بعد اسابيع قليلة عن رحيل الاعلامي والاستاذ الكبير لجيل من الصحفيين عبد القادر بالشيخ ووفاة الخبير الاعلامي مدير معهد الصحافة محمد علي الكنبي متأثرا بآفة السرطان فجعت الاسرة الاعلامية مجددا في صحفيين كبيرين هما عمار منصور ونورالدين الهلالي.. قضت "السجاير" اللعينة على رئتي عمار منصور فغادرنا بسببها نهائيا.. فتفارقنا نهائيا كتاباته و"نقشاته".. كما سنحرم الى الابد من جلساته الشعرية ومن استعراضاته الهزلية لمقولات معبرة وحكم من التراث والادب العربي القديم.. واختطف منا الموت الاعلامي الكبير نور الدين الهلالي بسبب حوادث المرور المفزعة المنتشرة بنسب غير معقولة في طرقاتنا وشوارعنا.. لقد انتشر "مجانين" السياقة في كل مكان.. وخاصة بين اصحاب الشاحنات التي تتسبب اصابتها في "ضريبة قاتلة" مثلما حصل للزميل نورالدين الهلالي.. رحل عمار منصور بسبب سرطان الرئة نتيجة إدمانه على السجاير.. بنفس السيناريو الذي فارقنا به الزميل الكبيرمحمد قلبي.. وقتل نورالدين الهلالي.. البشوش والمتواضع في مشهد يذكر بحالات مماثلة بالجملة كان ضحاياها اعلاميون ومثقفون بسبب حوادث المرور والإصابة بالسرطان.. في مهنة المتاعب التي اصبحت مثل "لحمة الكرومة متاكلة مذمومة" (اي لحمة العنق اللذيذة والمنبوذة في نفس الوقت).. عرفت نورالدين الهلالي مراسلا لوكالة تونس افريقيا للانباء في الجزائر خلال "سنوات الجمر" في التسعينات.. عمل في ظروف صعبة جدا مقارنة بزملائه المراسلين العرب والاجانب.. ثم عرفناه في صحف الصباح ومواقع اعلامية عديدة قبل أن يصدر حكم باحالته على "الثلاجة" في وكالة الانباء عام 2002 بسبب "وشاية".. في اعقاب تعديل جزئي في الحكومة والديوان الرئاسي.. رحل نور الدين الهلالي فجأة وستبقى ابتسامته.. لكن مقتله لا بد أن يدفعنا الى فتح ملف حوادث المرور مجددا.. ورحل المناضل عمار منصور الناشط الحقوقي والسجين السياسي في "العامل التونسي" في السبعنيات.. ثم الكاتب في عدة وسائل اعلام.. دون أن يرى كل أحلامه تتحقق.. رغم استبشاره الكبير بثورة 14 جانفي التي اعادته للكتابة الثقافية والسياسية.. قبل ان يضطر الى دخول الطور الاخير من مصارعة سرطان الرئتين.. تعودنا في تونس ان نخفف مصاب المنكوبين ب"القضاء والقدر".. عوض الحديث عن الاسباب الحقيقية لارتفاع عدد الوفيات التي تتسبب فيها الامراض الخطيرة في بلادنا (حوالي واحد عن كل 10 آلاف ساكن).. ونسب ضحايا "مجانين الطرقات".. سواء كانوا "سكارى" أو "مخدرين" أو "سليمي" المدارك العقلية.. نغض الطرف عن نقص التنوير ورداءة البنية الاساسية.. ولا عن الاستهتار بقواعد السلامة المرورية.. مثلما نغض الطرف عن الانتشار الغريب لاستهلاك السجاير والكثير من انواع المخدرات والمؤثرات العقلية.. مات عمار منصور فجاة.. ورحل نورالدين الهلالي وهو يحاول مغادرة العاصمة في اتجاه عين دراهم حيث تقيم عائلته الموسعة.. فمات شهيد الاخلاص لقيم الاسرة وصلة الارحام وضحية استهتار "مجانين الطرقات" بالقانون.. قد تختلف مع الفقيدين وقد تتفق معهما.. لكن سؤالا أرقني منذ أيام: ماذا لو مات رياضي أو فنان أو "مهرب مخدرات" أو "ميلياردير" في حادث مماثل؟ ألم تكن كل وسائل الاعلام قد خصته بمساحة كبيرة من التغطية؟ مساكين الصحفيون والمثقفون.. لا يقدرون كفاءاتهم أحياء وأمواتا..