عبّر المخرج الشاب محمد الحمّامي عن استيائه الشديد من الوضع المتردي للسينمائي التونسي الشاب بسبب غياب أفق مشجع وسياسة تعاط واضحة مع هذه الفئة من حاملي الشهائد المختصة في السينما والسمعي البصري لا سيما في ظل ما شهدته الساحة الثقافية في بلادنا من ظواهر وممارسات كان هدفها مثلما أفاد بذلك محدثنا هو تعكير مناخ العمل في الوسط الثقافي وإجهاض كل بوادر الحرية التي رنا إليها أهل القطاع بعد أن خال الجميع أنهم تحرروا من سلطة وقمع وجور نظام ديكتاتوري فضلا عن تواصل بعض الممارسات المغيبة والمهمشة للمبادرات الشبابية مقابل تكريس سياسة المحاباة حسب وصفه والدعم لبعض الأسماء المعهودة دون غيرها. ودعا محمد الحمّامي الذي انتهى مؤخرا من إنجاز أوّل فيلم روائي طويل في مسيرته عنوانه "خفايا البحر"، سلطة الإشراف إلى ضرورة إيجاد سياسة عملية تشجع على الإنتاج الثقافي عامة والسينمائي والسمعي البصري خاصة على نحو يفتح المجال لتجارب وكفاءات من الأجيال الجديدة لتقدم أعمال ورؤى حسب ما أكده هذا المخرج تكون مختلفة عن نمطية الطرح والصورة في الأفلام والمسلسلات التونسية التي ألفها المتلقي حيث يقول في ذات الإطار: "أعتقد أن الحلول موجودة للقضاء على نسبة كبيرة من البطالة في صفوف خريجي المدارس والمعاهد العليا من مختلف الاختصاصات في السينما والسمعي البصري والمجالات ذات العلاقة بالميدان إذ يكفي فتح المجال أمام المواهب والتجارب الشابة بتمكينها من الدعم والتأطير الكافيين والمسؤولية ليست موكولة حسب رأيه إلى وزارة الثقافة فحسب إنما اعتبرها أيضا مسؤولية بقية الوزارات خاصة من خلال دعم الأفلام والأعمال التي تعالج وتطرح مسائل ذات علاقة بكل هيكل".
مغامرة متميزة
ولعلّ تواتر المصاعب مقابل إصرار هذا المخرج على أن يرى فيلمه "خفايا البحر" النور دفعه لبحث طرق التوصل إلى ذلك بعد أن وجد الحل في تكفل المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة بانجاز هذا الفيلم الذي يقوم بأدوار البطولة فيه كل من مريم بن مامي ومراد كرّوت ونجم ستار أكاديمي عماد الجلولي ونزار غويلة وغيرهم من الوجوه الأخرى من ممثلين من مختلف الأجيال. يطرح الفيلم ويعالج قضايا من واقع الجامعة التونسية وتتعلّق تحديدا بطلبة الفنون الجميلة وما يعيشونه من اغتراب في المكان والمبادئ أحيانا فضلا عن المعاناة المادية والضغوط الاجتماعية بالنسبة للطالب القادم من جهات داخلية إلى فضاء جامعي بجوهرة الساحل على ضفاف البحر إضافة إلى معاناة العائلة المادية وغيرها من المسائل الأخرى التي يعالجها الفيلم في طرح فني لا يخلو من جمالية. وما يميز هذا الفيلم أيضا هو مشاركة طلبة المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة في تجسيد أطواره من ناحية وتوفير وتهيئة ظروف التصوير والديكور والتنقل من ناحية أخرى إيمانا منهم بأن هذه القضايا والمسائل المطروحة والمتعلقة بغلاء تكلفة الدراسة إلى حد يدفع البعض إما للعزوف عن مواصلة التعليم أو الهروب إلى واقع ماجن أو متدين وغيرها من السلوكات الأخرى التي تقدم طرحا يغوص في حياة هذه الفئة من الطلبة للكشف عن خفاياها بطريقة لا تخلو من الإثارة التشويق والطرافة. واعتبر محمد الحمامي هذا الفيلم مغامرة مختلفة عن كل المغامرات الحياتية خاصة أنه الفيلم الثالث في رصيده بعد شريط وثائقي أول "لمسة" وفيلم قصير "حياة" نظرا للظروف الصعبة التي أنجزه فيها والمتمثلة في عدم توفر التمويل المادي اللازم في ظل غياب شركة إنتاج للفيلم. واعتبر انجازه تحديا من كامل فريق العمل وطلبة المهد المذكور. وأوضح أنه مثلما نجح في إنجاز هذا الفيلم فإنه حريص على الترويج له من خلال عرضه في مهرجان المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة في شهر مارس القادم في إطار مهرجان "جكتاف" فضلا عن المشاركة في تظاهرات سينمائية وثقافية وطنية وجهوية. من جهة أخرى طالب محمد الحمامي سلطة الإشراف بايلاء لفتة للأنشطة والكفاءات داخل الجهات بتشجيعها وتوفير الدعم الكافي لها في إطار لامركزية الأنشطة الثقافية. كما دعا وزارة الثقافة إلى إلزام كبار المخرجين والمنتجين السينمائيين في تونس والذين يعتبرهم محدثنا مدارس على غرار النوري بوزيد وسلمى بكار ورضا الباهي وغيرهم بضرورة تشريك الشبان في أعمالهم التي يحصلون فيها على دعم.