عينات أخرى من ممارسات التآمر والفساد التي طالت جميع مؤسسات الدولة في عهد المخلوع تضمنها التقرير النهائي للجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد.. وقد حبكت خيوط المؤامرة والمناورات في مجال الصفقات العمومية وامتدت الى حين ضلوع شبكة كاملة في ممارسات مشبوهة على حساب منشات ومشاريع عمومية في مجال المحروقات. وتبين من خلال التقصي الذي اجرته اللجنة في باب الصفقات العمومية وتحديدا في صفقتين في مشاريع الطاقة والبترول تتعلق الاولى بصفقة اعلان الشركة الوطنية لتوزيع البترول SNDP طلب عروض دولي لتوفير تجهيزات وانجاز الأشغال والمتابعة والتجارب لانجاز مركز خزن وتعبئة المحروقات السائلة بالمنطقة الصناعية بقابس الذي يندرج في إطار مشروع غاز الجنوب الذي يوفر كمية هامة من الغاز يتم نقلها عبر أنبوب مبرمج الى قابس. وثبت من خلال عمل اللجنة وجود عديد الملابسات التي تحوم حول انجاز المشروع. وتبدأ حكاية هذه الصفقة مع لجنة الفرز الفني التي تلقت مشاركة أربع عارضين لانجاز المشروع في مرحلة أولى منها احد العارضين وهو"مجمع بوشماوي" التونسي ورفعت لجنة الفرز سبب الرفض بان المجمع المذكور لم ينجز مشروعا مماثلا في المقابل تفيد بعض المعلومات أن" مجمع بوشماوي" أنجز مشروعا مماثلا مع شركة "Entrepose " الفرنسية. وجاء في التقرير انه ولرفع الملابسات طلبت اللجنة العليا للصفقات العمومية من لجنة الفرز إعادة النظر في نتائج الفرز الفني وبعد تعديل العروض ورفع التحفظات تم قبول كافة العروض الأربعة ومنها عرض "مجمع بوشماوي" لتأتي مرحلة الفرز المالي والذي أقصيت فيه شركة Tissot Industrie الفرنسية لعديد التحفظات واعتبرت أن عرض "مجمع بوشماوي "هو الأقرب في أسعاره وفقا لما يقتضيه الفصل 80 من الأمر المنظم للصفقات العمومية. كما ابرز تقرير اللجنة انه نتيجة للتباين الكبير في مستوى أسعار العارضين الأربعة أبدت اللجنة العليا للصفقات رأيها بعدم الموافقة على مقترح المنشأة نظرا لشطط الأسعار واقترحت, إمّا إعادة طلب العروض وهو الأمر الذي يتطلب آجالا إضافية وهامة في حين ان الوقت محدود لانجاز المشروع أو القيام باستشارة موسعة وهو الذي اعتبرته الحل الأنسب وبعدها تولت الكتابة العامة للحكومة آنذاك إحالة نتائج أعمالها على رئاسة الجمهورية وقام المستشار الاقتصادي للمخلوع بتلخيص الموضوع واقتراح طلب العروض غير المثمر ودعوة العارضين الاثنين المتبقيين وهما شركتي "Entrepose" الفرنسة و "Basse Sombre" البلجيكية او كافة العارضين الأربعة الى تقديم عروض جديدة لكن المخلوع أقصى "مجمع بوشماوي" ووافق على الشركة الفرنسية Entrepose والشركة البلجيكية المذكورة. وما يثير الشك في هذه الصفقة انه رغم شطط أسعار الشركتين إلا أن الصفقة رست عندهما وهو ما يعد مخالفة للتشاريع والتراتيب المعمول بها كما انه لا يحترم مبدئي التكافئ في الفرص والشفافية. كما ابرز التقرير أن العرضين الماليين للشركتين مشطان وهذا يعني انه كان من الضروري الأخذ بعين الاعتبار كافة العروض وخاصة عرض "بوشماوي" الأقل ثمنا غير أنّ الشركة الوطنية "عجيل" قبلت عرض الشركة الفرنسية "Entrepose" بثمن جملي قدره 159.7 مليون دينار في المقابل كان العرض المالي لمجمع بوشماوي في حدود 118 مليون دينار وهو ما اثبت حرص المخلوع على توجيه الصفقة الى الشركة الفرنسية وإقصاء المقاولة التونسية رغم أفضلية سعرها وعلى هذا الأساس تمت إحالة الملف على النيابة العمومية في 21 أفريل الماضي. التجاوزات في مستوى الصفقات العمومية لم تنته عند مشروع مركز الخزن والتعبئة بالمنطقة الصناعية بقابس لتظهر عديد الملابسات والتجاوزات في ميدان نقل المواد البترولية بالشركة التونسية لصناعات التكرير" STIR" هذه التجاوزات بدأت مع منح شقيق زوجة المخلوع لصفة الناقل البحري من قبل وزارة النقل وتمكينه من الفوز بصفقات في نقل مواد بترولية التي تنجزها الشركة التونسية لصناعات التكرير. كما أبرزت التحريات تورط المخلوع وأعضاء من حكومته وعديد المسؤولين السابقين بضلوعهم في محاباة شركة "ترانسماد" عبر منحها ترخيص في مجال النقل البحري والحرص على تمكين هذه الشركة من الانفراد بسوق النقل البحري للمواد البترولية. ومن بين حصيلة التجاوزات إقصاء ناقلين بحريين وإبلاغهم بان الصفقة رست على غيرهم وهي شركة "ترانسماد" التي منحت عقود نقل على مدى سنوات تضمن لها أرباحا قارة. كما أثبتت أبحاث اللجنة انه علاوة على ذلك طالب صاحب شركة "ترانسماد" في مراسلتين موجهتين الى كل من وزيري النقل والصناعة في حكومة المخلوع على الاتفاق مع مصالح الوزارتين ويقصد بهما الشركة التونسية للأنشطة البترولية والشركة التونسية لصناعات التكرير لتمكينه من التكفل بتوريد النفط الخام من ليبيا فضلا على نقل النفط الخام محليا من الصخيرة الى بنزرت. وبلغت التجاوزات ذروتها الى حد شطب اسماء شركات من قائمة الناقلين البحريين لتكون الصفقات في هذا المجال على قياس شركة "ترانسماد" التي تعود الى صهر المخلوع حتى يحتكر السوق , كما تولت وزارة النقل آنذاك تحيين قائمة الناقلين البحريين حسب تعليمات "من القصر" وأصبحت القائمة تقتصر على ثلاث شركات فقط وهي "ترانسماد" والشركة التونسية للملاحة وشركة "ميتال شيب" وصادقت لجنة صفقات "STIR" على ذلك الامر الذي اثبتته تحريات اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد وأحالته على النيابة العمومية في 3 جوان الفارط باعتباره خرقا واضحا لكافة القوانين والتراتيب المنظمة للصفقات العمومية.