تستبشر معظم المجلات المتخصصة بالسينما بموجة الأفلام السينمائية الأمريكيةالجديدة لتحريك الرأي العام الأمريكي حول السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية أو على الأقل لفت نظره إلى جزء من الحقيقة. وقد استغلت المجلات الفرنسية فرصة انعقاد دورة جديدة من مهرجان دوفيل السينمائي الذي يخصص بالكامل الى السينما الأمريكية للقاء بأبرز الفاعلين على الساحة السينمائية الأمريكية الذين يحلون بفرنسا بالمناسبة للترويج لأفلامهم أو للأفلام التي هي بصدد الإنجاز وقد فتحت مجلة"PREMIERE" في عددها الصادر خلال شهر أكتوبر الجاري ملفا هاما حول السينما الأمريكية وطرحت فرضية صحوة الضمير السياسي لعاصمة السينما العالمية. جورج كلوني المناضل الضيف الرئيسي للملف كان الممثل الكبير جورج كلوني. ربما نعرف جورج كلوني الذي اكتشفه الجمهور من خلال السلسلة التلفزيونية الشهيرة "الإستعجالي" الممثل الوسيم الذي يعتبر فارس أحلام الفتيات بوسامته وهالة الوقار التي تحيط به ولكننا لا نعرف عنه ربما الجانب الأهم. وهو الجانب النضالي. جورج كلوني وفي الحديث الشامل الذي أجرته معه المجلة المذكورة أعلن أنه وضع بيته للرهن من أجل توفير المال اللازم لإنتاج فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان: "نوما هانئا وحظا سعيدا " الذي يخرج للقاعات يوم 17 أكتوبر الجاري والذي نرجو أن نشاهده قريبا بقاعاتنا. يؤدي جورج كلوني في هذا الفيلم دور المحامي مايكل كلايتون الذي يختار بعد حيرة كبيرة الوقوف في وجه شركة ضخمة يكشف أحد العاملين بها سوء تصرف مسؤوليها واستهتارهم. ويتطرق الفيلم بصفة عامة إلى الشركات متعددة الجنسيات والسلطة التي تمارسها على الناس مستغلة نفوذها الإقتصادي ليفضح من خلالها الرشوة والفساد في المجتمع بصفة عامة. ولعله يجدر التذكير بأن جورج كلوني كان قد رفض حرب بلاده ضد العراق وقد صرح في مرات عديدة أنه منذ اعلانه موقفه المعادي للحرب على العراق صار مصدر تهكم لدى الصحافة الأمريكية حتى أن احدى المجلات لم تتردد في وصفه بالخائن. الأمر الذي يجرنا للحديث عن وسائل الإعلام الأمريكية التي انتظمت صفا واحدا وراء الإدارة الأمريكية مستغلة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تماما مثل الإدارة الأمريكية للترويج لهذه السياسة واصفة في الأثناء كل معارض للسياسة الأمريكية بالخائن. وقد سبق وذكرنا وغيرنا كثيرون ممن لاحظوا نفس الشئ وهو أمر أكده الدارسون أن الإعلام الأمريكي كان طرفا في الحرب على العراق التي شنتها الولاياتالمتحدة على هذا البلد الذي كان مستقلا وعضوا كامل السيادة بمنظمة الأممالمتحدة إلى مارس سنة 2003 تاريخ الهجوم الأمريكي والحرب التي حولت العراق بداية من التاسع من أفريل من نفس العام إلى بلد محتل. الإعلام والحرب كان الإعلام طرفا في الحرب ليس بحمل الرشاشات والقاء القنابل وإنما من خلال التعتيم على المعلومات وتزييف الحقائق وتجميل الواقع. مازال الإعلام الأمريكي يمارس نفس الدور رغم ظهور كل البراهين على أن الحرب على العراق التي قامت لأسباب واهية تحولت الى كابوس يعيشه الطرفان على حد السواء. ولا ينوي جورج كلوني التوقف عن عمله النضالي من خلال السينما فقد تحول الممثل إلى مخرج وإلى منتج لأنه مقتنع بضرورة القيام بنفسه بتوفير أدوات النضال. ولكن جورج كلوني ليس بمفرده من يتحرك في هوليود من أجل توظيف السينما لأغراض سياسية وفي قضية الحال إن الهدف يكمن في القيام بحركة موازية للدعاية التي تقوم بها إدارة الرئيس الأمريكي جوج بوش الإبن للترويج للحرب على العراق واحتلاله. "هل أن الحرب متكافئة بين القيادة الأمريكية وعدد قليل من السينمائيين"؟ هذا ليس مهما. بالنسبة لهم. المهم القيام بعمل ما يكشف للرأي العام الأمريكي أن الواقع هو ربما ليس كما تصوره الإدارة الأمريكية والإعلام التابع لها ويرى النقاد أن هذه الموجة من الأفلام التي خرجت للقاعات سواء هذا العام أو ينتظر أن تكون جاهزة للعرض خلال العام القادم تعيد للأذهان موجة مماثلة سبقتها ويعود تاريخها إلى السبعينات وقد تلت هذه الموجة حرب الفيتنام. من بين الأفلام التي تدخل في سياق السباق من أجل الحقيقة نذكر الفيلم المنتظر" لبرايان دي بالما" الذي سيكون جاهزا العام القادم والذي يتعرض لمجزرة سامراء ويركز الفيلم على حادث اغتصاب طفلة عراقية والإجهاز على عائلتها بالكامل على يد الجيش الأمريكي. في المجموع هناك نسبة هامة من الأفلام التي يبدو أصحابها مسكونين بالبحث عن الحقيقة دون أن ننسى افلام مايكل مورو آخرها "المريض ". فإن كان هذا الفيلم لا يتعرض للحرب ضد العراق فإنه يفضح السياسة الصحية المعتمدة ببلاده التي تطرح من حسابها الفقراء والأقل حظا في الحياة وهي السياسة التي تقودها الإدارة ذاتها التي تخوض الحرب ضد العراق. حصار على الرأي العام وقد تساءلت المجلة الفرنسية حول حظوظ النجاح لهذه المحاولات في اختراق الحصون العتيدة التي شيدتها الإدارة الأمريكية حول الرأي العام الأمريكي منذ تولي الجمهوريين السلطة بقيادة الرئيس بوش الإبن. تبدو المهمة صعبة من منظورنا خاصة وأن هؤلاء السينمائيين يحاربون على أكثر من صعيد. وقد لا تؤتي المحاولات اكلها بنفس السرعة كما حدث مع الأفلام التي أدانت الحرب على الفيتنام لسبب بسيط لكنه هام جدا ويتمثل في فقد السينمائيين هذه المرة لحليف خطير يتمثل في وسائل الإعلام. كان الأمريكيون يشاهدون الحرب مباشرة عبر التلفزيونات أما اليوم فالمعلومات التي تمرر يقع انتقاؤها مسبقا بدعوى الحفاظ على أمن البلاد وهكذا فإن الحرب التي يخوضها السينمائيون هذه المرة هي أيضا ضد وسائل الإعلام أو لنقل أغلبها لأنه في أمريكا مازالت بعض الصحف وبعض المحطات التلفزية تحافظ على استقلالها. لكن مقابل ذلك فإن هذه الحركة يمكن أن تعطي أكلها على مدى بعيد إذا ما تواصلت وتدعمت ووجدت الوسائل الممكنة للتعبير من خلال فك الحصار الذي تسلطه اللوبيات المسيطرة على القطاع. لكن يمكن أن نعثر على الحل في صلب النظام في حد ذاته. فلا ننسى أن السينما في أمريكا هي صناعة قوية تخضع لقانون الربح والخسارة كما هو جاري به العمل في مختلف الأسواق. ونعتقد أن الأفلام التي تتعرض للحرب على العراق وخاصة تلك التي تعتمد على أحداث حقيقية يمكن أن تكون أفلاما مربحة وتجلب الجماهير العريضة المتعطشة للإثارة. فشن حرب على بلد يفصلهم عنه مساحات شاسعة ومايحدث هناك بالضبط نخاله يثير الأمريكيين وهم الذين دفعوا بقرابة مائتي ألف جندي إلى العراق ولا يكادون يعرفون عن مصيرهم شيئا بسبب التعتيم الإعلامي كي لا نتحدث عما تسببت فيه الحرب من مصائب للعراقيين الذين من المفروض أن يكون الجيش الأمريكي قد حل ببلدهم لإنقاذهم من الحكم الجائر حسب مازينته لهم إدارتهم. من رحم هذه الأفلام قد تولد حركة مناهضة لسياسة السيف المسلط على الرقاب التي تعتمدها الولاياتالمتحدة مستمدة شرعيتها من قوتها وتصدرها قائمة البلدان العظمى في العالم. لا ننسى أيضا أن السينما الأمريكية تمارس علاقة غير عادية مع جمهورها في العالم بأسره. فهي تثير في الجمهور وبالخصوص جمهور النقاد والمولعين بالسينما الشيء ونقيضه وخاصة الإغراء والرفض. أغلب الأفلام الأمريكية سواء كانت من الصنف الأول أو الثاني وسواء كانت ذات ميزانية ضخمة أو ميزانية متواضعة تتوزع بسهولة بالقاعات بمختلف البلدان وبالتالي فإن تأثيرمثل هذه الأفلام في الرأي العام الدولي يكون أفضل. هناك وفق ما ينشر من أخبار حركة من الداخل بدأت تتوسع لمعارضة الحرب والمطالبة بإنهائها. حركة قامت بمبادرة من أهل ضحايا الحرب من الأمريكيين وبدات أخبارها تصل شيئا فشيئا رغم محاولات التعتيم ولا يمكن للحركة السينمائية إلا أن تكون دعما لها. فإن كان هنالك أمل للعراقيين اليوم فإنه لن يتأتى حسب رأينا إلا من الداخل الأمريكي.