كل الذين يعنيهم المهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون الذي ينظمه اتحاد اذاعات الدول العربية بتونس سنويا يتابعون بشغف كبير افتتاح التظاهرة باعتبارها تشكل حدثا ثقافيا وفنيا جميلا بالاضافة الى الحركية التي تحدثها بفضل ضيوف الشرف من أجل الابداع الفني تأليفا وانتاجا وترويجا، وبفضل المتسابقين من المنتجين في الاذاعات والفضائيات العربية، وهناك جانب كبير من أهل الثقافة والعاملين في هذه المؤسسات يولون اهتماما كبيرا بالندوات والورشات التي يحضرها الباحثون والمختصون في النقد الفني لمناقشة قضايا كثيرا ما تكون أساسية في النهوض بالعمل الاذاعي والتلفزي، تماما مثل الدورة الحالية من هذا المهرجان اذ هي تتضمن ندوة حول صناعة الأشرطة الوثائقية لدراسة أوضاعها ووضع مقترحات لتطويرها، كما تتضمن ورشة تهدف الى تطوير البرامج الاذاعية والتلفزية الخاصة بالأطفال. ذلك مهم جدا، وهو ما يعطي المهرجان حضورا قويا في الحركة الثقافية والفنية العربية. لكن كثيرا ما ننسى تظاهرة جد هامة ولا غنى عنها تماما هي السوق داخل المهرجان وليس على هامشه كما نلاحظ في الأدبيات النقدية والمتابعة له. وتهدف هذه السوق الى تنشيط الانتاج التلفزيوني والاذاعي العربي والمساعدة على التعريف به وتسويقه وتهيئة الفرص لتبادل الرأي والخبرة بين العاملين في مجال الانتاج وكذلك بين المشاركين في السوق. وحسب قانون هذه السوق فان المشاركة فيها متاحة للهيئات العربية والأعضاء في الاتحاد وللشبكات العربية على ملك الخواص بالاضافة الى شركات الانتاج العربية السينمائية والتلفزية والاذاعية. كما أن هذه السوق تفتح ابوابها للشركات العالمية التي ترغب في تسويق انتاجها في البلاد العربية أو ترغب في اقتناء الانتاج العربي لدبلجته باللغات الأجنبية. اذن هي سوق ثقافية وتجارية قد لا يتفطن اليها المستهلكون من النظارة والمستمعون، فهؤلاء ما يهمهم هو أن يشاهدوا برامج جميلة وجيدة.. وأن يستمعوا الى اذاعة طريفة ومواكبة للحياة والعصر. داخل هذه السوق تجري مشاهدة البرامج المعروضة للبيع وهي مسجلة على أشرطة كاسيت «في.هاش.آس» أو الأقراص المدمجة (دي.في.دي)، كما تجري عمليات الاستماع الى الانتاج الاذاعي. وفي صورة حدوث الرضا والرغبة يتم التعاقد على البيع.. وعلى الترويج.. وربما التبادل واجراء مفاهمات خاصة بين المنتجين لانتاج أعمال مشتركة. وبما أن الفضائيات في البلاد العربية تجاوزت 290 محطة، وبما أن الاذاعات هي بهذا الرقم أو أكثر فإن القارئ يمكنه أن يتصور أن هذه السوق ليست هامة فقط على المستوى الثقافي، بل هي تشهد حركية واسعة على المستوى التجاري وهي التي تقوى جانب هذه الهيئة الاذاعية والتلفزية أو تلك.. وهي التي تعطي فكرة عن حجم المبادلات العربية في هذا المجال فضلا عن المبادلات العربية مع الأجانب. وعلينا أن نعرف أن المحطة أو الهيئة أو الشركة التي تبيع انتاجها بنسبة مائوية عالية فهي التي ستكون مؤثرة أكثر من غيرها في التأثير على «الدماغ العربي» كما أنها مرشحة أكثر من غيرها لانتاج جديد ينتظره الآخرون بحماس وشغف. ولا شك أن عملية الانتاج الاذاعي وخاصة التلفزي هي اليوم جزء أساسي في اقتصاد بعض البلدان وهي تشكل أكثر من 10 بالمائة من ميزانية الدولة في مصر وقال لنا البعض من المطلعين أن مداخيل الانتاج التلفزيوني والاذاعي في مصر تتجاوز مداخيل السياحة.. وإني أورد هذه المعلومة لأهميتها ولكني مع ذلك أقدمها بحذر لمزيد التأكد حتى يتم الاطلاع على الارقام الحقيقية في هذا المجال. واني اذ أقدم هذه المعلومة فلا اعتبر نفسي متسرعا رغم عدم وجود اثباتات من الجانب الرسمي لكن الملاحظ يمكنه أن يسجل بوضوح كامل أن 99% من المحطات التلفزية العربية تبث بنسبة عالية جدا الانتاج المصري الى درجة أن بعض المحطات تبدأ برامجها بأشرطة مسجل عليها تلاوة القرآن الكريم، وتنتهي بأشرطة فيها الدعاء والتسابيح وهي مصرية، وبين البداية والنهاية أفلام ومسلسلات وأغنيات مصرية إلا ما ندر. كما أن بعض المحطات العربية لا تبث الا الأفلام المصرية القديم والجديد منها، مع العلم أن هناك محطات عربية تعمل في بلدان أجنبية وهي تبث بنسبة عالية الانتاج المصري. وفي المرتبة الثانية تأتي سوريا ثم بنسب متفاوتة انتاجات خليجية ولبنانية وأردنية. والمؤسف حقا أن الانتاج التونسي والجزائري والمغربي لا يجد مكانه ضمن البرمجة العامة على الفضائيات العربية والحكومية والخاصة، وهو أمر يجب أن يتجاوز الأسف الى العمل على انقاذ الموقف، وإلقاء السؤال: لماذا؟ حتى نعرف كيف نجد لنا مكانا تحت شمس الفضائيات العربية. وإحقاقا للحق أن تونس من خلال الندوات والملتقيات والمهرجانات تطرح هذا السؤال، والى حد الآن لا يوجد عمل تونسي واحد على أية محطة عربية أرضية أو فضائية. قبل أيام نظم المجلس الأعلى للاتصال في تونس يوما دراسيا حول هذا الموضوع مع سؤال: كيف النهوض بالانتاج التلفزيوني والسينمائي التونسي وترويجه؟ وقد حضر هذا اليوم الدراسي عدد من المسؤولين الكبار وعدد من المختصين وأصحاب الشركات وتم تداول المسألة بحرية كاملة. فهل سيكون لليوم الدراسي تأثير كبير على ترويج انتاجنا؟! إننا جميعا نحب أن نرى انتاجنا التونسي على المحطات العربية بكل أنواعها، ونحب أن نرى المنتجين والموزعين والمسؤولين العرب في المؤسسات الاذاعية والتلفزية يقبلون بحماس على انتاجنا في هذه السوق التي تنتظم داخل المهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون.