قبل أيام من بدء الرئيس الأمريكي جورج بوش جولة هي الأولى له إلى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، في محاولة منه لدفع عملية السّلام قدما بعد مؤتمر أنابوليس، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وفي موقف لافت إلى أن إسرائيل قد لا تجد خيارا أمامها سوى الموافقة على تقسيم القدس في اتفاق سلام يجري التوصل إليه في المستقبل مع الفلسطينيين. ورغم أن هذا الموقف الجديد لحكومة أولمرت قد يعد بادرة إيجابية وخطوة جد هامة في الوعي الإسرائيلي بضرورة التخلي عن وهم الضم الأبدي للقدس بجزئيها الشرقي والغربي واعتبارها عاصمة أبدية للدولة العبرية وربما يمثل انفتاحا واستيعابا موضوعيا للتغيرات الدولية والتي لم تعد تسمح بتشبث ساسة تل أبيب بمواصلة الاعتقاد في حلم تأسيس دولة إسرائيل الكبرى التي أثبت الواقع والأحداث التاريخية أنه حلم بعيد كل البعد عن أرض الواقع وأنه آن الأوان لإسرائيل أن تتخلى عن أساطيرها وحان الوقت كذلك ل«خسوف» أصنامها وأوهامها الموغلة في الطوباوية. لا شك أن هذه المواقف الاسرائيلية وان سلمنا بأنها تمثل تراجعا ايجابيا وتنازلا عن مواقف وسياسات متصلبة من أجل التوصل لاتفاق سلام قبل انتهاء فترة ولاية الرئيس الأمريكي في جانفي 2009، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى البادرة الحقيقية ولا يمكن أخذها على محمل الجد خصوصا أن أولمرت قد أوضح وبشكل صريح أن إسرائيل لن توافق على العودة إلى حدود ما قبل 4 جوان 1967 وهو ما يعني عزم تل أبيب الإبقاء على أكبر مستوطناتها في الضفة الغربية وخاصة مستوطنة معاليه أدوميم القريبة من القدس في أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين. في الواقع ان هذه الخطوة الاسرائيلية وان بدت للبعض بشكل أو بآخر تعبيرا عن نوايا طيبة من أجل تسوية مسألة هي من أهم الملفات صعوبة مثلت دائما نقطة خلافية وحجر عثرة في كل المفاوضات التي سبقت مع الفلسطينيين من أوسلو إلى مدريد... حتى كامد ديفيد II، هي في الواقع لا تختلف عن مواقفها السابقة بعد حرب 1967 حين احتلت الجزء الشرقي من القدس واعتبرت القدس بأكملها عاصمتها الأبدية «غير قابلة للتقسيم» وهي خطوة لم تعترف بها المجموعة الدولية. وسواء كانت تصريحات أولمرت تعبر عن وعي حقيقي بالسلام العادل والتخلي عن الأوهام الكبرى لدولة إسرائيل التي تغذت منها طويلا وكذبها واقع التغيرات الإقليمية والدولية وحالت دونها مقاومة الشعب الفلسطيني الذي آمن طويلا بالتحرير وبقضيته العادلة، أو كانت مجرد مناورة أخرى لا تعدو أن تكون سوى تكتيك جديد لساسة تل أبيب فقط من أجل تلميع صورهم كأطراف سعت وتسعى دوما من أجل السلام وهو ما يعني اتهاما ضمنيا للطرف الفلسطيني بأنه عاجز ولا يرتقي إلى مستوى المفاوض الجاد والحقيقي لأية تسوية. في الواقع إن رصد النوايا الإسرائيلية قياسا بممارساتها على أرض الواقع يبقى ضبابيا وبعيدا كل البعد عن تحقيق أية تسوية جادة، فمواصلتها للاعتداءات اليومية على قطاع غزة واستمرار سياساتها لحصار الشعب الفلسطيني دليل واضح أن هناك فرقا كبيرا بين التصريحات والحقيقة على أرض الواقع وما يعانيه الشعب الفلسطيني في الداخل والعالق خلف المعابر والأسلاك الشائكة من سوء المعاملة والاهانات التي يندى لها الجبين الانساني أقل ما يقال فيها أنها ممارسات اجرامية بحق المدنيين العزل. وفيما تواصل إسرائيل ممارساتها العدوانية ومناوراتها السياسية لدفع الفلسطينيين الى مزيد من الانقسامات والخلافات بين أبناء الشعب الواحد والقضية الواحدة وهو ما حدث بين حركتي «فتح» و«حماس» من تناحر واقتتال خلّف العديد من الضحايا بعد فشل اتفاق الرياض، لعل الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني، فإن الأطراف الفلسطينية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مراجعة خياراتها والجلوس إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة بعيدا عن الاتهامات المتبادلة وأن يتحمل كل طرف مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.... فالضفة تحتاج الى غزة كما تحتاج غزة الى الضفة لأنهما جزء من الوطن الفلسطيني.