كانوا حوالي مائتين من المفكرين التونسيين والعرب في الندوة السنوية لمركز دراسات الوحدة العربية الذي يرأسه الخبير العراقي الاستاذ خير الدين حسيب.. هذه الندوة تعقد مجددا في تونس بعد 20 عاما من منع رئيسها من دخول بلادنا بسبب انشطته على رأس مؤتمر الحوار القومي الاسلامي الذي شرك فيه شخصيات تونسية وجزائرية من المعارضة الاسلامية بينها السيد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة اللاجئ السياسي في لندن وقتها. الحوارات شملت ملفات عديدة لها علاقة بالانتقال الديمقراطي في تونس والوطن العربي.. وخصصت جلسة بعد ظهر أول أمس لتقييم المستجدات في تونس بعد عام عن الثورة وبعد اول تجربة عربية لوصول حزب اسلامي الى الحكم عن طريق الانتخابات.. وقد جرى الحوار بعد سلسلة من المداخلات اثثها الاساتذة مصطفى الفيلالي ولطيفة الاخضر وخير الدين حسيب وراشد الغنوشي. كما شارك في الحوار السيد رفيق عبد السلام وزير الخارجية وقد أكد مع السيد راشد الغنوشي ردا على عدد من التساؤلات أن الحكومة لا تنوي الاعتراف بإسرائيل ولا تطبيع العلاقات معها. ورفض عبد السلام والغنوشي وصف حكومة الترويكا في تونس بالإسلامية واكدا على صبغتها الوطنية.
تطمينات..وتخوفات
رغم الصبغة العلمية للندوة فقد مكنت المتدخلين من طرح تساؤلات جريئة تعكس تخوفات تيار عريض من المثقفين والسياسيين التونسيين والعرب من "استلام الاسلاميين للحكم ".. المفكر والمعارض السوداني لنظام الرئيس البشير حيدر إبراهيم علي ذهب بعيدا في انتقاداته للإسلاميين وللسيد راشد الغنوشي شخصيا الذي ذكره بكونه حصل على جواز ديبلوماسي من السودان مطلع التسعينات في وقت كان فيه معارضون سودانيون في سجون الخرطوم. كما اعتبر الدكتور حيدر ابراهيم علي ان " الاسلاميين هم الافضل اداء في مرحلة المعارضة والاسوأ بعد وصولهم الى الحكم أي خلال ممارستهم له".. واتهم الحكومات "الاسلامية " الاخوانية التي تتداول على السلطة في السوادان منذ اكثر من عشرين عاما بالاستبداد والفساد والفشل.. مما ادى الى تقسيم البلد وتفقيره ودفعه نحو التخلف ".. لكن السيد راشد الغنوشي رد على تلك الانتقادات بان اورد انه اضطر للحصول على جواز سفر سوداني" لمدّة شهر او شهرين " لما كان مطاردا من قبل حكومة بن علي ومهددا بالاعتقال مدى الحياة والاعدام.. وقد تخلى عنه لما حصل في لندن على جواز لاجئ سياسي في بريطانيا.. وحول مواقفه آنذاك من النظام السوداني قال:" لقد عكس موقفي وقتها المعلومات التي كانت متوفرة لدي في تلك اللحظة.. لا اكثر".
هل تصالح الاخوان مع الديمقراطية؟
لكن هل تصالح الاخوان المسلمون مع الديمقراطية وقرروا قبول التعددية قولا وفعلا بعد فوزهم في الانتخابات وسقوط الانظمة التي قمعتهم طوال العقود الماضية؟ وهل تنتمي حركة النهضة الى "أممية إسلامية" يتزعمها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ؟ تعقيبا على هذا التساؤل اورد السيد راشد الغنوشي ان " حركة النهضة حزب وسطي معتدل يؤمن بمرجعيات الشعب الثقافية وبهويته العربية الاسلامية وهي ليست حزبا دينيا مثلما يروج بعض خصومها والحكومة التي تقودها حاليا ليست "حكومة اسلامية "بل حكومة ديمقراطية تعددية تضم شخصيات وطنية مستقلة ومناضلين من احزاب التكتل والمؤتمر والنهضة وشخصيات من اليسار سبق ان انتمت الى قيادة احزاب يسارية معروفة.."
جبهة 18 اكتوبر
وقلل الغنوشي من اهمية الانتقادات التي توجه الى حركته والى المعارضة الاسلامية التي فازت في الانتخابات في عدة دول عربية..واعتبر ان انخراط الاحزاب الاسلامية في المسار السياسي العلني وقبولها التعامل مع كل خصومها العلمانيين واليساريين والليبيراليين مؤشر على تجاوزها ل"مرحلة الثنائية والتناقض" المفتعلين بين الاسلاميين وعلمانيين.. بين الديمقراطية والاسلام.." واعتبر الغنوشي ان من مصلحة تونس وكل الوطن العربي تجاوز التناقضات المفتعلة السابقة بين الاسلاميين وخصومهم العلمانيين وصرف كل الطاقات لبناء تحالفات سياسية على اسس برامج وفاقية واضحة..على غرار ما فعلت 6 احزاب علمانية واسلامية وعشرات الشخصيات المستقلة في تونس بعد اضراب الجوع الشهير في اكتوبر 18 نوفمبر 2005.. عندما شكلوا جبهة 18 اكتوبر التي مهدت لتشكيل حكومة الائتلاف الحالية.. تساؤلات وتطمينات.. ونقاط استفهام.. قد تحتاج الى متابعة بعمق اكبر على الساحة التونسية.. قد يكون احياء آلية 18 اكتوبر مدخلا لها.. لإيجاد مؤسسة تنظم الحوار بين النهضة وزعامات الحزب الديمقراطي التقدمي ( بزعامة الشابي والجريبي) وحزب العمال الشيوعي (بزعامة حمة الهمامي) والحزب الشعبي (بزعامة جلول عزونه) واحزاب التكتل والنهضة والمؤتمر..