نور الدين عاشور كأننا لم تكن الساحة السياسية في حاجة إلا لتصريحات حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة لكي تلقي عليها بظلال التشنج والتوتر خصوصا في ضوء المفاوضات حول تقاسم المناصب وتشكيل الحكومة فيما تعددت المواقف المؤيدة للجبالي والمنتقدة له ولحزبه. ومهما كانت شدة ردود الفعل والتبريرات والتوضيحات والقراءات الإيديولوجية والمستقبلية فإن هناك حقيقة لا مفر من أخذها بعين الاعتبار وهي أن مثل تلك الهفوات أو زلات اللسان أو الانزلاقات يتعين توقعها في أية لحظة ومن أي سياسي كان ، لكن الحكمة لا تكمن في فحوى الرد عليها أو التفصي منها بل في كيفية التعاطي معها مع وضعها في سياق أشمل وإخضاعها لبعد معياري وقيمي. فالتصريح في أساسه سياسي دون أن تخفى مرجعيته وعندما يقول الجبالي أنه استعار كلمة الخلافة الراشدة "استلهاما قيميا لتراثنا السياسي وحضارة المجتمع التونسي" فإنه يكون قد وضع الكرة في ملعب أشمل وهو هوية الشعب التونسي ومن شأن ذلك العودة إلى قضية محسومة وإلى جدل لا طائل منه. ربما يكون الجبالي كان بصدد جس نبض الشارع التونسي من خلال تسريب تلك العبارة وهو من منطلق انتمائه إلى حزب سياسي يحق له ذلك لكن يختلف الأمر بعض الشيء عندما يكون مرشحا لمنصب رئيس الحكومة في مرحلة تأسيسية بكل ما تعنيه الكلمتان من معان لأن التصريحات تطرح علامة استفهام كبرى حول "خطط" أكبر حزب في البلاد. ولا شك أن الضجة الحالية شبيهة بالجدل الذي أعقب خطاب بوش الإبن الشهير في 29 جانفي 2003 حينما استلهم من انتمائه العقائدي ما فحواه أنه يقود حربا صليبية وقد وجهت انتقادات شديدة لبوش لأنه استهدف المسلمين ولأنه مس مشاعر أمريكيين لا يشاطرونه التفسير الديني للسياسة. ودون الدخول في مجال محاسبة النوايا لا بد ونحن في ديمقراطية ناشئة- أن نفصل بين المبادئ والقيم ، والإشكاليات لأن كل المبادئ لا يمكن أن تعني إشكاليات كما أن الإشكاليات ليست بالضرورة من إفرازات المبادئ والقيم بل يمكن إرجاعها إلى بعض القراءات الخاصة والاجتهادات. لكل امرئ الحق في القراءات والاجتهادات فتونس في أمس الحاجة إلى تعددية فكرية وسياسية ، والتونسيون ليسوا قالبا حتى تضيق عندهم ساحة النقاش والحوار وتتعسر سبل التواصل في ظل الاختلاف، لكن الحكمة تكمن في طريقة التعاطي مع أية مسألة أو رأي أو حتى زلة لسان، فبالحكمة وحدها نتجنب الفتنة ونتقي شرها.