الفرزدق - لمن لايعلم - هو شاعر من العصر الأموي، واسمه همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي... سمي بالفرزدق لضخامة وتجهم وجهه. وكلمة "فرزدق" تعني رغيف الخبز وواحدتها - كما تقول معاجم اللغة - "فرزدقة".. استحضرت اسم وسيرة هذا الشاعر العربي وأنا أتابع على مدى الأسابيع الأخيرة مواقف وردود أفعال تلك الأحزاب والأطراف السياسية الوطنية التي وجدت نفسها - بفعل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي - ضمن تركيبة هذا المجلس ولكن وفي نفس الوقت على هامشه... أي تلك الأقلية النيابية - عدديا - التي أصبحت تمثل المعارضة داخله... ذكرني بعض نواب هذه المعارضة بالفرزدق لأن بينهم وبينه - بالفعل - أكثر من وجه شبه... لا فقط خلقيا ( بفتح الخاء وسكون اللام ) من حيث ضخامة الجثة وتجهم الوجه - كما تشير الى ذلك كنيته - وانما خاصة من حيث الأداء والأسلوب والمواقف من "الأحداث" والمستجدات... فاذا كان معروفا - مثلا - عن الفرزدق أنه شاعر هجاء وفخر ومدح وأنه لا يصدر في شعره الا عن هذا الثالوث... فهو اما مادح نفسه و"حلفاءه" أو هاج خصومه "الايديولوجيين" و"طروحاتهم" - سواء كانوا شعراء أو أمراء - ... فان بعض نواب المعارضة داخل المجلس الوطني التأسيسي يمكن أن يقال عنهم أيضا وبهذا المعنى تحديدا أنهم "فرزدقيون" بامتياز على اعتبار أنهم باتوا لا يصدرون بدورهم في مواقفهم من خصومهم وبرامج خصومهم السياسية الا عن ثالوث الهجاء والتشكيك والتشويه... فالذي يستمع الى خطابهم السياسي هذه الأيام سواء داخل المجلس الوطني التأسيسي أو عبر وسائل الاعلام وهم يدقون نواقيس الخطر ويحذرون من الأخطار التي باتت - في رأيهم - محدقة بالمكاسب الحضارية والمدنية للمجتمع التونسي من حقوق انسان وحريات فردية وعامة وغيرها بعد أن "استتب" الأمر لصالح ائتلاف الأغلبية داخل المجلس الوطني التأسيسي يخيل اليه أن هذا الائتلاف متكون من أحزاب اما فاشية أو نازية عنصرية في حين أن ثلاثتها أحزاب مدنية ذات توجهات ليبرالية وقادتها هم من رموز النضال من أجل الحريات والحقوق المدنية في التاريخ التونسي الحديث ... هذا الأسلوب "الفرزدقي" الذي تعتمده المعارضة هذه الأيام في تعاطيها سياسيا واعلاميا مع ما أفرزته صناديق الاقتراع من نتائج وفي موقفها من خصومها الايديولوجيين هو الذي جعلها تبدو - لا فقط في رأي الائتلاف الحاكم - بل وأيضا في رأي أغلب المتابعين وكأنها لا تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية أو أنها تريد أن تفرض ديكتاتورية الأقلية بل وربما هي تعمل على ارباك أو شل عملية الانتقال الديمقراطي ... بل قل هي تحولت - في رأي البعض - الى جزء من المشكل ... ولذلك - ربما - دعاها رئيس الجمهورية الدكتور المنصف المرزوقي الى أن تكون جزءا من الحل وأن تمارس دورها الرقابي وأن تقدم بدائلها بعيدا عن خطابات التخويف والتشكيك والتهويل... على أن الذي جعلني أستحضر بأكثر الحاح هذه الأيام اسم وسيرة الفرزدق هو ما سمعته أمس الأول من السيد أحمد ابراهيم الأمين العام لحركة التجديد الذي ينتمي الى كتلة المعارضة داخل المجلس الوطني التأسيسي حيث قال وهو يرد عن سؤال توجه به اليه الزميل سفيان بن حميدة في قناة "نسمة" حول ما اذا كانت المعارضة ستعمل على توسيع دائرة "نشاطها" مستقبلا في مواجهة الواقع السياسي المستجد... قال:"بالفعل ستكون هناك خطة لتحريض وتحفيز كل الأطراف الديمقراطية من شخصيات أكاديمية ونشطاء حقوقيين وجمعيات المجتمع المدني من أجل أن يكونوا بالمرصاد لأي توجهات مضادة للحقوق وللحريات أو لأي بوادر انحراف عن أهداف الثورة قد تصدر عن "الفريق الحاكم" (يقصد تحالف "النهضة" و"المؤتمر" و"التكتل")... نبرته التهديدية الحادة وهو يقول هذا الكلام ذكرتني بحادثة الشاعر الفرزدق مع صديقه "اللدود" الشاعر جرير عندما جعل الفرزدق يروج في المجالس أنه عازم على قتل رجل اسمه "مربع"... وعندما بلغ الأمر الى الشاعر جرير أنشد يقول ساخرا من صديقه الفرزدق: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا فابشر بطول سلامة يا مربع