بقلم :الطيب الورايري لا يولد الناس غلاة وانما هي التنشئة والظروف الموضوعية. هذه فرضية لا يدحضها ما للعوامل الوراثية من تاثير في نحت شخصية الفرد وهو موضوع لا يعفى الباحث في المظاهر المجتمعية من مؤونة الانتباه اليه. تتفاعل النخب اليوم في تونس مع سلوك السلفية بالتشنيع والرثاء غالبا مكتفية في احسن الاحوال بالتعبير عن امانيها الطيبة وهو تفاعل لا يرقى الى درجة المسكن.ورغم ان كل المجتمعات تعرف اشكالا من الغلو في السلوكيات فان التعاطي معها يختلف باختلاف سلوك النخب. على ان الحكمة تقتضي ان تعالج الظاهرة بأسلوب له جدوى وفاعلية تحتمه المسؤولية المجتمعية. ولنتفق منذ البداية ان هذا الشاب السلفي يمكن ان يكون ابني او ابنك وانه على الاغلب لم يستشر عائلته قبل ان ينخرط في مجموعته بكل وجدانه وانه انتمى الى عائلة ارهقتها «جودة الحياة» الى حد نسيت فيه ان تقتطع وقتا تخصصه للابناء فتنصت اليهم وتقول لهم كلمة حب وان هذا حال جيل كامل عانى من النسيان ثم ان هذا الشاب انتمى الى مدرسة لم تسلحه الا بسلاح التلقين ينقله اليه مدرس تاهت به السبل الى حياة كريمة فعوض ذلك ب»البروموسبور» لعل الحظ يبتسم له فيكسب المال الذي به يحصل على اعتراف وتبجيل المجتمع. ويتحقق حلم الشاب وحلم عائلته فيدخل الجامعة محراب العلم مختارا او محتارا ولكن الحلم سرعان ما ينقلب كابوسا عندما يكتشف ان الافاق محدودة وان العاطلين من بين اصحاب الشهائد العليا اصبحوا جيشا كبيرا ثم يكتشف ايضا ان الجامعة ادركها الوهن وانها قد حجبت عن كل التصنيفات العلمية العالمية وان افضل مؤسسة جامعية في تونس تاتي في المرتبة المئة الرابعة بعد السبعة الاف جامعة من جملة عشرة الاف جامعة عالمية وان وزارة التعليم العالي تحث الاساتذة الجامعيين على القيام بواجبهم بواسطة المناشير التي تحدد لهم الحق في الساعات الاضافية او اي نشاط ربحي اخر كالترجمة والمحاضرات وان الجامعة وهي محراب العلم غير محصنة من الافات المستشرية في المجتمع من ذلك السرقات العلمية التي تتضمنها اطروحات الدكتوراه والتحرش الذي يمارسه بعض الجامعيين على طالباتهم. ثم ان هذا الشاب على اطلاع على ما الت اليه اوضاع المجتمع من تجهيل وفقر وانعدام افق وان الارقام التي طالما صمت الاذان مشكوك فيها فنسبة الفقر هي سبع وعشرون بالمئة وليست اربع بالمئة مثلما كانت تسجله الارقام الرسمية والبطالة في صفوف الشباب شارفت الثلاثين بالمئة وليست في حدود الثلاث عشرة بالمئة مثلما تعودوا على سماعه وان التنمية المستدامة كانت شعارا فضفاضا تمت ترجمته من الفرنسية ترجمة ركيكة لان اهم شرط في هذا المنوال هو تحقيق شروط العيش الكريم للاجيال القادمة وهو الشرط الذي رسبنا فيه لاننا استهلكنا الموارد بغير اقتصاد ودمرنا البيئة بكل صلافة وانانية. هذا فيض من غيض عن الغبن الذي لحق شبابا موعودا بالفشل الانسان المهدور على حد تعبير مصطفى حجازي. من هذا الشباب من وجد خلاصه في السلفية ومنه من جرفه الادمان او جذبه سراب ما وراء البحار ومنه من ترك الامور تسير الى نهاياتها فانضم الى الاغلبية الصامتة ولو الى حين. هذا هو الوجه الاخر للعملة التي يظهر فيها السلفي والذي لن تفيد شيطنته طالما لم ننظر في المراة وطالما لم نفعل الروافع التي يزخر بها المجمع من ميل الى التسامح واستعداد للتعايش الموسوم بالمكارمة بالتوازي مع اقامة دولة القانون التي طالما انتهكت. الا ان مايؤسف له ان نظل نلعن الظلام او وهذا الادهى ان نشطب بجرة قلم موضوع الهوية او ان نلعن السلف مثلما ما فعل الاستاد الطالبي الذي وصفه عبد المجيد الشرفي بغريق الشيخوخة ردا على نعت الطالبي له ولجامعييى اخرين اشتغلوا على موضوع الحضارة نعتهم بالانسلاخاسلاميين في كتابه» ليطمئن قلبي». الاستاذ الطالبي اعتبر في حديث اذاعي ان عمر ابن الخطاب هو اول من اسس للفساد وان عثمان ابن عفان دعم ذلك الفساد ولا اعتقد ان الاستاذ الطالبي يرغب في ان يؤسس للحوار مع الشباب السلفي رغم انه اشتغل كثيرا على الحوار مع الديانات الاخرى ولكن لنا ان نساله كيف قامت الحضارة الاسلامية التي لا زالت الى الان بحسب صامويل هنتنقتن صاحب كتاب «صدام الحضارات» الحضارة المهددة للحضارة الغربية الى جانب الحضارة الاسيوية كيف قامت هذه الحضارة اذا كان روادها هم من اسس للفساد? واذا غابت الحكمة عن الشيوخ فكيف سننمي قيم الاعتدال لدى شباب فقدنا حياله كل شروط السلطة الادبية.