان هذا التحالفات التي تدخل بها حركة النهضة المرحلة القادمة من الاستحقاقات السياسية تبقى الى حد الآن مفهومة ومنطقية لكنها لن تتبلور في صيغتها النهائية الا عندما تدخل المرحلة الأهم وهي مرحلة الممارسة الفعلية عندما توضع على محك الاختبار سواء في الحكومة أو داخل المجلس التأسيسي وعليها ان تحافظ على قدرمن الليونة في التعامل وربما تضطرمعها الى عديد من التنازلات تمس جوهر فكرها السياسي وذلك تفاديا للمآزق مع حلفائها والذي ان حدث فانها ستجد نفسها معزولة امام كثير من الخصوم السياسيين الذين ينتظرون عثرتها خاصة انها تنطلق أصلا في موقف صعب حيث تجد نفسها في الواجهة امام كم هائل من المشاكل السياسية والاقتصادية والأجتماعية والتنموية وهي المطالبة في نظر الاغلبية التي انتخبتها بحلها أو على الأقل الشروع في ذلك بنية صادقة للإصلاح تقطع قطعا نهائيا مع نظرية انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم والتي طبعت علاقة التونسي بالسلطة منذ عقود طويلة من الزمن.. لذلك فأن الحركة ورغم شرعيتها الأنتخابية الا أنها في موقف لا يحسد عليه مقارنة بالاحزاب الأخرى التي هي في موقف مريح نسبيا لانها تقف في الصف الثاني في الواجهة ان نجحوا فسينجحون جميعا وان فشلوا فسيكون النصيب الأكبر من الفشل على عاتق حركة النهضة..
وهذا الرأي هو ما جعل بعض الملاحظين يعتبرون ان الحركة قد ظلمت مرتين مرة من القانون الأنتخابي وتحديدا "نظام الاقتراع على القوائم مع احتساب اكبر البقايا" الذي حرمها من الأغلبية المطلقة وبالتالي تمرير جميع قراراتها بسهولة.. وهو الكلام الذي جاء مثلا على لسان السيد "عياض بن عاشور" رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والأصلاح السياسي والأنتقال الديمقراطي".. وهي الجهة التي سنت هذا القانون الأنتخابي.. وظلمت مرة ثانية من خلال النقد المسلط عليها داخليا وخارجيا لمجرد انتصارها في الانتخابات وقبل حتى انطلاقها في الممارسة الفعلية للحكم وتقييم النتائج الفعلي وليس المفترض..
لكن وعلى الرغم من كل هذا ألا إن الحركة مطالبة اليوم قبل الغد بوضوح رؤيتها نحو المستقبل وتقديم ما يفيد أنها صادقة في كل ما وعدت به والبعد عن الازدواجية التي تصل حد التناقض في كثير من المواقف والتي أضرت بها كثيرا خاصة ان المرحلة الأولى التي تلت فوزها قد شهدت العديد من الأحداث التي وان كانت بسيطة في ذاتها ألا ان ابعادها تمس من جوهر الحريات والتي ان سارعت الحركة الى نفيها عن نفسها لكن عديد الاطراف ترى انها مطالبة بالسيطرة على قواعدها وتأطيرهم حتى يطابق قول القيادات في المنابر السياسية فعل القواعد في الشارع وفي المجتمع.. وحتى لا يصبح ذلك ذريعة للحركة للتنصل من كل ما من شأنه ان يعكر صفو الحياة اليومية وخاصة مبدأ الحريات الذي يعتبره البعض يأتي في المرتبة الأولى قبل الخبز.. وهي قبل كل ذلك لا تسطيع ان تمرر برنامجها السياسي إلا في جو من التوافق والهدوء الاجتماعي وبالأعتماد على مختلف مكونات المشهد السياسي الوطني بغض النظر عن تموقعاتها الايديولوجية..
وثمة جانب اخر هو من الأهمية بمكان حيث ان الحركة لن تكون فقط محل أنظار الداخل بل ستكون محط أنظار الخارج كذلك.. فالعالم كله اليوم.. وخاصة الدول الغربية.. ينظر اليها بعين الريبة والحذر كأول حزب اسلامي يصل الى الحكم في الربيع العربي عن طريق انتخابات ديمقراطية وربما أولها في المطلق اذا استثنينا التجربة السودانية التي كانت في ظروف مختلفة تماما.. او كذلك التجربة الجزائرية التي اتت بنتيجة عكسية أدخلت البلاد.. انذاك.. في سنوات دموية مازالت لم تلتئم جراحها بعد.. لذلك فهي تجد نفسها أمام مسؤوليتين.. الأولى وهي الأهم لأنها تشمل محيطها القريب في الداخل الوطني ويمتد الى الجوار العربي وبدرجة اقل الأسلامي..
فلا يخفى اليوم ان حركة النهضة بقدر نجاحها بأغلبية كبيرة في استحقاق التأسيسي بقدر ما هي مطالبة بخلق حالة من الوفاق داخليا خاصة ان أصوات التخويف منها قد انطلقت حتى قبل الأنتخابات باعتبارها تهدد مكتسبات الدولة الحديثة التي عرفتها تونس منذ الأستقلال وبالتالي فأن فوزها لا يجب أن يكون الشجرة التي تخفي غابة المشاكل وتعدد الطروحات داخل مجتمع هو.. شئنا أم أبينا.. بقدرتشبثه بهويته العربية الأأسلامية بقدر تطلعه الى نموذج من مجتمع متطور ومنفتح على العالم تصان فيه الحريات وتحترم فيه الأختيارات الشخصية للافراد بغض النظر عن اتجاهاتهم ..
كذلك هي تحمل آمال وتطلعات الشعوب العربية وخاصة في دول ما اصبح يسمى بدول الربيع العربي والتي كانت تونس ملهمتهم مرتين.. الأولى في التغيير وفي الثورة على الظلم والأستبداد والثانية في تنظيم اول انتخابات حرة ونزيهة شهد بها القريب والبعيد والتي افضت الى وصول حزب ذو مرجعية اسلامية الى السلطة كتكريس لمبدأ طالما نادت به كثير من الأصوات داخل هذه الدول وهو أن "الأسلام هو الحل".. لذلك فأن نجاح النهضة ربما يكون أول خطوة في الطريق نحو تبني منظومة ديمقراطية ذات صبغة عربية أسلامية تتجاوز المنظومة الديمقراطية الغربية الجاهزة والتي يرفظها الكثير داخل المجتمعات العربية الأسلامية باعتبارها "سم في الدسم" وتكريس للامبرالية الغربية وطمس لمعالم الهوية ومس من استقلالية القرار السياسي والأقتصادي..
اما المسؤولية الثانية وهي غير بعيدة تماما عن الأولى فهي ازالة الصورة النمطية المشوهة الراسخة في أذهان الغرب عن الأسلام والمسلمين و خاصة ممارسي السياسة منهم والذين يعتبرونهم عدوا للحرية والديمقراطية خاصة في مسالة المرأة وحرية التعبير وممارسة الشعائر الدينية وكذلك عنوانا للأرهاب الفكري والسياسي وخطرا محدقا بهم يهدد صراحة الأمن القومي لهذه الدول باعتبارها قد تصبح حاضنة لتيارات راديكالية وابوابا خلفية للعنف والتطرف.. ليصل الى الخوف الكامن من امتداد طرحهم الفكري الذي يهدد قومياتهم خاصة مع وجود جاليات مسلمة معتبرة داخلها..
وهو ما يبدو ان الحركة قد استوعبته مبكرا فسارعت الى طمأنة الجميع سواء في الداخل او الخارج وأكدت أنها بالفعل حزب قد تطور وساير الزمن وأنها لن تمس من مبدأ الحريات وستحافض على المكتسبات الوطنية وأنها ستحافظ على جميع تعهدات الدولة التونسية في الخارج وعلى المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس وستبقى منفتحة على جميع التيارات الفكرية والسياسية وتفتح ذراعيها لاحتضان الجميع.. وبدورها سارعت الدول الغربية الى الرد سريعا على رسائل الحركة و أكدت أنها تمد لها يدها وقد جاء ذلك على لسان العديد من المسؤولين الغربيين مثل وزير الخارجية الفرنسي "آلان جوبيه" الذي قال ان بلاده مستعدة للتعامل والتعاون مع حزب حركة النهضة وأنه شخصيا يريد أن يثق بهذا الحزب"..
وكذلك وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" التي قالت انها مستعدة للتعامل مع االاسلاميين في تونس وان الاسلاميون ليسوا جميعهم سواسية.. وهو تقريبا نفس الكلام الذي أتى على لسان وزير الخارجية الأيطالي "فرانكو فراتيني".. وغيرهم من المسؤولين في عديد دول العالم.. مما يؤكد ان الحركة لا تريد لنفسها أن تيقى معزولة في هذا الظرف الحساس في تاريخها وفي تاريخ البلاد عامة خاصة أمام هذه المشاكل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا التي تستعد لمواجهتها قريبا عندما توضع فعلا أمام محك التجربة في الممارسة التي تعلم جيدا أنها تفتقر للخبرة اللازمة فيها..
الى ذلك فان الحركة اليوم.. وبعد سنوات طوال من القمع والتشريد والسرية.. تجد نفسها ولأول مرة في تاريخها في موقع الحكم وتقف أمام شعب طالما تعاطف معها أيام الجمر وربما اختارها لانه يرى فيها نفسه التي طالما مورست عليها الدكتاتورية في ابشع صورها والتي طالما صودرت فيها حرياته وكتمت فيها أنفاسه ويرى فيها كذلك ذلك الوازع الديني الذي يرى في العدالة والمساواة ركنا لا يتجزأ من أركان النظام الذي تأسس اليه.. وأن من يخشى الله في نفسه انما يخشاه في عباده الذين حوربوا في دينهم وفي قوتهم وأحيوا فيهم من غير ان يشعورا ما اراد الظلم والأستبداد ان يقتله..
لكن ذلك لن يعطيها حصانة تظن معها انها بمناى عن أي اصطدام مع الشعب الذي هو على اهبة الأستعداد للفظ كل من تخول له نفسه ان يصادر ما حارب وضحى من أجله بدماء شهدائه والام جرحاه.. فالخوف كل الخوف من ما يمكن ان نسميه "بالغرور الانتخابي" الذي يمكن ان يصيب اي حزب لأن الأغلبية في الأنتخابات لا تعني صكا على بياض وما ربحت به اليوم يمكن أن يصيبها في مقتل غدا خاصة اذا فشلت في تحقيق ما يطالب به المجتمع اليوم وخاصة ان "العمر الانتخابي" قصير ويمتد في أقصى الحالات سنة ونصف ولن يتجاوز في كل الأحوال الثلاث شنوات.. فهل ستنجح الحركة في كل هذه الرهانات؟ وهل ستظفر فعلا بثقة المواطن البسيط والمثقف؟
والى اي مدى ستظل على توافق مع حلفائها ومع من مد لها أيديه في الداخل والخارج؟ وخاصة هل ستكون الحركة فعلا ذلك الخطاف الذي يصنع الربيع في الداخل وكذلك في الخارج وتحديدا في العالم العربي والاسلامي.. ام ستكون اولى غيوم الشتاء التي تجهض كل الاحلام في مستقبل حر وديمقراطي وتجهض معها احلام ملايين المكبوتين والمقموعين في الدول العربية التواقة الى غد افضل؟ كلها اسئلة تبقى معلقة في انتظار الأجابة.. فلننتظر ونرى.
صحيفة الشروق المصرية - تحديث يوم الأربعاء 16 نوفمبر 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.