كيف يمكن للمتابع أن «يقرأ» فحوى المقترح الذي كشف عنه الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية والمتعلق بالدعوة الى سلسلة مناظرات تلفزية مع السلفيين يمكن أن تكون من ضمنها واحدة بين الرئيس المرزوقي نفسه وأحد كبار شيوخ هذا التيار الديني المتشدد؟ طبعا،،، إذا ما نزّلنا هذا المقترح في سياقه الزمني وأخذنا في الاعتبار طبيعة الأحداث و«المستجدات» التي ربما تكون اقتضته او دفعت باتجاهه فإننا سنجد أنه يكشف في جانب منه عن توجه نوعي جديد وغير مسبوق في تعاطي السلطة مع «الظواهر» المجتمعية والفكرية وبخاصة منها تلك التي توصف بأنها متطرفة... توجه يقطع مع الأسلوب الأوحد المرعب الأمني والبشع الذي برعت فيه الأنظمة الديكتاتورية العربية على امتداد العقود الخمسة الأخيرة ويقطع مع «ادواته» القمعية المؤذية والمهينة والإجرامية في حق كرامة المواطن وحرمته الجسدية.. على أن هذا المعطى على أهميته لا يجب ان يحجب عنا بالمقابل بعض المحاذير التي يمكن ان تترتب بالفعل عن هذا المقترح الرئاسي النوعي والمتحضر.. فإمكانية ان يفهم من طرف بعض المتطرفين على غير وجهه مثلا تبقى قائمة.. فتكون النتيجة المزيد من التجرؤ على الدولة وعلى رموزها وعلى مؤسساتها وعلى القوانين المنظمة للحياة العامة.. لسنا بصدد التحريض على أحد.. كما أننا لسنا بصدد التخويف من خيار الحوار الذي يبقى الطريق الأسلم والأقوم الى بناء المجتمع المدني التعددي والى «لم الشمل» وطنيا من أجل خدمة المشروع الديمقراطي بعيدا عن أي إقصاء او تهميش ولكننا نريد فقط ان نؤكد على مسألة علوية القانون ليكون بالمرصاد عند الضرورة لكل من تحدثه نفسه بالخروج على «منطق» الدولة واعتماد وسائل وطرق غير قانونية لفرض آرائه أو وجهة نظره.. إن تونسالجديدة.. تونس الديمقراطية والحريات.. تونس ثورة 14 جانفي وانتخابات 23 أكتوبر 2011 هي لكل التونسيين دون استثناء لذلك فانه من واجب الجميع أن يكون في خدمتها وخدمة مشروع التنمية والإصلاح والمدنية الذي كتب بدماء شهداء ثورة 14 جانفي وتضحيات أجيال من المناضلين الوطنيين من جميع الاتجاهات الايديولوجية على امتداد نصف قرن من عمر الدولة الوطنية.. مثل هذا الواجب الوطني هو الذي يحتم على جميع التونسيين ان يكونوا اليوم يدا واحدة وان يترفعوا عن الحسابات الأيديولوجية والحزبية الضيقة وان يقطعوا مع أسلوب التخوين والتكفير والتنابز بالألقاب وفاء للثورة وللوطن والأجيال.