على اثر ما راج من أخبار في وسائل الإعلام التونسية حول دخول الكوميدي لمين النهدي في إضراب جوع مفتوح بسبب عدم قبول التلفزة التونسية للسلسلة البوليسية الهزلية التي كتبها بنفسه ليخرجها ابنه محمد علي ويكون أحد أبطالها في إطار عدم القطع النهائي مع فكرة الاتكال على الدولة بالكامل في الإنتاج السينمائي والمسرحي والدرامي والتعامل بعقلية (منو فيه زيتو يقليه أو زيتنا في دقيقنا) التي ترسخت لدى بعض الفنانين أصدرت التلفزة التونسية توضيحا بينت فيه الأسباب الكامنة وراء رفضها لإنتاج سلسلة النهدي التي سماها «لنسبكتور خليفة»... ومن أهمها موقف أغلبية أعضاء لجنة قراءة الأعمال الدراميّة التلفزية التي تم إحداثها بمقتضى مقرر صادر عن الرئيس المدير العام السابق للتلفزة التونسية بتاريخ 2 ديسمبر 2011 لاختيار أفضل سيناريو لإنتاج سلسلة دراميّة من بين تسعة تقدم بها أصحابها. أعضاء هذه اللجنة رأوا أن مشروع السلسلة تعتريه سذاجة مفرطة وتمطيط ممل، وأنه عبارة عن جملة من المواقف غير المضحكة تجاوزها الزّمن وأنها لم تتلق إلا ست حلقات فقط من هذه السلسلة التي تحكي مغامرات مفتش شرطة بطريقة هزلية فيها شبه لافت مع السلسلة الهزلية الجزائرية «المفتش طاهر» التي اشتهرت في ثمانينات القرن الماضي، وهو ما لم ينكره الأمين النهدي في أغلب تصريحاته للصحافة الوطنية التي اتصلت به لاستجلاء حقيقة دخوله في إضراب جوع. مما يعني أن إدارة التلفزة لم تتدخل في اختيار او فرض الأعمال التي سيتم إنتاجها. كما أعلنت التلفزة في هذا البيان ولأول مرة عن أسماء أعضاء لجنة قراءة الأعمال الدرامية التلفزية بعد ان وصفتهم بنخبة من الكفاءات المشهود لها بالخبرة في المجال وهم المخرج محمد الحاج سليمان والممثل فتحي الهداوي والأستاذ والسيناريست الطاهر بن غذيفة والمخرج والسيناريست عبد القادر الجربي والمخرج هشام العكريمي والكاتبة ( أو بالاحرى الشاعرة ) آمال موسى. وبعيدا عن التشكيك في قدرة أي من أعضاء اللجنة على التقييم والتصريح برأي نزيه وشفاف بعد ثورة 14 جانفي فاننا نكتفي بالقول إن هذا لا يمنع أيا كان من التعليق والاستشهاد بمقولة: «ما أشبه اليوم بالأمس». أما بخصوص دخول الأمين النهدي في إضراب جوع بسبب عدم تمكينه من تنفيذ مشروعه وبقطع النظر عما يكنه له التونسيون من حب واحترام وتبجيل وقد تبين ذلك جليا عندما تعرض لأزمة صحية خطيرة في آخر سنوات النظام السابق وتكفلت الدولة بمصاريف علاجه وقد بارك الكل عملها آنذاك. وبقطع النظر عن كون الأمين النهدي يبقى من أهم القامات والرموز الفنية في بلادنا فإننا نستغرب منه هذا العمل الذي لا يمكن أن يدخل إلا في خانة «الدلال» المبالغ فيه ولي الذراع وابتزاز حب واستدرار عطف التونسي الذي يحب لمين ويرفض أن يراه حزينا وهو الذي رافقنا في أحلك فترات النظام السابق يرفه عنا ويخفف من آلامنا بما تيسر له من فرص ضئيلة اقتنصها لينقد ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية بأسلوب هزلي خفيف وساخر. فلا أحد فينا اليوم له حول وقوة وكل تونس ترزح تحت ثقل الأزمة الاقتصادية وقلة السيولة ليستجيب لنداء لمين النهدي ويمكنه من مئات الملايين لينتج مشروعه وينقذه مما قد يسببه له إضرابه عن الأكل خاصة بعد ان اقتصرت التلفزة على إنتاج عمل درامي واحد لرمضان 2012 بسبب قلة الإمكانيات المادية. وفي خصوص إجماع لجنة قراءة الأعمال الدرامية التلفزية على أن العمل الوحيد الذي يتوفر فيه الحد الأدنى من المقومات الجاهزية، هو مسلسل «أبناء الكاباس» الذي ألفه الروائي عبد القادر بالحاج نصر والذي يطرح قضايا البطالة بالنسبة إلى حاملي الشهائد العليا وتغوّل أصحاب النفوذ والمال، فرغم اتفاقنا على أن الموضوع آني ويدخل صلب الحدث الذي شهدته وتشهده تونس فإننا نأمل بالفعل أن يخرج لنا في أبهى صورة وأن نجد فيه ما يستحق ما سيصرف لإنتاجه وما يؤكد أنه أفضل ما قدم من مشاريع.