عدل الفرنسيون ليلة أول أمس الأحد ساعتهم على التوقيت الأمريكي وأصبحت كل أخبار البلد بما فيها حملة الانتخابات الرئاسية القادمة ثانوية أمام الخبر الثقافي الأهم الذي يتعلق بجوائز الأوسكار ل2012 الذي هلل له الإعلام الفرنسي بجميع أصنافه من مكتوب ومسموع ومرئي وبقي على أهبة الاستعداد لتلقي الخبر بين لحظة وأخرى. جل نشرات الأنباء افتتحت بالخبر المنتظر وأغلب هذه النشرات بمختلف التلفزيونات الفرنسية الخاصة أو التابعة للقطاع العام أرسلت مبعوثين لها وقامت بربط مباشر مع لوس أنجلس الأمريكية أين يقام حفل توزيع الجوائز وتابعت مختلف تفاصيل الاستعداد للحدث قبل ساعات من انطلاق الحفل وخصته بمساحة زمنية كبيرة. كيف ولا والأمر يتعلق بجوائز الأوسكار الأمريكية التي تعتبر من بين أهم الجوائز في العالم التي تتوج الأعمال السينمائية. ويتسابق السينمائيون بكل قوة على هذه الجوائز لأنها تعتبر مفتاحا لباب الشهرة والإنتشار على المستوى العالمي.
بين «جون دي جردان» و«جورج كلوني»
ولكن لجوائز الأوسكار هذا العام طعم خاص بالنسبة للفرنسيين والسبب أنه لأول مرة في تاريخ السينما الفرنسية يتسابق ممثل فرنسي بجدية على أوسكار أحسن ممثل وكان الفرنسيون شبه متأكدين من حصول المعجزة حتى وإن كان الممثل سعيد الحظ «جون دي جاردان « يتنافس مع النجم الكبير جورج كلوني. وفي نهاية الأمر حدثت المعجزة وحصل «جون دي جردان « فعلا على الجائزة عن دوره في فيلم « ذي أرتيست « وهبط الخبر على الفرنسيين بردا وسلاما. الفيلم الصامت وبالأبيض والأسود والذي يكرم السينما الأمريكية لبدايات القرن الماضي توج بعدد آخر من جوائز الأوسكار من بينها جائزة أفضل فيلم وأفضل اخراج ل«ميشال هازانفيسيوس». وكان الفيلم الفرنسي قد حصد العشرات من الجوائز القيمة في عدد من أنحاء العالم قبل تتويجه بهوليود. وكانت اللحظة جد هامة ذلك أن الرئيس ساركوزي قام بنفسه بتحية الفيلم الذي قال عنه أنه يعتبر فخرا للسينما الفرنسية. فلأول مرة في تاريخ فرنسا يحصل فيلما فرنسيا على أوسكار أفضل فيلم وذلك رغم وجود مخرجين من طينة عالية على غرار «ستيفن شبيلبيرغ» و«مارتن سكورسيزي» و«تيرنس ماليك» و«وودي آلن» في السباق من أجل نفس الجائزة. وتجدر الإشارة إلى أن الممثل «جون دي جردان « الذي سطع نجمه من خلال هذا الفيلم اقتحم عالم الفن السابع منذ ثماني سنوات وقد عرفه الجمهور الفرنسي خاصة من خلال السلسلة التلفزيونية الهزلية « ولد وبنت « التي شاركته فيها البطولة زوجته الممثلة «ألكسندرا لامي».
حملة دعائية في عاصمة السينما العالمية
وقد ساهم ما كشفه الممثل الفرنسي من قدرة على آداء مختلف المواقف على الطريقة الهوليودية إلى جانب وسامته وروحه المرحة في الحكم لصالحه رغم أن الممثل الأمريكي الذي لا يقل وسامة وحضورا آسرا جورج كلوني كان بدوره في السباق ومن النادر جدا أن يحسم السباق لصالح ممثل من خارج الولاياتالمتحدة إذا كان هناك نجوم أمريكيون من طينة كلوني في المعادلة. لذلك اعتبر الفرنسيون أن فوز «جون دي جردان» بأوسكار أفضل أداء رجالي للمرة الأولى في تاريخ السينما الفرنسية فوزا تاريخيا. لكن لا بد من الإشارة إلى أن فريق الفيلم (صور بالكامل في أمريكا) قام بحملة دعائية ضخمة في الولاياتالمتحدة لفائدة ذي أرتيست» والحملات الدعائية للأفلام عنصر جوهري في عاصمة السينما العالمية. وقد عاد الفيلم الفرنسي في المجموع محملا بخمس أوسكارات (حاز على أفضل ملابس وأفضل موسيقى بالإضافة إلى الجوائز المذكورة). أما جائزة أوسكار أفضل ممثلة لهذا العام فقد آلت -كما كان متوقعا - للممثلة الأمريكية «ميريل ستريب «عن آدائها لشخصية رئيسة الوزراء البريطانية السابقة «مارغريت تاتشر» في فيلم المرأة الحديدية. وكان أغلب النقاد قد نوهوا بأداء النجمة الأمريكية وتوقعوا لها الفوز بالجائزة بيسر مع العلم وأن «ميريل ستريب» تحصل على جائزة أوسكار عن افضل دور نسائي للمرة الثالثة في تاريخها. وحصل فيلم « هيغو كابري « لسكورسيزي وهو فيلم مغامرات أمريكي على خمس جوائز بنفس المناسبة (أفضل صوت وصورة ومؤثرات خاصة وديكور ومونتاج). وآلت جائزة أفضل فيلم أجنبي إلى الفيلم الإيراني « انفصال « من إخراج أشقار فرهادي. «وودي آلان» لم يخرج خالي الوفاض تماما من موسم الجوائز الهوليودية فقد عادت إليه جائزة أفضل سيناريو أصلي لفيلم « منتصف الليل بباريس «. مع العلم وأن هوليود تمنح جوائز عديدة أخرى تتوج بها أفضل دور ثانوي رجالي ونسائي وأفضل وثائقي وأفضل فيلم قصير وثائقي وتمثيلي وأفضل فيلم متحرك إلخ. حفل توزيع جوائز الأوسكار الذي انتظم في سهرة الأحد ( صباح الإثنين بالنسبة إلينا إذا ما راعينا الفارق الزمني مع الولاياتالمتحدة ) الذي يحمل رقم 84 يبدو أنه أسعد الفرنسيين أكثر مما أسعد عمالقة السينما بهوليود بكثير.