من له ثقافة التأقلم ومجاراة الموجود لا ريح يمكن أن تصده قد لا يحتاج أحمد السنوسي لتقديم قبل عقد من الزمن أو لأجيال من التونسيين على اعتبار شهرته التي اكتسبها من خلال تقمصه أدواره السينمائية والتلفزية الكثيرة والمتميزة، لكن البطالة التي أحيل عليها منذ سنوات قد تعسر على الأجيال الجديدة التعرف إليه لولا الإعادات من حين لآخر لمسلسلاته كالدوار والخطاب على الباب. كانت هذه النقطة معه مقدمة لحوار تحدثنا عن قضايا ومواضيع متعلقة بالأساس بحاضر تونس ومستقبلها الفني والسياسي كذلك.
تغيبت منذ سنوات عن جمهورك في السينما والتلفزة وحتى المسرح هل هو اختيار للتقاعد الفني خاصة بعد مرورك بوضع صحي صعب؟
من كثرة الغياب أنا نفسي نسيت إلى متى تعود آخر مشاركة لي في الأعمال الدرامية التلفزية، لقد أصبحت التلفزة في السنوات الأخيرة حكرا على مجموعات تفرض من خارج أسوارها وتخضع لاعتبارات أخرى غير الاختصاص والقيمة الفنية ونتمنى أن تصلها رياح الثورة حتى يعود المبدعون الحقيقيون لأوكارهم...، أما بالنسبة إلى وضعي الصحي فهو جيد لهذا لم تكن البطالة اختياري ولن تكون كذلك مطلقا...
كيف عشت الثورة التونسية ؟ وعلى مسافة من 14 جانفي ما الذي استرعي اهتماماتك كفنان؟
أولا أنا عشت كل الأزمات التي مرت بها تونس في عهدي بورقيبة وبن علي لكن أهمها كانت يوم 14 جانفي على اعتبار أن هذا التاريخ غير مجرى الحياة في تونس وفي المنطقة العربية وحتى في العالم. أعتقد أن بن علي قد غادر البلاد لأن الشعب استوت عنده الحياة والمواجهة والموت وهو ما يعني أنه لم يعد يؤمن بسلطته وأصبح المهم عند الشعب التونسي اليوم تغيير النظرة إلى السلطة والمرور من التسلط إلى خدمة الشعب. الآن نحن في حاجة وحنين إلى سلطة - ليست انفرادية لتحرك الدولة وتعيد الأمن والحياة والوفاق إلى سيره الطبيعي لأننا مللنا النشار ونبحث الآن عن هرمونيا تعيد لحياة المواطن التونسي معناها.
هل أنت ممن يقرؤون الثورة التونسية ويستشرفون غدها وفق التجارب التاريخية السابقة لنا في النضال الإنساني؟
تونس بلد متحضر وشعب متزن ويبدو أن آلاف السنين من تعاقب الحضارات والأديان عليها حققت لها التوازن وجعلتها تصمد وترفض الفكر الواحد وما قدمه الشعب التونسي منذ 14 جانفي إلى الآن عبر ودروس تدرس في التاريخ المعاصر، فهذا الشعب اسقط كل المقولات في الماء إلى الآن ونقض كل التحاليل التي استشرفت الفوضى والانحلال وما أسماه البعض «بالوضع الصومالي» وها هو تاريخ 23 أكتوبر يؤكد من جديد على عظمة الشعب التونسي الذي وقف منتظرا ساعات طويلة من أجل اختيار من يمثله.
الفنان له حدود في مجتمعاتنا العربية وموروثنا الشعري والقصصي صلب التاريخ العربي نقل لنا وضع الشعراء والقصاصين الذين كانوا يعيشون على فواضل السلطة وفق منهج «أعطه ألف دينار»...، والمجتمع العربي كان وما يزال ينظر إلى الثقافة كعنصر أساسي وراء سلطة متسلطة لهذا ليس لي لوم كبير على المناشدين لبن علي رغم أنني لست منهم ولم أتمتع بامتيازات بسلطة بن علي ولا سلطة بورقيبة وراتبي الآن بعد الشيخوخة الإدارية 190 دينارا، فانظر إلى مستوى الفنان المناشد وسوف يبطل العجب، فهل هو مفكر ومبدع أم هو وليد صدفة ومخلوق قيصري.
هل تعتقد أن الأحداث التي حصلت مع بعض الفنانين هو نوع من عقاب الجمهور لهم ؟
لكن هذا الجمهور هو الذي صفق في السابق للمناشد في عروضه وإلا لما وجد وعاش، جل الفنانين غنوا لاحتفالات 7 نوفمبر وهو وجه رديف للمناشدة.
وما هو رأيك في من قدم أفلاما ومسرحيات وأغان عن الثورة بعد 14 جانفي؟
هذا الأمر ينخرط في ثقافة خذ وهات أو ثقافة «العربون» وهؤلاء لن تقف أي ريح ضدهم ولهم إبداع رهيب في التأقلم ومجاراة الموجود. بالنسبة لي الثورة هي نقطة تحول ليكتب التاريخ فيما بعد تفاصيلها ودلالاتها أما الأعمال الفنية فتأتي لاحقا بعد هضم جيد لها، فالفن ليس التلفزيون، ليس نقلا مباشرا وحسب رأيي ما قدم هو انتهازية أو ما يسميهم الفرنسيون بقناصة الأحداث. أنا مع المبدع الذي يستشرف وعموما الذين أبدعوا الثورات ليسوا الفنانين. حبذا لو نعود للمواضيع والقضايا الهامة عوض اجترار شعارات الثورة.
من آخر هذه الأعمال التي يقول صاحبها أنها اشتغال على الثورة التونسية مسرحية «صاحب الحمار» لفاضل الجزيري، هل دعيت لتقمص احد أدوارها؟
على ما أذكر أن هذه المسرحية قدمها في السابق علي بن عياد وعزالدين المدني وهنا أتساءل أي علاقة لثورة 14 جانفي بصاحب الحمار ؟ شخصيا أكره الإسقاطات إسقاط التاريخ على الحدث الآني المستقل بذاته.
كثر الحديث مؤخرا عن الخوف عن حرية الإبداع خاصة بعد أحداث فيلم نادية الفاني والفيلم الإيراني الذي بثته نسمة كيف تنظر إلى المسألة ؟
كل ما في الأمر أن هذه الإشكاليات حصلت بسبب الفهم الخاطئ، فالفيلمان لا ينتهكان أي حرمة لكن الترجمة الحرفية من اللغة الأصلية (الفرنسية والإيرانية) الى الدارجة التونسية هي التي كانت وراء التأويل. شخصيا أكتفي بما قاله ناس الغيوان «هذا جيل جديد لا فيه عبد ولا سيد».