أن تذهب الى ايران هذه الأيام وأنت صحفيا خير لك من الدنيا وما فيها... لا فقط لأنه من ايران وفيها ومن خلالها يتم راهنا ولأجل عيون اسرائيل على الأرجح "الاشتغال" دوليا على وضع ورسم خارطة جغراسياسية "جديدة" للمنطقة تكون بإيران "جديدة" مشتهاة غربيا وأمريكيا وإسرائيليا وخليجيا أو حتى بدونها تماما ان لزم الأمر... ولكن أيضا لأنه في "ايران اليوم"،، "ايران الثورة" و"ايران البرنامج النووي"،، "ايران الاسلام والتقدم العلمي والتكنولوجي" سيمكنك اكتشاف أسرار ما يمكن أن نطلق عليه اسم "خلطة" ايرانية عجيبة جعلت وبسرعة من هذا البلد "رقما" دوليا مغايرا ومختلفا سياسيا وعسكريا... بلد بقدر ما أن انسانه عقلاني وحداثي وعمرانه عصري ومتطور بقدر ما أن "الأشياء" فيه... كل "الأشياء" -صغيرها وكبيرها- هي أيضا مرتبطة ارتباطا وثيقا بكل ما هو غيب واعتقادات ايمانية ماورائية...
النووي... والمهدي المنتظر
وهو يخطب في حفل افتتاح "مؤتمر الشباب والصحوة الاسلامية الدولي" الذي تزامن انعقاده مؤخرا في طهران مع وصول وفد رفيع المستوى من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى العاصمة الايرانية لإجراء مباحثات جديدة حول النووي الايراني... وبحضور شخصيات سياسية ونضالية عربية مرموقة مثل الدكتور رمضان عبد الله شلح أمين عام حركة "الجهاد الاسلامي" الفلسطينية وابراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي الأسبق... فضلا عن ممثلي عديد الوفود الشبابية القادمة من72 دولة عربية واسلامية وغربية وآسيوية أبى الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الا أن يؤكد حقيقة وجود هذه "الخلطة" الايرانية العجيبة التي بدون الانتباه اليها والوقوف على عناصر تركيبتها "السحرية" لا يمكن في رأينا لأي ملاحظ أو محلل سياسي يزور ايران هذه الأيام أن ينفذ لعمق "الأشياء" وأن يستقرأ بدقة ماهية الظواهر والأحداث السياسية الجارية راهنا على الساحة الايرانية والتكهن بمآلاتها... "خلطة" عجيبة تركيبتها الأساسية تتكون -ويا للمفارقة- من عنصرين متناقضين بالكامل... أحدهما من عالم الغيب والثاني من عالم الشهادة: البرنامج النووي من جهة بما هو تقدم علمي وتكنولوجي مذهل... والمهدي المنتظر -نعم المهدي المنتظر- من جهة أخرى بما هو غيب وعقيدة وايمانيات.
"اللهم عجل ظهوره"
كان يتحدث للحضور بخطاب سياسي وحضاري "وضعي" ومقنع لا علاقة له بأي تصور غيبي... خطاب سياسي يدين منطق الكراهية ويدعو الى نشر ثقافة الحب والسلم والاحترام بين مختلف أجناس بني البشر... "فالحب هو أساس السلام" - يقول الرئيس نجاد- "وهو الذي يحول دون قيام الحروب وهو أيضا الذي يدفع باتجاه القبول باختيارات الشعوب والتسليم لها بحقوقها المشروعة" ومن بينها طبعا الحق في اكتساب التقنية النووية... ثم "فجأة" وقبل أن يختم كلمته وبنبرات ملؤها الخشوع والتأثر أخذ الرئيس نجاد يدعو الله بأن يعجل ظهور المهدي المنتظر لكي يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا... لقد رانت على قاعة المؤتمر لحظتها مسحة من الرهبة لا يمكن لمسلم سني مثلي حتى ولو كان يؤمن بالمهدي المنتظر أن يستوعبها ويقدرها حق قدرها... ولكن الاخوة الشيعة كانوا على ما يبدو مدركين بالكامل لها... لقد كانوا لحظتها وكأنهم أقرب الى عالم الغيب منهم الى عالم الشهادة... ربما كان الصحفي البريطاني روبارت فيسك على وشك الانتباه بدوره لما أطلقنا عليه اسم"الخلطة" الايرانية العجيبة عندما كتب يقول بالحرف الواحد في مقال له صدر مؤخرا بعنوان"أيها الغرب كفاك كذبا": "تبدو الاحاطة بأي قضية من مختلف جوانبها هي واحدة من أصعب المهمات التي يواجهها الصحفي،،، فكيف اذا كانت القضية هي ايران".. ولكنه خانته ثقافته الغربية العلمانية على ما يبدو واكتفى بالمرور الى جانب "الاكتشاف" لأنه راح يقارب في مقاله المذكور موضوع الملف الايراني من جانب "أحادي" سياسي بالأساس مداره زيف الرواية الرسمية الغربية الاسرائيلية حول موضوع البرنامج النووي الايراني القائمة على شيطنة ايران والتخويف منها والتلويح بمحاربتها لغايات مصلحية استراتيجية لا علاقة لها بعناوين الأمن والسلام العالميين... فكان أن خفيت عنه بالمقابل حقيقة الطبيعة النوعية "السياسية الروحية" المزدوجة للموقف الايراني من ذات "الملف" والتي تشكل في حد ذاتها جانبا مهما من جوانب "القضية" لا بد من الاحاطة به لفهم المسألة برمتها في أبعادها السياسية والأمنية والحضارية ولاستقراء ما يمكن أن يحدث وأن يتفرع عن القضية من ملابسات وأبعاد سياسية واقتصادية وعسكرية... الرئيس نجاد أنهى حضوره في حفل افتتاح "مؤتمر الشباب والصحوة الاسلامية الدولي" في طهران بالانخراط في الهتاف مع جموع الشباب الحاضر بموت اسرائيل وسقوط أمريكا... ثم غادر القاعة لتتواصل بعد ذلك أشغال المؤتمر برئاسة سياسي ايراني آخر مثقف وصاحب عقل علمي ودبلوماسي ولكنه لا يقل عن نجاد أو عن أي ايراني آخر تدينا وتطلعا لظهور المهدي المنتظر ووفاء لشخص مرشد الثورة آية الله السيد علي خامنائي"قدس سره"... انه الدكتور علي أكبر ولايتي الطبيب ووزير الخارجية الايراني الأسبق... الحلقة القادمة : ايران والثورات العربية،،، عود على بدء