ربما لا نذيع سرا إذا قلنا أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد لم يوقع «بروتوكول» الجامعة العربية إلا بعد أن تمكن من كسب أقصى قدر ممكن من الوقت، ارتكب خلاله مجازر مروعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ناهيك أن الإتفاقية الممضاة في حد ذاتها لا تخدم مصلحة شعب منتفض أعزل ضحى بأرواح الآلاف من أبنائه شبانا وكهولا وأطفالا، قربانا للحرية والإنعتاق، بقدر ما تصب في مصلحة نظام فقد شرعيته داخليا وخارجيا. الإتفاقية المقترحة من قبل الجامعة العربية تقضي بالأساس بسحب النظام السوري قواته ومدرعاته من الشوارع في أسرع وقت ممكن والدخول مباشرة في حوار مع مختلف أطياف المعارضة. بيد أنه مع التطورات الحالية للأحداث لم يعد يصح الحديث في سوريا، عن ثورة شعبية سلمية بعدما اتخذت الأحداث منعرجا خطيرا بدخولها في الفترة الأخيرة مرحلة المواجهات المسلحة بين قوات النظام وعناصر «الجيش الحر»، في ظل تواصل نزيف الإنشقاقات الذي عصف بالمنظومة الأمنية لهذا النظام، وهو مسار يذكر تماما بما حدث في ليبيا قبيل الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي حيث انقلبت المسيرات السلمية المطالبة بإسقاط النظام إلى مواجهات مسلحة بين طرفين يعمل كل طرف منهما على فرض سيطرته وافتكاك شرعيته بالقوة. ولعل العامل الانف ذكره هو الأبرز في خدمة قوات النظام السوري من أجل مواصلة عملياته القمعية الشرسة حتى بعد وصول بعثة مراقبي الجامعة الى دمشق، لأن النظام سيبرر هذه الأفعال بتعلة التصدي إلى المجموعات الإرهابية المسلحة التي تستهدف أمن واستقرار البلاد لتنقلب موازين القوى والشرعية وتصبح في صالح نظام بشار الأسد الذي سيتموقع مكان الضحية المدافع على أمنه واستقراره أمام المخططات الخارجية التي تهدف إلى هز أستقرار المنطقة بأكملها. إن اتفاقية الجامعة العربية المبرمة من طرف دمشق باتت نافذة المفعول حتى قبل دخولها حيز التنفيذ، وهو الدافع الأساسي الذي جعل بشار الأسد يوقع على البروتوكول في الوقت الحاسم. كما أن مسار الأحداث في هذه الفرضية سيتجه نحو تدويل الأزمة السورية في ظل عجز الجامعة العربية فك رموز المعادلة والوقف الفوري للالة العسكرية التي أودت بحياة الألاف من الضحايا كأولوية ملحة، لتجد نفسها مجبرة على احالة الملف إلى مجلس الأمن، مما سيؤدي إلى مزيد تعكر الأوضاع، نظرا للموقع الجغرافي الذي تحتله دمشق في الشرق الأوسط وموقف الدول المجاورة والحليفة للنظام الرافضة تماما للتدخل الأجنبي في المنطقة، والمستعدة حتى للجوء إلى القوة في صورة استصدار قانون من مجلس الأمن يشرع التدخل الدولي في دمشق مما يؤدي إلى تفجير المنطقة برمتها.