بقلم: علي الجوادي ارتفع عدد سكان الأرض من 1650 مليون نسمة في 1900 إلى 2520 مليون نسمة سنة 1950 ليصل إلى 6 مليارات في أكتوبر 1999 ثم 7 مليارات يوم 31 أكتوبر 2011، ويتوقع أن يستقر عدد سكان العالم في حدود 8 مليارات نسمة بحلول 2025. والمشكلة أن بعض الجهات صارت مهددة بالانفجار وبوجه خاص جنوب آسيا وإفريقيا وبعض مناطق أمريكا اللاتينية حيث يسجل النمو السكاني نسقا تصاعديا أسرع من نسق النمو الاقتصادي، وفي المقابل باتت أكثرية الدول الصناعية وخاصة اليابان وبلدان شمال أوروبا تخشى من الفناء. ويعود اكتظاظ السكان إلى تراجع في وتيرة معدل الوفيات أسرع من تراجع نسبة الخصوبة وإلى ارتفاع متوسط الحياة عند الولادة نتيجة تحسن الغذاء والتلقيح والماء الصالح للشراب. وأمام هذا الازدحام البشري توسع الزحف العمراني وازدادت المصانع المعملية وتمطط شريان حركة النقل واستفحل التلوث البيئي كما نتج تقدم في استخدام موارد الأرض بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي والحضاري، حتى أن الأخطار التي بات يواجهها عالمنا المعاصر لم تعد منحصرة في الحروب والمجاعة والتعذيب والجريمة وتسابق التسلح كما في الماضي، بل توسعت لتشمل مشاكل حديثة لعل أبرزها خلل في الغذاء العالمي وارتفاع حرارة المناخ وتراجع الإنتاج الزراعي وتفاقم التلوث البيئي منبع الأمراض الصدرية والاحتباس الحراري حتى أن حياة كل الكائنات الحية والنباتات باتت مهددة بالزوال. التلوث البيئي وارتفاع حرارة المناخ: يرتفع التلوث الذي شمل البر وطبقة الهواء والبحر كلما ازداد الإنسان في حرق الوقود« الفحم والنفط والغاز» في نشاطه اليومي، بدء من حرق الفحم الحجري في محطات توليد الكهرباء والقطارات ووصولا إلى الاستهلاك المتعاظم للمحروقات في شريان حركة النقل وفي الصناعات المعملية والإدارات والمستشفيات والمؤسسات وفي النشاط الزراعي وفي تدفئة منازل الأحياء السكنية الراقية، إضافة للتلوث الناجم عن مخلفات الحيوانات«التجشؤ والمفرغات» وإهمال الرواسب المعملية والمنزلية في الطبيعة، فضلا عن اعتداءات أخرى على الطبيعة كقطع الأشجار وتوسع مقاطع الحجارة والمناجم. وأدى ارتفاع حرارة المناخ الذي أحدثه تزايد انبعاث غازات الدفيئة بسبب الاستهلاك المكثف للوقود الأحفوري إلى تواتر سنوات الجفاف في بعض جهات العالم ما أحدث تراجعا في منسوب مياه السدود وشح مياه الطبقة الجوفية ليتدهور مردود الانتاج الزراعي وصارت بعض النباتات والكائنات الحية مهددة بالانقراض، في حين اجتاحت جهات أخرى ظواهر طبيعية قصوى مخلفة أضرارا بالغة في الممتلكات والأرواح؛ كما نجم عن التلوث البيئي ارتفاع في الأمراض السرطانية والتنفسية والسل والملاريا. أزمة الغذاء العالمي: حوالي نصف سكان المعمورة هم قرويون بحسب مصادر السكان التابعة للأمم المتحدة، يقطنون إما في القرى الصغيرة أو في الغابات والضيعات المعتزلة وخاصة في جهات إفريقيا وجنوب آسيا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية. ومجمل الريفيين فقراء، منهم من يشكلون مجموعات من القبائل الرحل تخضع حياتهم شبه كليا لمحيطهم المباشر، إذ هم يعملون على توفير المنتجات الضرورية من غذاء وماء وعلف المواشي وأشجار التدفئة من محيطهم الطبيعي قصد إشباع حاجياتهم الرئيسية لأنهم يفتقدون لوسائل أخرى تلبي عيش عائلاتهم، فتتآكل التربة حتى أن التصحر بات يزحف على ما يقارب ستة ملايين هكتار سنويا في آسيا وإفريقيا. وبحسب تقديرات المنظمة العالمية للأغذية والزراعة حوالي 13 % من الأراضي الزراعية الكونية فقدت نصيبا هاما من خصوبتها، ومع إضافة تغير المناخ وتتالي سنوات الجفاف تصبح النتيجة تراجعا في المحاصيل الزراعية بشكل لافت للنظر خلال السنوات الأخيرة خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء وبعض المناطق الآسيوية وعديد البلدان في هذه الجهات مهددة بالمجاعة. وهنا نتساءل عما إذا كان السبب الرئيسي لأزمة الغذاء العالمي ينحصر في ظاهرة الاحتباس الحراري والازدحام البشري لوحدها أم أن أسباب النقص الهام في الأمن الغذائي عند مجمل أهل الجنوب تعود أيضا إلى ضعف أداء القطاع الزراعي نتيجة محدودية الموارد المالية واستشراء الفساد وفقر سياسة الفقراء وتعثر البحوث الزراعية وتدني كفاءة استخدام التقنيات الحديثة إضافة للنمو السكاني السريع وقسوة الطبيعة؟ وفضلا عن هذا وذاك ألم تعمل حكومات الدول المتقدمة والمسيطرة على مجمل الأسواق العالمية على تهميش الاقتصاديات النامية لكي تبقي في تبعية للاقتصاديات الصناعية لتحتكر تصدير السلع الغذائية مثلما تصدر السلاح والتجهيزات المعملية والتكنولوجيا! والنتيجة لقد بات عديد الفقراء المهددين بالجوع حتى الموت في الصراع من أجل البقاء في زمن العولمة والتسلح والقرصنة وبروز ثقافة التحجر والانغلاق والانتقام ومحاولة فرض أنماط الاستبداد والتطرف والنزاعات، وبحسب النظرية التشاؤمية للاقتصادي البريطاني مالطوس وحدهم الذين ينجحون في هذا الصراع يفلتون من قبضة الموت، يقول مالطوس: «كل إنسان يلد في عالم مكتظ إذا لم تستطع أسرته تغذيته وإذا لم يكن المجتمع في حاجة إلى خدماته ليس له الحق في المطالبة بقسط من الغذاء لأنه زائد فوق هذه الأرض»! هل يعقل هذا والحال أن كل الناس متساوون في الكرامة وفي الحقوق كما تنص المادة الأولى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان! الأمراض البيئية: لقد بات أكثر من 6 مليارات نسمة تتربص بهم مخاطر الأمراض الناجمة عن التلوث البيئي، مثل أمراض الجهاز التنفسي والربو والسل والملاريا والتشوهات الخلقية والأمراض السرطانية بجميع أنواعها. الولاياتالمتحدةالأمريكية أكبر الدول الصناعية يليها اليابان وروسيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا والصين والهند وأسبانيا والبرازيل والأرجنتين بدرجة أقل، هم من ملوثي هذا العالم بامتياز من خلال نشاطهم الصناعي وإنتاجهم الحربي، هذه الدول المحتكرة للحبوب واللحوم تصدر لوحدها ما يقارب 80 في المئة من غازات الدفيئة ... والصين التي عجزت عن التحكم في سكب كميات ضخمة من المواد الكيماوية المعملية السامة في الأنهار أصبحت مهددة بتفشي وباء السرطان وأمراض الجهاز التنفسي، وفي مدينة مكسيكو سجل عديد الأطباء المحليين ومؤسسة الأممالمتحدة لرعاية الأطفال في دول العالم الثالث يونيسيف وجود نسبة مرتفعة من الرصاص في دم الأطفال وهذا ما يسبب لهم تأخرا في التنمية العقلية. على حكومات البلدان النامية التي تواجه الاستبداد والفساد والباحثة عن العدالة والعدل والحداثة والتنمية والتي لا تكفر الديمقراطية والتعددية مزيد الاهتمام بالقرى وبالزراعة بدء من تحسين الأوضاع المعيشية والصحية والتعليمية لسكان الأرياف وتطهير القطاع الزراعي من الفاسدين والمضاربين ووصولا إلى توفير البني التحتية ودعم البحوث الزراعية ورعاية الاستخدام الأمثل لمصادر المياه وتشجيع التقنيات الزراعية الحديثة قصد النهوض بأداء القطاع الزراعي وإحداث مواطن شغل جديدة وتحقيق الأمن الغذائي. وعلى المجتمع الدولي المتبني لعديد المواثيق الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مثل حق الإنسان في الحياة والسلامة الشخصية وحظر الاسترقاق والاستعباد وحرية الرأي والتعبير وحرية الضمير والدين والحماية من التعذيب والحق في العمل والمساواة وحق تقرير المصير، أن يعمل أكثر على تذليل الفوارق الاقتصادية والتنموية والعلمية بين الجهات لتحقيق تطلعات الشعوب الفقيرة في الرفاهة والتغذية والصحة والتعليم.