حيث يضع الامريكيون اقدامهم تنفجر الأزمات، الحرائق تمتد وتتوسع الآن وتشمل جميع الكيانات التي تشكل «الشرق الاوسط» مركز الاهتمام الامريكي، هناك سبب رئيسي لذلك يتعلق بالوسيلة الرئيسية التي تستخدمها امريكا وهي القوة التي كانت ميزة العقل الاستعماري الأوروبي في القرن التاسع عشر بعد أن ورثت تدريجيا مواقع الاستعمار القديم وتخلت عن مبادئ ولسن وتجاوزت مواثيق حقوق الانسان وصارت طرفا رئيسيا في الصراع، بعد ان تغير العالم ودخلنا في العصر الامريكي «الوحيد القرن». افتتحت امريكا القرن الحادي والعشرين على أوسع حرب شنتها في منطقة «الشرق الاوسط» بعد أحداث 11 سبتمبر حيث كان لا بد لأمريكا من البحث عن عدو يبرر الحرب بشكل او بآخر خاصة وان الحرب على «الارهاب» ونظرية او استراتيجية «الحروب الاستباقية» تحتاج الى افتعال الخطر والتهديد الذي يطال امن وسلامة «الأمة الأمريكية» بل السلم العالمية، واصبحت الادارة الامريكية اكثر شهية كلما قطعت رأسا. لم تكتف ادارة جورج بوش بتجسيد «محور الشر» في مجموعات وزعماء وانظمة ك«القاعدة» وايران وسوريا و«حماس» و«حزب الله» بل وسعت دائرة اهدافها نحو ما يسمى ب«الفاشية الاسلامية» ونحو «التطرف» و«الأصولية» و«الاسلام السياسي والحركي» بمختلف اشكاله بعد أن بات الشرق عاجزا عن ايجاد صيغة لمحاورة أمريكا التي تقترح نظريا الاخذ بوسائل «الديموقراطية وحقوق الانسان»!! لكن النمودج الامريكي الحي هو حروب على الانسان من العراق الى فلسطين الى الصومال وافغانستان ولبنان، امريكا تقترح الحرب على المنطقة ولا تطرح حوارا جديا، حتى رعايتها لعملية السلام في الصراع العربي الاسرائيلي لم تكن في يوم من الايام جدية وفعالة كما يريدها العرب والمسلمون وها أن تداعيات، او بالاحرى «جوائز انابوليس» تتهاطل على الفلسطينيين بعد ان نشطت آلة الحرب الاسرائيلية التي لم تتوقف اصلا بامعانها في القتل والاختطاف والاذلال للانسان الفلسطيني بعد ان تعهد الرئيس الامريكي ذاته بانه سيتولى بنفسه موقع «القابلة القانونية» لاستيلاد الدولة الفلسطينية وسط رعاية عربية ودولية شاملة، فقد سقطت سهوا واحتلت الخطاب الرئاسي «الدولة اليهودية» الخالصة على ارضها.. يما يمهد لاسرائيل بطرد كل غير اليهود من «اراضيها» لتكون خالصة لشعب الله المختار! لم يرفع الحصار الخانق ولم تحل مشكلة الاستيطان، وبالتالي تم تكريس الانقسام الفلسطيني الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.. واشتد الضغط على ما تبقى من «القدس العربية» التي اختنقت بالمستوطنات المستحدثة والمزيدة.. الادارة الامريكية اللاهثة وراء تطبيق وتعميم الحرية على طريقتها طبعا اعادت خلط الاوراق في المنطقة فقبل انابوليس كانت احتمالات الحل في لبنان متيسرة وكانت صيغتها العملية قيد الانجاز، اما بعد انابوليس فقد تبخرت مشاريع الحلول واتسع مدى الفراغ الذي تقع فيه رئاسة الجمهورية واتسعت الهوة بين الاكثرية والمعارضة التي ينكب كثيرون من الداخل والخارج على حفرها وتعميقها بعد ان اصبح مجلس النواب اللبناني بدوره يسبح في الفراغ ويضيع في متاهات الاجتهادات الدستورية الاستنسابية ليغرق لبنان برمته في الفراغ الذي يدفعه اكثر نحو الفوضى ليتسنى للادارة الامريكية استغلال الوقت الذي بدأ ينفذ لتحديد وجهة الصراع بينها وبين طهران وسوريا من اجل ايجاد صيغة تسوية تحصل من خلالها على خروج موفق من العراق والحفاظ على ما يمكن أن يتبقى من نفوذ لها في المنطقة. ان سياسة القوة الامريكية في المنطقة لتطويعها باتجاه نظام تابع وخاضع هي سياسة فاشلة، فالأموال التي تنفقها في الحرب على «الارهاب» من اجل بناء نظام دولي مستقر لنهب الموارد سيفيد شركاتها العملاقة ولا يفيد مشروعها السياسي، فهذا «العبث» الامريكي ب«الشرق الاوسط» هو كارثة القرن الحادي والعشرين، فالمشروع الامريكي هو عبارة عن وباء اسمه الفوضى.