انعقد أمس في مقر مركز الموسيقى العربية والمتوسطية «النجمة الزهراء» بسيدي بوسعيد، لقاء لوزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون قبل مغادرتها تونس مع عدد من النشطاء في المجتمع المدني والشباب من الطلبة والاعلاميين.. اللقاء ضم السياسي والثقافي والانساني وتوقفت خلاله الوزيرة الامريكية عند عديد النقاط التي لم يسبق أن تطرقت لها في ندوتها الصحفية التي أعقبت مؤتمر اصدقاء الشعب السوري أول أمس. ومن بين المسائل التي تطرق إليها اللقاء العلاقات الامريكيةالتونسية، الاسلام والسياسة والديموقراطية، الدستور والمجتمع المدني والحريات، الانتخابات الامريكية والتحالفات واللوبيات... دون تجاهل توجهات السياسة الخارجية الامريكية قبل الربيع العربي ودعم رموز الدكتاتوريات السابقة... كلينتون التي استهلت حديثها بكلمة مطولة للشباب التونسي الذي كان محاورها الاول والذي أكد مجددا ما يتمتع به من حس سياسي ومن استعداد للحوار والجرأة في طرح آرائه والدفاع عنها، لم تبخل على محاوريها طوال أكثر من تسعين دقيقة بالرد على مختلف تساؤلاتهم، وهي وإن بدت ديبلوماسية في أغلب الاحيان، فإنها لم تتردد في أحيان كثيرة من استعراض محطات من مسيرتها السياسية في ادارة الرئيس أوباما. وقالت كلينتون «الكثيرون يسألونني كيف قبلت العمل والتعاون مع أوباما الذي نافسته على رئاسة أمريكا» وأوضحت أن الذين يلومونها على العمل مع الرئيس أوباما يخطئون. وشددت هيلاري كلينتون على أن الامر يتعلق بأجندا وليس بأشخاص وقالت «لقد تنافسنا كما يجب أن يكون التنافس واختلفنا ولكن بعد ذلك جمعنا حب الولاياتالمتحدة ومصلحتها التي نتنافس اليوم في خدمتها». كلينتون التي شددت على ثقتها وقناعتها بفوز أوباما في سباق الانتخابات الرئاسية القادمة، أشارت الى أن تلك مقتضيات اللعبة الديموقراطية واعتبرت أن الامر شبيه بالمشهد التونسي وأن الذين اجتمعوا على اسقاط الدكتاتورية سيعملون من أجل بناء الدولة الديموقراطية. وأضافت كلينتون أن أمريكا وإن كانت أقدم الديموقراطيات في العالم فإنه لا يمكنها القول أن ديموقراطيتها مثالية ولا شك أنه لا يزال أمام المجتمع الامريكي الكثير من الاستحقاقات لتجاوز العراقيل المتبقية. واعترفت وزيرة الخارجية الامريكية بأن لأمريكا أخطاء كثيرة في مناسبات عديدة واستدركت بقولها أن سجل بلدها كان دوما يدعم الحريات وحقوق الانسان. وأشارت الى أن الكثيرين كانوا ينتقدون سياسة الولاياتالمتحدة بسبب العلاقات مع الدكتاتوريات السابقة، مؤكدة «نعم تعاملنا مع الدكتاتوريات السابقة، هذا هو الواقع فقد كانت قائمة». وأوضحت أنه كان لا بد من التعامل مع الواقع لتسيير السياسة الخارجية وأنه في المقابل كانت المسائل المتعلقة بالحريات وحقوق الانسان على الجدول واستعرضت ما قدمته الخارجية الامريكية لدعم الديموقراطية في أندونيسيا وفي جنوب افريقيا لالغاء الميز العنصري، وخلصت إلى أن هناك وعيا لدى المسؤولين الامريكيين بأزمة الثقة عندما يتعلق الامر بالعلاقات مع الغرب. وتطرقت الى الازمة الراهنة في سوريا حيث اعتبرت أنه بالرغم من الموقفين الروسي والصيني فإن واشنطن لا يمكنها الا أن تواصل التعامل والتواصل مع هذه الدول، فتلك هي شروط الديبلوماسية .. وعود المرزوقي والجبالي كلينتون التي خاطبت الحضور من الشباب بكثير من الانتباه والاحترام دفعته دون أن تدري الى حوار كشف الكثير من المعلومات والمواقف أيضا. وقالت انها تناولت بالامس خلال لقائها مع كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بالبحث دعم وتعزيز الحقوق الاساسية للتونسيين وضمان احترام جميع الحريات بما في ذلك حقوق المرأة. وعن الاسلام والسياسة والديموقراطية قالت مسؤولة الخارجية الامريكية أن تونس قدمت جوابا ايجابيا بأنه لا تناقض بين الاسلام والتعددية والديموقراطية، وأضافت أن الامريكيين تابعوا تماما ككل العالم شجاعة نساء ورجال تونس الذين واجهوا القمع والغازات والرصاص وقدموا أمثلة مختلفة من المواقف الشجاعة، واعتبرت أن حماية الديموقراطية تبقى واجب كل مواطن. وقالت كلينتون «في نهاية المطاف أسقط هؤلاء الطاغية وحققوا الهدف». وعن أسباب تفاؤلها وثقتها في نجاح التجربة التونسية قالت كلينتون ان ما يتمتع به التونسيون من خصوصيات تجعلهم أكثر استعدادا لكسب الرهان... وأضافت «الامر يتعلق بثورة تاريخية وعندما أتطلع الى خطط عمل المسؤولين في الحكومة الجديدة أرى ان الاصلاحات السياسية تتم في مناخ ديمقراطي». وعن مفهوم وحدود الاسلام المعتدل في قاموس السياسة الامريكية، ردت كلينتون بأنه هذا الذي منح تونس انتخابات ديموقراطية احترمت ارادة الشعب والتي بمقتضاها أيضا يتعين على الفائزين في الانتخابات احترام كل فئات الشعب. واعتبرت زعيمة الديبلوماسية الامريكية أنه من السابق لأوانه استخلاص كل النتائج إلا أن الشعب يبقى حارس الثورة، واستطردت بأن أحد اكبر اسباب المشاكل في العالم يتمثل في عدم احترام الاخرين. من جهة أخرى، قالت كلينتون أنه إذا كانت تدين بالمسيحية فان ذلك لا يمنحها الحق في فرض آرائها على الاخرين، ولاحظت ان في التجربة الاندونيسية حيث يسود حزب علماني في مجتمع مسلم، وكذلك في التجربة التركية ما يمكن الاستفادة منه. وشددت كلينتون على أن زعيم أي حزب ديني عندما يتحول الى زعيم سياسي عليه احترام الجميع. ومع تأكيدها ان تونس تسير في الاتجاه الصحيح، أوضحت وزيرة الخارجية الأمريكية ان واشنطن ستواصل طرح الاسئلة وتأمل ما سيحدث. وتحدثت طويلا عن حقوق المرأة واعتبرت أن المهم ألا يقمع الناس وألا يجد المتطرفون الطريق للسيطرة على النساء. وشددت على أن ما يصنع الديموقراطية هوالاختلاف بين الناس مضيفة أن مثلث النجاح يعتمد على حكومة مسؤولة وفاعلة وعلى الشفافية في المعاملات وعلى وجود مجتمع مدني قوي. الشباب ثروة العالم وكانت هيلاري كلينتون قد استهلت اللقاء بقولها أنه قد لا يكون المستقبل واضحا لكن الاكيد أن الشباب التونسي هو من سيصنعه. وتساءلت «لماذا جاء التغييرالذي ألهم العالم من تونس وكيف تحققت موجة الحرية؟» قبل أن توضح أن لا أحد يمكنه أن يحرم أيا كان من الكرامة حيث أن هذا الحق متجذر لدى كل انسان. وشددت على أن العالم تجاهل الشباب طويلا وأسقط طموحاته ومطالبه وأن ثلث سكان العالم من الشباب يعيشون في دول العالم الثالث وأن هناك مائة مليون على الاقل يشتغلون نصف الوقت ويحصلون على أجور زهيدة ويفتقرون لأبسط مقومات الحياة ولكن في المقابل اعتبرت كلينتون أن شباب اليوم يعيشون في عالم لم يكن اباؤهم يحلمون به بفضل وسائل الاتصال المتوفرة.. وقالت انها كانت في جانفي الماضي في الدوحة وأنها حذرت قادة دول الخليج من أنه اذا لم يتحرك قادتها بسرعة لمنح الشباب ما يأملون فيه فإن الكثير منهم سيسقط تماما كما حصل في تونس. وخلصت الى أن طموحات الشباب واحدة حيثما يكونون وهم يتطلعون للسلام والحرية والكرامة والرفاهية مشيرة إلى أن برامج global partenership program الشراكة الشاملة مع المستثمرين الامريكيين تشمل تونس والمغرب والجزائر بهدف البحث عن استحداث مزيد فرص التشغيل وتعليم اللغة الاتقليزية وتوسيع مجال المعاملات التجارية. وأشارت الى أن 2013 ستشهد احتضان تونس مبادرة اجتماعية اقتصادية social entrepreneurship بمشاركة مستثمرين تونسيين وأمريكيين وخبراء من مختلف الاختصاصات للعمل وجها لوجه للبحث عن سبل تجاوز مختلف أسباب سوء التفاهم... قبل انتهاء اللقاء كان البعض يتحدث عن احتمال توقف كلينتون في العوينة ربما للوقوف على ظروف ايقاف بعض رموز النظام السابق الذين ينتظرون المحاكمة... لكن الخبر لم يتم تاكيده.