جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    مقتل شخص وإصابة 3 آخرين في إطلاق نار بحفل في نيويورك الأمريكية    تونس تشارك في المعرض الدولي 55 بالجزائر (FIA)    سعيد يشدد على ضرورة وقوف العالم الإسلامي صفا واحدا نصرة لفلسطين    برنامج تعاون مع "الفاو"    استرجاع مركب شبابي بعد اقتحامه والتحوّز عليه    مع الشروق .. خدعة صفقة تحرير الرهائن    الاعتداء على عضو مجلس محلي    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    بنزرت الجنوبية.. وفاة إمرأة وإصابة 3 آخرين في حادث مرور    تدشين أول مخبر تحاليل للأغذية و المنتجات الفلاحية بالشمال الغربي    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    تونس العاصمة : الإحتفاظ بعنصر إجرامي وحجز آلات إلكترونية محل سرقة    انعقاد ندوة المديرين الجهويين للنقل    بداية من الثلاثاء المقبل: تقلبات جوية وانخفاض في درجات الحرارة    وفاة 14 شخصا جرّاء فيضانات في أندونيسيا    غدا الأحد.. الدخول إلى كل المتاحف والمعالم الأثرية مجانا    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    عاجل/ أحدهم ينتحل صفة أمني: الاحتفاظ ب4 من أخطر العناصر الاجرامية    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    إنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم: لجنة الاستئناف تسقط قائمتي التلمساني وبن تقية    قاضي يُحيل كل أعضاء مجلس التربية على التحقيق وجامعة الثانوي تحتج    الرابطة الأولى: برنامج النقل التلفزي لمواجهات نهاية الأسبوع    نابل: انتشار سوس النخيل.. عضو المجلس المحلي للتنمية يحذر    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    بطولة الكرة الطائرة: الترجي الرياضي يواجه اليوم النجم الساحلي    عاجل/ تلميذة تعتدي على أستاذها بشفرة حلاقة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    الثنائية البرلمانية.. بين تنازع السلطات وغياب قانون    القصرين: حجز بضاعة محلّ سرقة من داخل مؤسسة صناعية    هام/ التعليم الأساسي: موعد صرف مستحقات آخر دفعة من حاملي الإجازة    القبض على امرأة محكومة بالسجن 295 عاما!!    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    التوقعات الجوية لليوم    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    بطولة القسم الوطني "أ" للكرة الطائرة(السوبر بلاي اوف - الجولة3) : اعادة مباراة الترجي الرياضي والنجم الساحلي غدا السبت    الرابطة 1- تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    فيلا وزير هتلر لمن يريد تملكها مجانا    إنه زمن الإثارة والبُوزْ ليتحولّ النكرة إلى نجم …عدنان الشواشي    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    قرعة كأس تونس 2024.    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدعو إلى بعث هيكل يحتضن التفكير الاستراتيجي حول علاقة الدولة بالإعلام
الأستاذ عبد الكريم الحيزاوي ل «الصباح»
نشر في الصباح يوم 30 - 12 - 2011

تملّك أحد الخواص لكامل رأس مال قناة تلفزية أو إذاعية وضعية شاذة يجب أن تزول للنظام البائد مسؤولية كبيرة في تراجع قراءة الصحف الجدية نشرنا مؤخرا سلسلة من المقالات حاولنا فيها تشخيص الآفات التي نخرت جسم الإعلام خلال العهد «البنعلي» وذكرنا ان سياسة العهد البائد ارتكزت على عدد من المحاور لشل الإعلام ومنعه من أداء دوره:
غلق مصادر الخبر في وجه الصحفيين ووسائل الإعلام إغلاقا مطلقا.
تركيز منظومة وكالة الاتصال الخارجي لشراء ذمم مديري الصحف ووسائل الإعلام في الداخل (والخارج ايضا.)
حكر رخص اصدار الجرائد وبعث وسائل الإعلام السمعية والبصرية على المرضي عليهم والمقربين وعلى عدد من مخبري البوليس السياسي.
دس الجواسيس والعيون في وسائل الإعلام لفرز المناوئين للنظام وإبعادهم
بعث عدد هام من الصحف والمجلات تمولها الدولة أساسا عن طريق الاشهار العمومي والمساعدات المختلفة (كالاشتراكات) للايهام خارجيا بانتعاش الإعلام في بلادنا بينما هي في واقع الأمر مكاتب مخابرات للتجسس على المجتمع المدني واحزاب المعارضة والبعثات الديبلوماسية
الاستيلاء على جمعية الصحفيين ثم نقابتهم وتدجينها.
واثر استعراض هذه المعوقات التي أضرت بالإعلام كثيرا، طرحنا جملة من الحلول ولاثراء النقاش كان لنا هذا الحديث مع السيد عبد الكريم الحيزاوي الاستاذ المحاضر بمعهد الصحافة والمدير العام الحالي للمركز الافريقي لتدريب الصحفيين والاتصاليين.

حوار: جمال الدين بوريقة
صرح الوزير الأول السيد حمادي الجبالي مؤخرا أن الإعلام العمومي مازال لم يدرك بعد انه لابد له من التعامل مع نتائج الانتخابات، هل تشاطرونه نفس التقييم؟

بالنسبة إلى السيد الوزير الأول وحسب تصوره وهذا أمر خطير فإنه على الإعلام بصفة عامة والإعلام العمومي بصفة خاصة أن يكيف نظرته ومضامينه وتوجهاته حسب نتائج الانتخابات، وهذا من وجهة نظري خطأ فادح فالإعلام يكيف أداءه حسب مقتضيات القواعد المهنية والأخلاقية وهو ليس مطالبا بأن يكيفها حسب نتائج الانتخابات فهل أن عليه حسب التصور المذكور ان يعمل بمبدإ «الله ينصر من صبح» ومثل هذا الكلام مرفوض وحتى وإن قيل في لحظة انفعال وتعبيرا عن عدم الرضى على مقال معين أو برنامج معين فحمادي الجبالي أصبح اليوم رئيس حكومة وعليه توضيح علاقة الدولة بالإعلام بصفة عامة وعلاقتها بالإعلام العمومي بصفة خاصة.

علاقة يجب أن تتحدد

السؤال المطروح والذي لم يجد جوابه الى اليوم وقد يكون مرد ذلك إلى المرحلة الانتقالية التي نعيشها هي علاقة الدولة بالإعلام فمن الأساسي توضيح هذه المسألة
ففي عهد حكومة الباجي قايد السبسي تم انشاء الهيئة العليا المستقلة لاصلاح الإعلام والاتصال وهي هيئة استشارية وقد قامت بدورها وتولت لمّ شمل الإعلاميين والاتصاليين واحتضنت النقاش حول واقع ومستقبل الإعلام وقامت بتشخيص وهي الآن بصدد انهاء تقريرها ومن الأكيد انه سيتضمن توصيات (تجدر الملاحظة ان حملة من التوصيات العاجلة صدرت يوم أول أمس)
كما تم في نفس الوقت سن قانون الصحافة وقانون الإعلام السمعي والبصري الذين جاءا لتجاوز قانون 1975 ولقطع الطريق امام تحكم الدولة في الإعلام ورقابتها عليه وقد سدت بذلك ثغرة كبيرة في ميدان السمعي والبصري وخاصة على مستوى القنوات الخاصة نظرا لأنه لم يكن هناك بالنسبة لها أي قانون توجيهي يؤطرها.
اليوم ليس هناك طبعا من يرغب او يطالب بإنشاء وزارة للإعلام تتولى الرقابة على وسائل الإعلام فهذا الأمر اصبح من الماضي وهو من الذكريات البغيضة لبن علي وحتى ولو كانت هناك أطراف قد يراودها الحنين لإرجاعها او بعث هيكل شبيه بها، فإن الأمر سيلقى مقاومة شديدة ولن يرى النور فهناك اليوم مجتمع مدني ونقابات قوية فقد انتهت الى غير رجعة العلاقة السلطوية.
ولكن السؤال المشروع حاليا: هل أن الدولة ستتخلى كليا عن مسؤوليتها إزاء الإعلام، وتعتبره نشاطا اقتصاديا كغيره من الانشطة التجارية أم انها ستتحمل مسؤوليتها في إصلاح الإعلام والنهوض به لأن الإعلام لا يمكن اصلاحه دون ارادة سياسية قوية تعبر عليها الحكومة، فالإعلام ليس نشاطا عاديا وخدمة من الخدمات لا غير يمكن أن نتركه لقوانين السوق تسيره كما تشاء، بيعا وشراء واعلانا وتوزيعا. فلا يخفى على أحد أن هذا المعطى موجود وان الإعلام هو صناعة ولكنه في نفس الوقت وقبل كل شيء يقدم خدمة عامة على غرار ما تقدمه الدولة في مجال الثقافة والتعليم وغير ذلك من المجالات.

هياكل متابعة ومساعدة

وهذه الخدمة العامة حتى ولئن كانت تقدمها مؤسسات خاصة فهي تبقى خدمة عامة إلى جانب المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة فحاليا هناك فراغ حتى قياسا مع الدول الديمقراطية العريقة، إذ يعتبر الإعلام والاتصال مجالا من المجالات التي يتوجب على الدولة الاعتناء به ومساعدته وذلك عبر احداث هياكل متابعة ومساعدة وليست هياكل مراقبة واضافة الى ذلك فإن التشريعات والقوانين الأساسية لمؤسسات الإعلام في الديمقراطيات سواء كانت عامة او خاصة تضمن استقلالية وسائل الإعلام ولذلك فإنه يتوجب حاليا مراجعة القوانين الأساسية للإذاعة والتلفزيون بما فيها القنوات الخاصة في اتجاه ضمان استقلاليتها لا ازاء الدولة فحسب ولكن ازاء أي طرف قد يرغب في توظيف قناة خاصة او توجيهها الوجهة التي يريد ففي فرنسا مثلا ليس لأي شخص الحق في أن يمتلك أكثر من 49 بالمائة من اسهم قناة من القنوات الاذاعية او التلفزية لأنه بتجاوزه لهذه النسبة يصبح بإمكانه التحكم فيها وتوجيهها الوجهة التي يريد.

وضع شاذ موروث

بينما نحن في تونس لنا حاليا قنوات إذاعية وتلفزية خاصة تجد الواحدة مملوكة بنسبة مائة في المائة لشخص واحد، يعتبرها ملكه الخاص ومزرعته يفعل بها، وفيها ايضا ما يريد وهو وضع شاذ لأن المؤسسة الإعلامية ليست مؤسسة تجارية عادية.
الأمر الآخر الذي أريد الإلحاح عليه على مستوى المجالس الإدارية في صلب مؤسسات الإعلام العمومي انه لابد من تأمين استقلالية تسييرها فمن ثغرات مرسوم 2 نوفمبر 2011 المتعلق بالإعلام السمعي البصري أي أن الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري الهيئة التعديلية ليس لها أي دور فعلي حقيقي في التسميات على رأس المؤسسات العمومية بل تقع استشارتها لا غير في ما يتعلق بتسميات مديري الإعلام العمومي وهي ثغرة هامة فانا لا أطالب بأن يوكل إليها دور التسميات والتعيينات بل على الأقل أن تكلف بعملية الترشيح لهذه المناصب وهو ما يمثل ضمانات إضافية للاستقلالية.
وهذه الثغرة لابد من تلافيها سريعا خصوصا اذا تم تثبيت الهيئة فدورها حاليا يتلخص في توزيع الذبذبات وتراخيص الإذاعات الجديدة ولا اعتقد أن هناك إمكانية لبعث إذاعات جديدة بعد ان تم توزيع معظم الذبذبات على 12 إذاعة.
وتبعا لذلك فإن دور هذه الهيئة التي تضم تسعة أعضاء لابد من تفعيله وذلك بمشاركتها في التسميات وعلى الأقل تسميات مديري مؤسسات الإعلام العمومي وبالأساس مديري الإذاعات والتلفزات.

وماذا بالنسبة للمؤسسات العمومية للصحافة المكتوبة؟

بالنسبة إلى المؤسسات العمومية للصحافة المكتوبة فبما أن لها مجالس إدارة فأرى أنه يجب أن تتمتع في هذا المجال باستقلالية أكبر بحيث تعود إلى مجلس الإدارة مهمة الترشيح. إذ أن الدولة حاليا هي التي تتولى دون الرجوع إلى مجلس الادارة تعيين ممثل الدولة في مجلس ادارات مؤسسات الإعلام الحكومية كالصباح ولابريس ووكالة تونس افريقيا للأنباء. وهذه التسميات المسقطة بطريقة أحادية لم تعد حسب رأيي تنسجم مع متطلبات الواقع ولا تخضع حتى لمتطلبات النجاعة الاقتصادية.
فلو كانت مثل هذه المؤسسات تحاسب مثلا بالنتائج فإن طبيعة العلاقة نفسها مع الدولة ستتغير فعلا.
فأنا أرى أنه من الممكن في هذا المجال اقتراح نوع من «العقد البرنامج» Contrat programme بين كل مؤسسة والدولة يتضمن واقع المؤسسة عند تسلم المسؤولية وبرنامج تطويرها ويضبط بدقة واجبات الطرفين وما هو مطلوب من الدولة توفيره لانجاح البرنامج المتعاقد عليه وتتم كل ثلاث سنوات عملية المحاسبة وبذلك يقع وضع حد للوضع القديم الذي يجعل من مؤسسات القطاع العمومي يوميا عرضة للهرسلة والتعليمات والمراقبة والتوصيات والملاحظات والانتقادات.

هل ترون أنه من واجب الدولة في الظرف الحالي على الأقل تقديم دعم مادي للنهوض بالصحافة؟

إن الواقع الجديد الحالي المتميز بظهور إذاعات وصحف جديدة يفرض أيضا ايجاد صيغة لشد أزر هذه المؤسسات فالمؤسسات العريقة نفسها تجدها اليوم تعاني صعوبات جمة ولا تنجح في المحافظة على توازنها المالي بفعل الركود الاقتصادي وقلة الاعلانات حكومية وخاصة وتراجع عدد القراء.
ولذلك فإنه لا يجب على الدولة ان تتخلى على دورها في دعم الصحافة المكتوبة بالخصوص.

«ورثة قديمة»

نعم إن الانغلاق الإعلامي خلال العهد البائد ومحاصرة حرية الصحافة انجر عنهما فعلا تناقص عدد القراء على مر السنوات فنسبة القراءة هي بطبعها ضعيفة في بلادنا وإذا أضفنا الى ذلك الانغلاق الإعلامي، فإننا نجد التأثيرات السلبية لتلك الحقبة كبيرة جدا إذ أن المواطن لم يكن يجد في محتوى الصحف المكتوبة ضالته.
ونظرا لأن القراءة عادة وبما أن الجرائد التونسية وخصوصا تلك الجدية وذات المصداقية أصبحت لا تلبي رغبات واحتياجات قارئها وعلى امتداد فترة طويلة تواصلت سنوات فإن القارئ غيرّ بحكم التكنولوجيات الجديدة وجهته نحو الأنترنات والصحف الأجنبية.
واليوم، فمن أجل تلافي الأمر ولو بعض الشيء وتحقيق مصالحة وسائل الإعلام المكتوبة مع الجمهور العريض وخصوصا الشبان لابد مثلا على مستوى المدارس إرساء ما يمكن ان نسميه تربية إعلامية.
فنسبة لقراءة الصحف، تعتبر اليوم في العالم أحد مؤشرات التنمية فمن معايير قياس تطور المجتمعات اليوم نجد نسبة قراءة الصحف.

هل لكم مقترحات لتلافي الفراغ الموجود وما أسميتموه وضعيات شاذة؟

ليس هناك على المستوى الحكومي في الوقت الحاضر هيكل يمكن ان يحتضن التفكير الاستراتيجي حول علاقة الدولة بالإعلام وحول دور الدولة في النهوض بالإعلام وتحديد مسؤوليتها في مساعدته وأوجهها.
فمن واقعنا كمهتمين بحاضر ومستقبل الإعلام ندعو الى فتح حوار في اقرب الأوقات لتدارك هذا الوضع وتوفير مجالات للتفكير والاقتراح ومن جهة أخرى ندعو الوزارة الأولى الى إرساء خلية تتابع المشاكل العالقة وخصوصا الآنية والعاجلة لقطاع الإعلام اذ لا يجب ان يغيب عنها ان هناك اليوم عديد المؤسسات الإعلامية تحت اشرافها (مؤسستا الإذاعة والتلفزة، المركز الافريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين ومركز التوثيق الوطني، اذاعة شمس آف. آم جريدتا الصباح والصحافة الخ...).
وذلك ليس اطلاقا بهدف المراقبة بل للمتابعة والإحاطة حتى يمكن التدخل بسرعة عند حدوث مشاكل تتطلب حينية المعالجة وحتى لا نعيش مجددا ما عرفته إذاعة الزيتونة لما عينت الدولة على رأسها الدكتورة إقبال الغربي فيتم منع هذه الأخيرة من مباشرة مهامها فتعجز الدولة عن تفعيل هذا التعيين، رغم أن الأطراف التي منعت المديرة من عملها، ليس لها أية صفة مما من شأنه أن يلحق ضررا بهيبة الدولة.
ولمواجهة الحالة المذكورة، وتلافي أخرى قد تحدث مستقبلا، لا بد من إيجاد الآلية المناسبة لضمان هيبة الدولة بطريقة ايجابية.

ما هي الأطراف التي تقترحون مشاركتها في هذا الهيكل؟

لا بد من الإلحاح كثيرا على هذه النقطة في الاتجاه الصحيح، ففي ظل تواصل غياب هيكل أو آلية في هذا المجال، فإنه من غير المستبعد أو ترتفع قريبا أصوات تطالب الحكومة والوزارة الأولى بإرساء رقابة على الاعلام، وهذا أمر مرفوض طبعا، فالظرف حاليا مناسب للتفكير في هذا الموضوع، لأن الإعلام لا يعرف حاليا مشاكل كبرى يمكن أن توصف بالأزمة، فهو رغم كل شيء متنوع، مرة مع »النهضة« ومرة ضدها، ومرة مع المعارضة ومرة ضدها، وإن إلقاء نظرة على جريدة »الصباح« نفسها يبين تنوعا في الاتجاهات والمواقف والآراء.

درجة توتر عادية

ولذلك فإنه لا يجب انتظار أزمة ما، كأن تعود مثلا الصحافة في عمومها الى عادات الماضي وأن تسير في ركب الحكومة، خوفا أو تزلفا، أو أن يحدث العكس وتدفع الحرية الجديدة الجميع الى انتقاد الحكومة والسير في ركاب المعارضة، مما من شأنه أن يخلق وضعية شاذة تقوم على توجيه الرأي العام وجهة أحادية.
فلا يجب انتظار مثل هذه الأزمة أو غيرها للتدخل، بل إن المرحلة الانتقالية الحالية تمثل ظرفا مناسبا لذلك، لأن درجة التوتر الحالية بين مختلف الأطراف، حكومة ووسائل اعلام، هي حسب تقديري عادية جدا وبالأحرى ضئيلة.
ولا يجب أيضا أن ننتظر وهذا أمر لا يمكن استبعاده أن تتوتر العلاقة في يوم ما أكثر، حتى نفكر في الأمر تحت ضغط الاحداث، وأن نضطر آنذاك بحكم ضيق الوقت الى البحث عن حلول تلفيقية سريعة، لا تتوفر فيها الرؤية الاستشرافية وبُعد النظر.

في فرنسا مثلا نجد أنه بالنسبة للقنوات الاذاعية والتلفزية هناك هيكل معني بمتابعتها والاحاطة بها وهو المجلس الأعلى للقنوات الاذاعية والتلفزية (Le Conseil supérieur de lAudio-visuel) بينما لا يتوفر مثل هذا الهيكل في بلادنا الآن؟

إن هذا الهيكل يمكن اعتباره موجودا في بلادنا، فقد تم اقراره قانونيا، إلا أنه لم يدخل بعد حيز العمل، والمسألة هي مسألة وقت لا غير.

وبالنسبة لوسائل الاعلام المكتوبة؟

في فرنسا هناك وزارة للثقافة والاتصال يشرف عليها حاليا فريديك ميتران، فالاتصال ليس مُغيّبا تماما من مشاغل الحكومة، فهذه الوزارة تدعم وتؤطر وتأخذ بيد الثقافة، وفي نفس الوقت تهتم بالإعلام، كما نجد ضمن مصالح الوزارة الأولى في فرنسا مصلحة اسمها service d'informations générales وظيفتها الاشراف على استطلاعات الرأي العام، بينما نجدها لدينا تحت مسؤولية مكاتب دراسات خاصة، أي أنها مؤسسات تجارية لا غير، لا تخضع لضوابط حقيقية، وهو وضع غير مقبول، فلا بد للدولة أن تتدخل في هذا المجال أيضا لضبط مواصفات معينة ووضع كراس شروط، لأن الأمر يتعلق هنا بنشاط له صبغة المصلحة العامة، والقضايا التي تخوض فيها هي قضايا مصيرية، اما وظيفتها الثانية متابعة اليوميات ومضامينها وتسلم تقارير للنواب وأعضاء الحكومة، كما أن لها وظيفة ثالثة وهي العلاقات مع الصحافيين، فهي المخولة لمد الصحفيين بمعلومات حول نشاط أعضاء الحكومة والنواب، فعمل الحكومة ضخم جدا، وتوحيد المصدر من شأنه أن يسهل كثيرا عمل الصحفيين، فبفضل هذه المعلومات يمكن لأية وسيلة اعلام أن تعرف نشاط جميع أعضاء الحكومة والمواضيع المطروحة للمناقشة أمام مجلس النواب قبل أسبوعين، وهو ما يسمح لوسائل الاعلام بالبرمجة والتخطيط المسبق.
ولا يتوقف نشاط هذه المصلحة عند هذا الحد، بل هي تقدم أيضا مساعدة فنية للمؤسسات العمومية المختلفة الراغبة في القيام بحملات اتصالية، وإذا حوصلنا كل هذه الهياكل:
مصلحة الاعلام العام (SIG) التابعة للوزارة الأولى ولها وظائف اعلامية، ثم مصالح وزارة الثقافة والاتصال، ثم الهيكل المستقل المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري بالقنوات الاذاعة والتلفزية، وكل هذه الأطراف الثلاثة تجعل المشهد متكاملا وتدخّل الدولة موزعا على عدة أطراف، مما لا يترك أي فراغ على الساحة حتى لا يبقى الحبل على الغارب وتتسلل الممارسات العشوائية. ولا يفوتنا أيضا أن نشير أيضا الى أن وظيفة وزارة الثقافة والاتصال يتمثل أيضا في التشريعات الخاصة بقطاع الاعلام والاتصال ومتابعة تفعيلها، فالقطاع لا يمكن أن يتطور دون نصوص تطبيقية كما هو الحال في تونس حاليا كما أن ميدان الاعلام هو ميدان يتطور باستمرار، ولا بد من مواكبة التشريعات باستمرار لهذا التطور وحتى استباقه أحيانا، أما لدينا فإننا لا نجد اليوم ضمن منظومة الوزارة الاولى أي ادارة مهتمة بقطاع الاعلام وتتبنى المسائل المذكورة وتكون لها نظرة استشرافية. وأكرر مرة أخرى أن الأمر لا يتعلق اطلاقا بوصاية الدولة على ميدان الاعلام، فذلك عهد ولى وانتهى، فالاعلام اليوم هو في حاجة الى الدولة كطرف فاعل، لا كطرف معرقل أو مراقب.
٭ نحن في فترة انتقالية، فهل هناك ضوابط أخرى لكي لا ينحرف الاعلام ولا يتم شراؤه؟
الضوابط لا بد لها من هياكل، فالهيئة العليا المستقلة للاعلام السمعي البصري التي سترى النور قريبا، ستحدد ضوابط ستتم ترجمتها في كراس شروط، أي أنه ستصبح لكل قناة كراس شروط خاصة بها، فالاذاعة التجارية مثلا شيء، والاذاعة الجمعياتية أو الثقافية شيء آخر. فالهياكل تقرر الضوابط.

وبالنسبة إلى المكتوب؟

بالنسبة للمكتوب، هناك فعلا فراغ، الا أنني اعتبر أن قانون الصحافة الجديد احتوى على ضوابط، كما أن أخلاقيات المهنة الصحفية، المعروفة لدى الجميع تمثل في حد ذاتها ضوابط، ولكن لا بد من تجاوز الحد الأدنى، وما أعتبره أضعف الإيمان وهو أن توكل المهمة الى نقابة الصحفيين.
كما أن المؤسسات الصحفية التي تحترم نفسها عليها أو تسن ميثاقا خاصا بها، فهناك في الواقع ضوابط عامة، وأيضا ضوابط خاصة بالمؤسسة الاعلامية.
فعندما تنتدب مؤسسة اعلامية ما، صحفيين مبتدئين، فإن الميثاق الداخلي من شأنه أن يرسم مجموعة من الضوابط الواضحة المعالم للجميع، وبالإضافة الى ذلك فإن مجلس التحرير، بالنسبة لقانون الصحافة الجديد، يتمتع باستقلال تام عن الادارة.

هل يجب أن يكون للدولة دور في وضع هذه الضوابط أم لا؟

إن تدخل الدولة يجب أن يقتصر بالإضافة الى المساعدة والاحاطة على التشريعات، وذلك بعد التشاور ثم الاتفاق مع نقابة الصحفيين وجمعية مديري الصحف والدولة، وإنني اقترح مثلا بالنسبة للصحافة المكتوبة إما ارساء ادارة صلب الوزارة الأولى أو انشاء مرصد لملء الفراغ الحالي. ومن مظاهر هذا الفراغ أنه ليس هناك حاليا أية جهة يمكنها الحسم في قضية توزيع الاشهار العمومي، وهي قضية حيوية، فلا يعقل أن نرى اليوم صحفا ناشئة طرية العود، تقدم مادة اعلامية جيدة وراقية، تنم عن مجهود وتستجيب للقواعد المهنية والأخلاقية، ولا نجد بداخلها اعلانا عموميا واحدا، رغم أن لها قراء وجمهورا.
ففي الماضي، أي قبل الثورة، كان ملف الاشهار العمومي بين يدي وكالة الاتصال الخارجي، التي كانت توزعه على هواها، حسب تعليمات النظام وأهوائه، فتكافئ هذا أو تعاقب ذاك.
أما اليوم فإن الوضع غامض جدا، اذ نجد اشهارات عمومية في جريدة ك«الصحافة» لا يتجاوز عدد قرائها بضع مئات، بينما نجد أن يوميات أخرى، نجحت في الانتشار رغم حداثة مولدها، ورغم ذلك فهي محرومة من الاشهار العمومي، وهذا الوضع الشاذ لا بد من وضع حد له، اذ أنه يشجع منطق الزبونية وحتى الرشوة، كما أنه نوع من أنواع سوء التصرف في المال العام.

ما هي المعايير التي يمكن اقتراحها لتوزيع الاشهار العمومي، هل هي مثلا أرقام السحب؟

لا، هذا العنصر لا يكفي وحده، والمهم هو أن نضع معايير عادلة وشفافة ووضع نصب أعيننا الانصاف، فأرقام السحب لا يجب مثلا أن نطبقها على صحف الاحزاب ، فهي صحف رأي، ومن المحبذ أن تفرد بنظام خاص في مسألة الحصول على الاشهار العمومي.
كما أن الآلية التي ستحدث لتوزيع الاشهار لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار مسألة هامة وهي تقديم الدعم للصحف الناشئة، بحيث يمكن أن يفرد لها نظام خاص خلال السنة الأولى من ظهورها، يحتوي على نوع من الأفضلية والمساعدة، خصوصا أننا بعد سنة من انطلاق الثورة شاهدنا عديد الصحف الجديدة تتلاشى بعد أسابيع أو أشهر من ظهورها، وعلى السلطة العمومية الاسراع بتحمل مسؤوليتها في هذا المجال.

خلال العهد البائد، فُتح نقاش في وقت ما حول: هل يجب تصنيف الصحف الى نوعين، صحف رأي وأخرى تجارية، ثم سريعا ما أغلق باب النقاش، فهل تدعو أنت الى مثل هذا التصنيف لتوزيع الاشهار العمومي؟ وما هي المعايير التي يمكن اعتمادها في هذا التصنيف؟

تصوري هو أن يتم تكوين لجنة صلب الوزارة الأولى توكل لها مهمة وضع معايير يُراعى فيها في آن واحد مبدأ الانصاف، وأيضا المصلحة العامة. فعندما تختار صحيفة ما، التوجه التجاري البحت وتصبح ترفيهية أساسا، فإنه يختفي من مضمونها طابع الخدمة العامة، وهي بذلك تتوجه أساسا الى السوق، وتسعى أن تكون شعبوية وخفيفة، وإن شئت فسمها رديئة، فإن مثل هذا النوع من الصحف رائج في أنحاء عديدة من العالم، ولذلك فهي لا تستحق أي دعم، بينما نجد أن المصاعب تبدأ بالنسبة لوسيلة اعلام ما لما تختار طريق الجدية وتقديم أخبار وتحقيقات تتطلب جهدا أو جرأة ومتابعة وبحثا.
فالصنف الأول من الصحف لا يقدم خدمة اعلامية حقيقية، ولا يدخل في حساباته تكوين رأي عام مثقف ومسؤول، أو نحت شخصية مواطن واع يشارك في الشأن العام، وعندما يتوجه نحو مكتب التصويت لاختيار من يمثله، فإنه يكون على اطلاع على مختلف البرامج وقادرا على الفرز.

نعم للمحاسبة

إن الصحف الشعبوية نشأت وترعرت وقويت في عهد بن علي، الذي حركها كما شاء (instrumentalisation) وكافأها بالمليارات من أموال المجموعة الوطنية، فهل أنت تساند مبدأ محاسبتها على الدور الهام الذي مارسته ضد المعارضة بهرسلتها وضد الشعب بتمييعه وتجهيله؟

هناك تجارب صحفية، إن صح التعبير، لا بد من فتح ملفها مع بقية المؤسسات التي سادها الفساد، واجراء تحقيقات معمقة في شأنها.
هذا أمر أكيد، فالفساد بكافة أوجهه لم يسلم منه قطاع الاعلام، ولجنة تقصي الحقائق نشرت بعض المعلومات حوله، وبالأخص حول وكالة الاتصال الخارجي والملايين الموزعة يمنة ويسرة، ولذلك فإن المساءلة ضرورية حتى لا يتكرر الأمر مستقبلا.
وإنه لمن غير الطبيعي أن المؤسسات المشار اليها بقيت الى اليوم، وبعد الثورة، محافظة على امتيازاتها السابقة.
فأن تحافظ على جمهور قرائها، الذي حاولت وقد تكون تحاول الى اليوم افساده، فتقول لها «صحّة ليك»، أما أن تواصل التمتع بامتيازات الماضي على حساب الغير، فهذا أمر غير مقبول أخلاقيا وقانونيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.