بعد الانتخابات أصبحت تحضرني آيات كريمة محددة كلما قرأت لبعض الزملاء في الصحافة المكتوبة، أو تابعت بعض البرامج التلفزية أو الإذاعية أو حضرت بعض التدخلات في الاجتماعات التي تنظمها الأحزاب الفائزة في انتخابات المجلس التأسيسي. فقد أصبحت أقرأ لمن كانوا إلى وقت قريب يقسمون بأغلظ الأيمان بأن لا علاقة لهم بهذه الحركة أو بذاك الحزب، مما يفيد بأنهم لم ينفكوا عن النضال وأنهم كانوا يتعرضون للمضايقات وللإقصاء والتهميش معتقدين ان كل الوجوه الفاعلة على الساحة حاليا كانت في الحبس أو في دهاليز الداخلية ونحن نعرف جيدا حقيقتهم وحقيقة ان وقتهم لم يكن يسمح لهم بالنضال الذي ينتحلونه اليوم علنا.. هكذا.. لأنهم كانوا مشغولين بضرب الدفوف والنضال في اتجاهات أخرى بعضها معلوم. نضال جعل بعضهم يجاهر بشرب الكحول وبارتياد الأماكن المشبوهة وعدم فتح خط المحمول لمن يشتبه في انتمائهم لحركة أو حزب يحاربه النظام السابق. هؤلاء نجدهم اليوم يتباهون بعلاقاتهم مع بعض القيادات الفائزة في الانتخابات، يهرولون لتقديم خدمات لم تطلب منهم لأنها في الحقيقة محرجة لهم كما كانت تحرج المخلوع زين العابدين بن علي في أولى سنوات استحواذه على الحكم في تونس. أصبحنا نستمع للبعض ونقرأ للبعض الآخر فنخال أننا نعيش تسعينات القرن الماضي أو نهايات العشرية الأولى من الألفية الثالثة. هؤلاء الذين طبلوا وزمروا وهللوا، وخلنا إلى وقت طويل أنهم كانوا مغلوبين على أمرهم لم يطلب منهم اليوم احد تفعيل دور البندير في تونس وقد اتضح بعد تدخلات البعض في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية ومقالات البعض الآخر وملفاتهم المتلفزة أن لغة البندير طبع متأصل لدى البعض ممن تحركهم المصالح الشخصية الضيقة لا حب تونس وأهلها. هؤلاء يقول فيهم الله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» هذه النفسيات المريضة التي تأبى التغيير وترفض أن تتغير الأوضاع من حولهم تشكل في الحقيقة خطرا على الجهات التي «تبندر» لها وعلى أهداف الثورة وعلى المواطن الذي يريد كرامة تمكنه من محاسبة السلطة متى حادت عن الطريق الذي رسمه بنفسه. أما الذين تذكر أفعالهم بقول الله تعالى: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم» فهم هؤلاء الذين لا يريدون الاقتناع بان بلاءنا من قلة ثقتنا بأنفسنا وتطرف بعضنا وتعصب بعضنا الآخر وإجماعنا على عدم القبول بالآخر وهم كذلك الذين لا يؤمنون بثورة تونس ولا بما قدمه شعبها من تضحيات بل يعتقدون أن ما حدث عندنا لا يعدو أن يكون مؤامرة خارجية ولا يخرج عن إطار الصراعات الدولية والأطماع الغربية التي ستقود إلى غزونا من جديد، أي أننا مازلنا الضحية التي تتلاعب بها الدول الكبرى وتدبر لها المكائد، وهو بالضبط المنطق الذي حول حكام العرب إلى دكتاتوريين ووحد بينهم وبين كراسيهم. لقد كان الغرب الشماعة التي علقنا عليها فشلنا وتردي أوضاعنا وركود فكرنا واقتصادنا، وتمكن الأنظمة القمعية من رقابنا ومن المؤسف ان لا تمحو الثورة هاجس التآمر الخارجي علينا من بعض الأذهان، هؤلاء يمكن ان نذكرهم بقول الله تعالى: «قل هو من عند أنفسكم». علياء بن نحيلة