وكأن عام 2007 يرفض ان يرحل دون ان يسجل بين اوراق ايامه الاخيرة رحيل احد ابرز الوجوه السياسية النسائية في اسيا وفي العالم الاسلامي والتي طالما اثارت خصومها ومنافسيها كما انصارها ومؤيديها. واذا كان اسم بوتو قد ارتبط في بعض الاحيان بقضايا الرشاوي والفساد فقد ارتبط في احيان اكثر بالطموح والعناد اللذين تجاوزا كل حد كما ارتبط بالارادة السياسية وبكثير من الاحلام التي لم يكن من اليسير تحقيقها في ساحة تعج بالمتنافسين والاعداء السياسيين وغيرهم ولكنها وهذا مهم ايضا لم تكن لتخلو من التدخلات والضغوطات الخارجية الكثيرة التي باتت تريد من باكستان ان تتولى قيادة الحرب المعلنة على الارهاب وعلى التطرف في افغانستان المجاورة كما في المقاطعات الباكستانية المتاخمة لها الامر الذي كان له انعكاساته المتعددة على الساحة الباكستانية المتناحرة بدورها بين المؤيدين للعلاقات بين اسلام اباد وواشنطن وبين الشريحة الواسعة المعارضة لهذا التحالف المعادي لحركة طالبان التي لا تزال تحظى بدعم القبائل الباكستانية. لم تستمر عودة بوتو الى وطنها اكثر من شهرين تمكنت فيها من النجاة من المحاولة الاولى التي استهدفتها لتقع في المحاولة الثانية وقد فشلت بذلك بوتو في تقدير حجم الخطر الحقيقي واستقراء حقيقة الوضع الامني السائد في باكستان حيث ترجح مختلف التقارير ان فلول القاعدة باتت تتحصن به... وايا كان حجم الاخطاء المسجلة في مسيرة بوتو السياسية على مدى نحو ثلاثة عقود قضتها بين السجن الانفرادي بعد اعدام والدها ذو الفقار علي بوتو الذي استمدت منه مصداقيتها وبين السلطة والمنفى فانها ستبقى احدى اشهر القيادات السياسية النسائية التي اعلنت رفضها كل القيود والتقاليد التي اريد لها ان ترتبط باحكام الشريعة الاسلامية وقوانينها وتمردت على كل المحاولات لاقصائها وتغييبها عن الساحة السياسية وبعد غياب استمر سبع سنوات عادت لتجد الالاف من انصار حزبها في انتظارها... ولاشك انه من بين الصور النادرة التي ستحفظها الذاكرة لبوتو انها كانت اول زعيمة تتجرأ على زيارة البوسنة في ابشع مراحل الحرب الى جانب رئيسة الوزراء التركية السابقة تانسو تشيلر وتبعا لكل هذه الاعتبارات ولغيرها ايضا فقد كان على بوتو ان تدفع ثمن تطلعاتها وطموحاتها الواسعة من دمها وحياتها... ومع ان التحذيرات والمخاوف من امكانية تعرض رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة الى الاعتداء كانت رافقتها منذ الساعات الاولى التي سبقت عودتها الى اسلام اباد بعد سبع سنوات قضتها في المنفى ومع ان العمليات الانتحارية والتفجيرات التي تستهدف عناصر الجيش الباكستاني والسياسيين تكاد تكون من الاحداث اليومية في الساحة الباكستانية فان احتمال تعرض زعيمة المعارضة الباكستانية التي ارادت ان تكون مسيرتها مرتبطة بمسيرة والدها ذو الفقار علي بوتو فان الحقيقة ان احتمال تلك النهاية الدموية الماساوية لبي نظير بوتو لم يكن بالامر المتوقع او على الاقل بتلك السرعة. ولعل التحقيقات في الجريمة من شانها ان تكشف المزيد عن الطرف او الاطراف التي خططت ونفذت العملية لاسيما بعد الانباء عن خروج بوتو سليمة من الساحة حيث القت خطابها الانتخابي امام الالاف من انصارها وهو ما يرجح ان بوتو لم تتعرض للقتل في التفجير الانتحاري ولكن بعد استهدافها برصاص في الرقبة والصدر وهي تستعد للركوب في سيارتها ومغادرة المكان وهو ما يؤشر الى ان باكستان قد تكون مقبلة على مرحلة جديدة من الصراعات السياسية الانتقامية مع بدء العد التنازلي لموعد الانتخابات التشريعية في الاسبوع الاول من العام الجديد وذلك اذا لم يتم تاجيلها الى موعد لاحق .على ان الاكيد ان غياب بوتو على الساحة لن يجعل مهمة الرئيس مشرف خلال السنوات الخمس القادمة امرا ميسرا بل الارجح ان الدورة الرئاسية الجديدة لمشرف بعد ان نزع بدلته العسكرية ستكون مليئة بالتحديات والعراقيل التي قد تفرض عليه تقديم بعض التنازلات من اجل استرضاء خصومه ومحاولة التعايش معهم داخل نفس الساحة التي طالما ضاقت بالخصوم. وكما شكلت بوتو مصدر ازعاج وقلق لمشرف في حياتها وفي منفاها من خلال تصريحاتها وخروجها على راس اكبر المظاهرات الشعبية فانها ستبقى سببا لكثير من الانشغال بعد مماتها وكلما سارعت السلطات الباكستانية بكشف التحقيقات في عملية الاغتيال كلما كان افضل ذلك ان استمرار الغموض لا يمكن الا ان يزيد الوضع تعقيدا والدفع بالاحداث الى اسواء الاحتمالات. رغم الانفجار المروع الذي رافق عودة بوتو الى بلدها قبل شهرين والذي ادى الى مقتل نحو مائي شخص من انصارها فقد كانت بوتو تبدو او هذا على الاقل ماكانت تسعى لاظهاره للراي العام وللاعلام مصرة على البقاء ومواجهة كل التحديات الامنية والسياسية وغيرها التي ستواجهها في المرحلة القادمة استعدادا لموسم الانتخابات التشريعية بعد اسبوعين... ولاشك ان بوتو قد دفعت بذلك ثمن طموحاتها التي لم تكن تعترف بسقف محدد وربما كانت بوتو على دراية بحجم الخطر الحقيقي الذي يمكن ان تواجهه في بلدها حيث تسيطر العقلية القبلية المتشددة التي لا تزال المراة او الحرمة فيها اداة غير مؤهلة لتولي أي نوع من المسؤوليات ناهيك عن المسؤولية السياسية .لقد اعادت عملية اغتيال بوتو البشعة الى الاذهان الكثير من عمليات التصفية السياسية السابقة التي وان اختلفت في ملابساتها واطوارها فانها تبقى مشتبهة في اهدافها التي لا تخلو من دناءة سياسية لا حد لها وكما تستمر لعنة ال كينيدي في امريكا فان لعنة ال الجميل تستمر بدورها في لبنان وكما كان لاغتيال انديرا غاندي دوره في دفع افراد عائلتها للتداول على الساحة السياسية حتى بعد اغتيال ابنيها فقد يكون لاغتيال بوتو دوره في دفع احد ابنائها او زوجها لمواصلة مسيرة ال بوتو...