عندما يتم القبض على عدد من المنحرفين والفوضويين متلبسين يخلعون المحلات التجارية ويسرقون ويضرمون النار في الأملاك العمومية والخاصة ويرشقون قوات الأمن بالحجارة ويخربون المدارس والمعاهد... فان هؤلاء لا يمكن أن يعدوا من "المعتصمين" حتى وان جاءت جرائمهم هذه في سياق موجة الاعتصامات التي تشهدها - ولا تزال - منذ نهاية الأسبوع المنقضي عديد الجهات والولايات والمعتمديات... وعندما يتجمهر - أمس الأول - أهالي معتمدية غار الدماء - مثلا - الذين تملكهم الخوف والرعب جراء هذه الأفعال والجرائم أمام مركز شرطة المكان مطالبين بتوفير الأمن وفك الحصار وانهاء الاعتصامات وفتح الطرق المقطوعة وتأمين عودة أبنائهم الى المدارس والمعاهد المهجورة... فان ذلك لا يعني سوى أن الكيل قد طفح وأن السيل قد بلغ الزبى وأنه لم يعد جائزا - اطلاقا - سكوت المجموعة الوطنية على ما باتت تأتيه بعض الأطراف والمجموعات من جرائم في حق الامن والتنمية والاستقرار الاجتماعي تحت يافطة "الاعتصامات" المتكررة .. نقول هذا ليس من باب انكار الحق القانوني والدستوري للأشخاص والمجموعات في الاعتصام أو الاضراب أو التظاهر أو الاحتجاج بل على العكس نقوله دفاعا عن هذه الحقوق في ذاتها وحرصا على عدم الاساءة لها وتفريغها من مضامينها ومقاصدها النبيلة والتحول بها الى مجرد "غطاء" للتحريض على العصيان المدني والانفلات الأمني والتعدي على الممتلكات الخاصة والعامة وعرقلة السير العادي للحياة والنشاط الاقتصادي والاجتماعي في هذه الجهة أو تلك من جهات الجمهورية ان هذه الموجة من الاعتصامات الفوضوية المريبة التي ما انفكت تتصاعد وتيرتها من يوم لآخر بدعوى الاحتجاج على واقع التهميش والبؤس والفقر الذي لا ينكر أحد أنه موروث وقائم وموجود في عديد المناطق والجهات المحرومة هي - وبكل المقاييس - جريمة في حق تونس والثورة والشهداء لأنها لا تساعد في ذاتها لا على التدارك ولا على الاصلاح وعلى على النهوض... بل على العكس هي تعيق أية عملية تنمية أو مسعى لضخ الدماء من جديد في شرايين الجسد الاقتصادي المنهك - أصلا - منذ أكثر من عام بفعل حالة الفوضى والانفلات الاجتماعي... لقد بات مطلوبا اليوم - وبالحاح - التصدي لمثل هذه الظاهرة الفتاكة - لا فقط - أمنيا بل ومدنيا أيضا من خلال تظافر جهود منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والأحزاب السياسية وغيرها ترسيخا للسلوك الحضاري المتمدن وتكريسا لعلوية القانون ودفاعا عن الثورة ووفاء لدماء الشهداء.