قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ ليبيا: اشتباكات عنيفة في الزاوية.. وهذه حصيلة الضحايا    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    الحشاني يُشرف على اجتماع لجنة القيادة الاستراتيجية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اجتماع براكة الساحل 91.. بين جراح الذاكرة والشرف العسكري
نشر في الصباح يوم 05 - 02 - 2012

بقلم: محسن الكعبي محنة حقيقية وعار سوف يلاحقنا لسنوات ونعلم جيدا أن غالبية جيشنا الوطني لم تقبل ما حدث لرفاقها في السلاح في بداية التسعينات عندما تآمر النظام القائم آنذاك بمكوناته المدنية والعسكرية على مؤسسة الدفاع الوطني، ولكنه للأسف قد حدث، لكن يبقى السؤال: ما التركيبة النفسية لهذا الجنرال أو ذاك التي سمحت له بأن يتآمر على مؤسسة دفاعية ذات سيادة، ويسلم رفاقه لتطالهم يد الجور بالتعذيب والتنكيل والإذلال، فتئد مسيرتهم المهنية في أوجها، وتحطم طموحاتهم المشروعة، وتحول حياتهم الاجتماعية والعائلية والنفسية إلى جحيم مستعر، وتحرمهم من الإسهام في خدمة وطنهم ومجتمعهم وأسرهم بالتهميش والتضييق والطرد والمطاردة، مع الحرمان من الحقوق الأساسية للمواطنة كالعمل والسفر والعلاج؟
ومن المسؤول بالأمس عن تشويه صورتهم في الإعلام وفي عيون رفاقهم في السلاح وفي عيون شعبهم وفي المجتمع وفي الحياة، بما نفذوه فيهم من أوامر وما مارسوه ضدهم من أساليب الظلم والإهانة والتجني؟ ومن المسؤول اليوم عن بلسمة جراحهم ورد الاعتبار لهم ماديا وأدبيا؟ وكيف تشوهت عقيدة القيادة العسكرية في ذلك الوقت فانقلبت من حماية الوطن والشعب إلى إهانة الوطن والشعب؟ ألسنا من أبناء هذا الشعب وهذا الوطن؟ ألسنا من أبناء العمال والفلاحين والتجار؟ ألسنا من أبناء جلدتهم؟ أليس الأمن العسكري في خدمة المؤسسة وأبنائها أم في خدمة نظام المخلوع وزبانيته؟
لقد وقع كل هذا في عهد يعتبر فيه الجمع بين علو الكفاءة ومثالية الأخلاق وقمة الانضباط مبررا للاستئصال تحت أي ذريعة، وبأي صيغة ووسيلة. وتواصل هذا العهد لأكثر من عقدين، كوصمة عار ونقطة سوداء في تاريخنا السياسي والعسكري، انتهى والحمد لله بنجاح الثورة المباركة. لقد كتب الجيش الوطني بأحرف من ذهب التاريخ السياسي والعسكري لتونس الحديثة، وثأر لنفسه ولأبنائه المهجرين قسرا، فسخر كل طاقاته لإرادة الجماهير الثائرة وساعد على تحقيق رغبتها «الشعب يريد إسقاط النظام»، صيحة أطلقتها حناجر المضطهدين وكنت من بينهم طيلة أيام الثورة، وهذه شهادة أعتز بها وأذكرها للتاريخ، فرددتها الروابي والسهول، وأرجعت صداها الأودية والأنهار، وحلقت فوق القمم الشماء، لتشق كبد السماء.. فاستجاب القدر.. عند هذا المستوى اكتفت الجماهير الثائرة بتحقيق شعارها، تحت عيون الرقيب الساهرة «عيون الجيش»، مرددة شعار: «الجيش والشعب يد واحدة»، و»الجيش سور للوطن يحميه أثناء المحن»، دون الذهاب إلى أبعد من ذلك والتفكير في القضاء على الدولة، فلم يرتفع صوت واحد مرددا أو مطالبا «الشعب يريد إسقاط الدولة»، لما تحلى به الحس الثوري لدى العسكريين ولدى المدنيين على السواء من قدرة التمييز بين المقدس «الدولة» والمدنس «النظام».
كيف ينظر إلينا هذا الجنرال المتقاعد اليوم يا ترى بعدما انتهكت كرامتنا تحت إمرته؟ وهل يستطيع رفع رأسه والتطلع في وجوهنا والتباهي بالنجوم والسيوف والشعارات العسكرية على كتفيه، والأوسمة والأنواط على صدره، بعد كل الذي حصل لنا ولمؤسستنا في عهده؟ وهل يستطيع الحديث عن الشرف العسكري وعن العقيدة العسكرية وعن الكرامة الوطنية؟ وكيف تسوغ له نفسه أن يتكلم عن حماية الوطن، بينما قصر في حماية مرؤوسيه وشارك في انتهاك كرامة وأعراض رفاقه في السلاح؟ وكيف يطالب اليوم بعد الثورة بمصادرة حريتنا في البحث عن الحقيقة عبر وسائل الإعلام والصحافة والمجتمع المدني بعد أن يئسنا الظفر منه بشهادة شفوية أو مكتوبة تساعدنا على كشف هذه المؤامرة اللغز، بدعوى ميثاق الشرف؟ فأي شرف يدعيه هذا الجنرال أو هذا الأميرال يا ترى؟ وكيف أصدر له قائده الأعلى الأوامر بجلب العسكريين التي أعدت في شأنهم قوائم من الإدارة العامة للأمن العسكري لتعذيبهم وهم رهن الاعتقال لا لجريمة ارتكبوها، ولكن من أجل أجندة سياسية خطط لها ساستنا الجهابذة الكبار ونفذتها القيادة العسكرية آنذاك بكل فخر واقتدار؟ كيف يهنئون اليوم في تقاعدهم وكيف نحترم آدميتهم ، بينما هم كانوا يجلسون في مناصبهم ليتفرجوا علينا ونحن نتعرض لأبشع أنواع التعذيب التي فاقت في فضاعتها ما حدث في سجون أبو غريب وغوانتنامو...؟
أعود إلى جيشنا الوطني في بداية التسعينات لأرثيه اليوم لأن قيادته العسكرية العليا شوهت إدراكه وشوهت فطرته وشوهت عقيدته، بالدور أللأخلاقي واللاقانوني الذي لعبته لما تخلت آنذاك عن مسؤولياتها تجاه حماية أبنائه الأبرياء. لقد تخلت عن مرؤوسيها بالتآمر عليهم ابتداء، ثم بالسكوت عن التعذيب والقسوة والوحشية التي لا يتخيل أحد أننا ملاقوها ثانيا. لقد عذبنا بقسوة وتفنن الجلادون في سحق كرامتنا وإنسانيتنا بل وسحق حياتنا.. أما أوجعهم المشهد.. أم تراهم مسحوا نفسيا، وعقليا ووطنيا؟ ولا يفوتني في هذا السياق تنزيل ما جاء على لسان المتنبي في إحدى روائعه الشعرية، لتوصيف الحالة المزرية التي آلت إليها أوضاعنا آنذاك، إذ يقول:
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا إذا لم يكن فوق الكرام كرام
وأخيرا وليس آخرا، هل كانت القيادة العسكرية العليا تنفذ أوامر رئيس الجمهورية أم أوامر القائد الأعلى، أم أوامر الديوان السياسي، أم أوامر رئيس التجمع، أم الكل في آن واحد؟ وهل طلب منها تسليم العسكريين «المشبوه فيهم» ليمارس عليهم التعذيب ثم الإقصاء والتهميش تنفيذا لنظرية الضربة الاستباقية للمفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما؟
ذلك ما سنعرفه في الأيام القليلة القادمة وما ستفرزه الشهادات والتحقيقات التي طالبنا بها جناب المحكمة العسكرية لكشف حقيقة وملابسات مؤامرة براكة الساحل 91.
لقد عاش جيشنا الوطني وتربى على عقيدة الشرف العسكري، التي تمنعه من توجيه سلاحه في صدور شعبه، فما بالك بتوجيه التهم جزافا لمئات من أبنائه، فمن الذي جنى عليه وورط بعض جنرالاته في هذه الجريمة النكراء التي شوهت صورة العسكرية التونسية في بداية التسعينات؟
نحن في انتظار اعتذار رسمي للشعب، وللمؤسسة العسكرية وللضحايا ولعائلاتهم، وهذا سلوك حضاري ليس بغريب عنا وعن ثورتنا وعن حكومتنا الجديدة المنتخبة، ولكن الاعتذار وحده لا يكفي في مثل هذه الحالات، بل لا بد أن تجري العدالة الانتقالية على كل من تورط في هذه المؤامرة الخسيسة حتى ينظف جيشنا الوطني ثوبه من هذا الحدث، وحتى لا يتكرر هذا أبدا في المستقبل..
نقيب مهندس، أستاذ العلوم العسكرية بالأكاديمية العسكرية سابقا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.