خليفة الشيباني: "مظاهرات فرنسا وأحداث النيبال مرتبطة بالاعتراف بدولة فلسطينية"...    استعداد البنك الوطني الفلاحي لموسم الحبوب المقبل: نحو الرّفع من قيمة التمويلات المبرمجة لتبلغ 140 مليون دينار لفائدة 4700 فلاح    بوعرقوب: متساكنون يستغيثون من اجتياح الحشرة القرمزية لمنازلهم    14 شهيدا في القطاع بغارات للاحتلال منذ فجر اليوم    عاجل/ انطلاق 6 سفن يونانية لتنضم لأسطول الصمود العالمي لكسر الحصار على غزة..    كأس الكونفدرالية: الملعب التونسي والنجم الساحلي أمام رهان الانطلاقة القارية    الرابطة الأولى: النتائج الكاملة لمنافسات الجولة السادسة ذهابا.. والترتيب    وزارة الدفاع الوطني تفتح مناظرة خارجية لانتداب 7 مهندسين أولين اختصاص اعلامية    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    عاجل : رئيسة قسم الأعصاب بمستشفى الحبيب بورقيبة تعلن عن نقلة نوعية في الصحة    عاجل: فرنسا تغلي.. 94 إيقافاً في أولى ساعات الإضراب...شفما؟    عاجل/ تدهور الحالة الصحية لهذا القيادي بحركة النهضة داخل السجن…    موسم الأمطار قرب! شوفوا وزارة الفلاحة شنو حضّرت باش تحمي البلاد    عاجل: قرار صادم من الفيفا يهدد''البافانا بافانا''.. من المستفيد؟    الكاف يوافق على تاجيل تصفيات شمال افريقيا المؤهلة الى كأس الأمم الإفريقية تحت 17 سنة    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    الملعب التونسي يتعاقد مع المهاجم السنغالي بوبكر جونيور كامارا    النجم الساحلي يضم مدافع قوافل قفصة احمد الحرشاني    عندك ورثة بش تقسموها : شنوّة الحكاية وشنوّة المعاليم اللازمة ؟    هذه الشركة تفتح مناظرة هامة لانتداب 60 عونا..#خبر_عاجل    محرز الغنوشي يزّف بشرى للتوانسة: ''بعض الامطار المتفرقة من حين لاخر بهذه المناطق''    النفيضة: إصابات في حادث اصطدام بين عدد من السيارات    تحذير عاجل: تونس، الجزائر وربما ليبيا.. موجة أمطار مهمة في الموعد هذا...استعدوا للتقلبات الجوية    جريمة مروعة/ رجل يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته..ثم ينتحر..!    طقس اليوم : سحب عابرة وحرارة بين 29 و 35 درجة    صابة التين الهندي تنهار أكثر من 40%.. شوف السبب...وهذه المنطقة تطلق نداء عاجل    في أحدث ظهور له: هكذا بدا الزعيم عادل إمام    تصدرت محركات البحث : من هي المخرجة العربية المعروفة التي ستحتفل بزفافها في السبعين؟    عاجل : شيرين عبد الوهاب تواجه أزمة جديدة    المعهد الوطني للتراث يصدر العدد 28 من المجلة العلمية "افريقية"    افتتاح شهر السينما الوثائقية بالعرض ما قبل الأول لفيلم "خرافة / تصويرة"    شيرين عبد الوهاب أمام القضاء من جديد على خلفية هذه التّهمة    بعد اعتصام أستاذة حامل بمندوبية التربية: تسوية الإشكال ونقابة التعليم الثانوي تدعو للتحقيق    سعيّد: لا تكاد تمر ساعة واحدة إلا ويتم افتعال الأزمات في كل القطاعات    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    الحماية المدنية.. إخماد 75 حريقا خلال ال24 ساعة الماضية    نتنياهو يتهم بن غفير بتسريب تفاصيل من اجتماعات الحكومة    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    كيم يشرف على اختبار أداء مسيرات هجومية تكتيكية    وخالق الناس بخلق حسن    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    التسامح أساس من أسس التعايش بين الناس    الهنشيري: قرابة 30 سفينة راسية قبالة ميناء سيسيليا في انتظار تحسن الأحوال الجوية    أمريكا تستخدم الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار وقف إطلاق النار في غزة    عاجل/ مقتل 4 جنود خلال معارك في رفح جنوبي غزّة    هذا هو موعد انتهاء أشغال المدخل الجنوبي للعاصمة    صادرات القطاع الصناعي ترتفع ب1,9% خلال النصف الأوّل من 2025    حجز مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك قرب إحدى المؤسسات التربوية..    قصر النظر عند الأطفال: الدكتور فهمي نافع يحذر ويقدم نصائح مع العودة المدرسية    عاجل : وزير النقل يضع مهلة ب15يوما لضبط روزنامة برامج عمل    اجتماع بمعهد باستور حول تعزيز جودة وموثوقية مختبرات التشخيص البيولوجي    الموت يغيب هذه الإعلامية..#خبر_عاجل    في بالك الى فما مكوّن سرّي في زيت الحوت... شنوة يعمل في جسمك؟    بلعيد يؤكد خلال الدورة 69 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذريّة حرص تونس على مواصلة التعاون مع الوكالة    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشردون.. أقليّة تنشد الحماية
في شوارع العاصمة
نشر في الصباح يوم 21 - 11 - 2011

يعتبرالتشردّ ظاهرة اجتماعيّة في مجتمعنا التونسي لا يمكن إنكارها. فبالتجولّ في شوارع العاصمة وفي الأحياء الشعبيّة والأزقّة ، نجد فئة من الأشخاص اتخذّت من الشارع مأوى لها. هذه الفئة تعيش تحت مظلّة السماء. فليلها كنهارها، وما يهمّها هوالأكل والنوم لأنّ أحلامها دفنت بين الأزقّة.
إذ يكفيك تقديم وجبة غذائيّة لأحدهم لتتمكنّ من محاورته وتعي مرارة المعاناة التي يعيشها. فما من أحد يرضى لنفسه قضاء ليالي الشتاء القارس أمام عتبات المنازل أو المحلات التجاريّة دون لحاف أو وسادة . وما من أحد يرضى لنفسه البحث في القمامات عن وجبة يسدّ بها رمقه. هذه هي حالة المشردّين الذين تحدثّت إليهم «الأسبوعي» حول أسباب سكنهم في الشارع وعيشهم في هذه الحالة . كما اتصلّنا بوزارة الشؤون الاجتماعيّة للبحث في البرنامج المعتمد لحماية هذه الفئة والحدّ من انتشارظاهرة التشردّ خاصّة أنّ السكن حقّ من حقوق الإنسان الأساسيّة.
بدأت رحلتنا في الشوارع مع مصطفى العبيدي رجل في الستّين من عمره من مواليد 9أكتوبر 1949 وأصيل منطقة حي الخضراء. وجدناه نائما في مكان مخصصّ للمارّين أمام مقرّحديقة الحيوانات بالبلفيدير. راقبناه لفترة ثمّ توجّهنا نحوه وأيقظناه، ففاجأنا بترحابه ودعانا إلى مجالسته وكأنّه ينتظرمن يحاوره. لا ننكرأنّنا تردّدنا للحظة باعتباره كان مخمورا. لكن بحديثنا معه، وجدناه إنسانا طيّبا محبّا للحياة وحالما بعيشة هادئة. فقد اشتغل في فرنسا لمدّة 19 سنة، لكنّه واجه مشكلة أفقدته كلّ ما يملك.
وقد رفض الحديث عن هذه المشكلة التي جعلته عون تنظيف في أحد النزل البسيطة بالعاصمة مقابل حصوله على فراش يأويه داخل المطبخ . لكنّ النزل أغلق منذ فترة ما تسببّ في «تشردّه» وتجولّه المستمرّ بين شوارع العاصمة علّه يجد شخصا يمكّنه من عمل أو مسكن. وبسؤالنا إن كان لديه أقارب، صرحّ بأنّهم عديدون لكنّهم يرفضون مدّ يد العون له. إنّ الملفت للنظرعند الحديث مع مصطفى هو قدرته على التركيزوإدراك ما حوله بالرغم من أنّه مخمور. فحالة السكرلم تنسه وضعه المأسوي، وطلبه الوحيد هو إيجاد مسكن يأويه ، إذ قال باكيا:»مللت الحياة الحيوانيّة وسئمت الخوف من كلّ شخص يقربني؛ فيوميّا أتعرّض إلى الاعتداء من قبل أصحاب السوء الذين سلبوني بطاقة هويّتي وجوازسفري وهم يسلبونني دائما النقود التي يعطيه اإياي أهل الخير."
لم ينفكّ مصطفى عن رجائنا إيجاد مسكن له. لكن ما أن صارحناه أنّ ذلك يتطلبّ يومين على الأقلّ، حتّى وجدنا أنفسنا أمام شخص عدائيّ بدأ بالصراخ وحاول إخراج سلاح أبيض كان بحوزته .ومن ألطاف الله أنّه هدأ بمجردّ إخباره بأنّنا سنجلب له ما يأكل . لقد فكرنّا موقفه بذلك الرضيع الذي لا يتوقّف عن البكاء إلا بمجردّ مدّه بالحليب.
نعم، كانت تلك حالة مصطفى الذي تراجع إلى الوراء وخبأ سلاحه الأبيض وهدأ وبدأ يأكل بنهم راجيا منّا مساعدته على إيجاد مكان يأويه خاصّة أنّه اتصلّ مرارا بالإدارة العامة لصندوق الضمان الاجتماعي ، لكن وقع صدّه من قبل أعوان الاستقبال ، إذ قال مصطفى:»قصدتهم مرارا ورجوتهم مساعدتي لكنّهم كانوا يماطلون دائما ويرفضون حتّى إرشادي.»
ضحيّة زوج أمّها
)ن.ع) هي الأخرى شابّة تبلغ من العمر 22 سنة اتخذّت من حديقة الباساج(العاصمة) مأوى لها، وقد رفضت أن نأخذ لها صورة راجية منّا عدم ذكر هويّتها. وجدنا (ن.ع) نائمة على العشب الأخضردون غطاء أو وسادة ، أثناء تجوّلنا في الحديقة . فالأرض فراشها ويداها وسادتها.
وعن الفترة التي قضّتها في الشارع تقول (ن.ع): إنّها غادرت منزلها منذ ثلاث سنوات تقريبا بسبب زوج أمّها الذي حاول مرارا اغتصابها. فقررّت مغادرة المنزل نحو الشارع . لكنّ سوء الحظّ رافقها وتعرضّت لعمليّة اغتصاب في أوّل يوم قضّته في الشارع . وبعينين بريئتين يملؤهما حزن شديد، تقول: «ندمت على مغادرتي المنزل، فعوض أن أسمح لزوج أمّي بإقامة علاقة جنسيّة معي، أصبحت اليوم عرضة للاعتداءات المتكرّرة رغما عنّي، ما جعلني أتعوّد على ذلك حتّى إنّي احتقرت نفسي.»
إنّها معاناة حقيقيّة تعيشها (ن.ع) التي أبدت رغبتها في عيش حياة عاديّة . لكنّ اعتقادها بأنّ المجتمع لن يسامحها أو يساعدها هوما جعلها تستسلم لوضعها الحاليّ وللفئة التي تستغلّها. لقد لاحظنا أنّ (ن.ع) ليست ملك نفسها لكنّها ملك الشباب الذين يجدون فيها ملاذهم الجنسي. فبحديثنا معها قاطعنا شاب ، هو الآخر يعيش في الشارع ، وقام بصفعها وضربها بشدّة لحديثها معنا ثمّ قام بشتمنا وطردنا قائلا:» لا يحقّ لأحد الحديث معها، إنّها ملكي الخاصّ.» فما كان علينا إلا مغادرة المكان خاصّة أنّه كان في حالة هيجان رافضا الحديث معنا.
طرد واعتداء
وتستمرّ المعاناة مع محسن شلبي الذي اتخذّ من محطّة القطار بالعاصمة بيتا له. وقد كان وضعه مختلفا عن جميع من تحدّثنا معهم. هو لا ينام على الأرض ولكنّه ينام على طاولة من خشب كان جلبها من أمام مطعم مغلق أثناء الليل. هولا يتخّذ من يديه وسادة ولكنّ وسادته خشبتان صغيرتان عليهما قطعة قماش.
إنّ محسن يعيش على عكس الأشخاص العاديّين. فهو يقضّي معظم الليل مستيقظا خوفا من أصحاب السوء. ويقضّي يومه متنقّلا بين الأزقّة علّه يجد ما يأكل. لقد كان لمحسن بطاقات أكل، أرانا إياها، تصل قيمتها إلى 50 دينارتقريبا. وعن مصدرها، يقول محسن:» إنّ أصحاب الخيرهم الذين يعطونها لي، لكنّها لا تفيدني بشيء لأنّ أصحاب المطاعم يطردونني دائما، وإن رفضت يقومون بضربي.»
إنّ حالات العمّ مصطفي و(ن.ع) ومحسن ليست الحالات الوحيدة التي ليس لها مكان يؤويها. وإنّما هناك حالات عديدة منها من تحدّثنا معها ومنها من لم نتمكّن حتّى من الدنوّ منها. ونظرا إلى أنّ حالات التشردّ تعتبر حالات اجتماعيّة بالأساس، اتصلّت «الأسبوعي» بالإدارة العامة للنهوض الاجتماعي التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعيّة. وأفادنا مصدررسميّ من الوزارة فضلّ عدم ذكرهويّته، بوجود فرق عمل بمراكزالدفاع والإدماج الاجتماعي التي يصل عددها إلى 17 مركزا موزّعين على كامل تراب الجمهوريّة.
وعلمت «الأسبوعي» أنّه من المنتظرأن يرتفع عددها إلى 24 مركزا في أواخر سنة 2014. وتعنى هذه المراكز بالإحاطة النفسيّة والاجتماعيّة بسكّان الشوارع الملقبّين ب»المشردّين».
1199 حالة تسول وتشردّ
أفادت آخرإحصائيّة قامت بها وزارة الشؤون الاجتماعيّة سنة 2010 أنّ عدد الأطفال والشبّان بالشارع المتعهدّ بهم من قبل الوزارة وصل إلى 929. في حين وصل عدد المتسولّين والمشردّين المتعهدّ بهم إلى 1199 حالة. ولم تقم الوزارة بحصرعدد المشردّين بمفردها. ويشارإلى أنّ الأرقام التي قدمّتها الوزارة لا تمثّل العدد الفعلي للمشردّين باعتبارأنّها تمثّل الأشخاص الذين قدمّت لهم الوزارة الإحاطة.
ووضعت الوزارة برنامجا لمقاومة التشردّ يتمّ تنفيذه في شكل دوريّة مشتركة بين أعوان الأمن والأعوان الاجتماعيّين للإحاطة بهذه الفئة وتوجيهها إلى مركز الإحاطة الاجتماعيّة أو مركزالرعاية الاجتماعيّة للأطفال إذا كان المشردّ طفلا. وعلمت «الأسبوعي» أنّ الإدارة العامة للنهوض الاجتماعي نظمّت دورة تكوينيّة من 14 إلى 17 نوفمبرحول «العمل الاجتماعي بالشارع» بهدف تطوير قدرات المتدخلّين الميدانيّين بمراكزالدفاع والإدماج الاجتماعي وذلك بإشراف خبيرين في مجال العمل بالشارع.
وبإشارتنا إلى وجود حالات تشردّ في الشارع تحلم بمكان يؤويها، ذكرت المسؤولة بالإدارة العامة للنهوض الاجتماعي أنّ العمل الميداني تراجع منذ اندلاع الثورة نظرا إلى سوء الأوضاع الأمنيّة.
ورغم المجهودات التي تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعيّة ، إلا أنّها تبقى مجهودات محدودة خاصّة أننّا قابلنا عدّة حالات ليست على علم بوجود مراكز إحاطة تعنى بها وتأمل الحصول على الحدّ الأدني من السكن»جدران وسقف». وتبقى حالة (ن.ع) مثالا نأمل أن تعتبر منه الأطراف المعنيّة بما في ذلك الأحزاب والجمعيّات. فهل من محقّق فعليّ لحلم السكن المشروع الذي يعتبرحقّا من حقوق الإنسان الأساسيّة ؟ وهل من ضامن لكرامة هذه الأقليّة التي تمثّل جزء من مجتمعنا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.