تحت شعار "700 ألف عاطل عن العمل: أين المشكل؟ أين الحل؟" نظمت أمس الجمعية التونسية للنهوض بالاقتصاد الاسلامي بمشاركة منتدى الجاحظ ندوة دولية تحت عنوان "العمل وحركية أسواقه بين الشريعة والتشريع" وذلك في اطار السعي الى بناء تصورات جديدة تساهم في رفع قيمة العمل وحركية أسواقه وتنظيمها. وقال عز الدين مصباح رئيس الجمعية التونسية للنهوض بالاقتصاد الاسلامي ان تونس تعيش منذ فترة ركودا مزمنا في حركية أسواق العمل نتيجة السياسات الخاطئة للنظام السابق حيث ان هذا الركود تراكمت انعكاساته السلبية على كل أنماط الحياة وبدت أولى مظاهر التخلص منها حدوث ثورة 14 جانفي طلبا للكرامة والحق في العمل والتي أثبتت كذلك خيبات في نسب النمو والفوارق الاجتماعية مع انعدام التوازن الجهوي والانحطاط الاخلاقي وتدني المستوى التعليمي.
بناء نموذج اسلامي
وأرجع آثار ركود سوق العمل الى بلوغ نسب مرتفعة للبطالة وازدياد الفقر واتساع الفجوة بين مختلف شرائح المجتمع مؤكدا ان العمل يبرز في الاسلام كأداة للكسب والعيش الكريم والتوزيع العادل للثروة بين أفراد المجتمع. وتساءل حول امكانية توصل المفكرين وكافة الاطراف المتداخلة لبناء نموذج اسلامي يؤطر العمل في مفهومه للقيمة المادية للعمل وأدوات حركية أسواقه اضافة الى شرائع تنظيم العمل والتدخل فيه من طرف الدولة اطلاقا من تقديم نموذج علمي يؤطر سوق العمل. واستند رئيس الجمعية في مداخلته على التجارب الناجحة المعتمدة على الشريعة الاسلامية على غرار التجربة التركية والايرانية ومدى ملائمتهما للواقع التونسي. ومن جانبه أكد عبد العزيز التميمي (منتدى الجاحظ) ان طرح مسألة التشغيل هي من الاولويات في الظرف الحالي مؤكدا على ضرورة بحث افق وتصورات جديدة لخلق مواطن الشغل.
وبخصوص التجربة الايرانية في مجال تنظيم وتنشيط أسواق الشغل يرى الدكتور منصور اعتصامي أستاذ جامعي بجامعة طهران ان الاقتصاد الاسلامي يقوم على مبدا المشاركة الفعالة وقبول المسؤولية من كافة مكونات المجتمع لتحقيق العدالة والتوزيع العادل للثروات. كما ان النظام في ايران نظام اسلامي دستوره اسلامي وشريعته اسلامية وكافة قوانينه مستمده من الشريعة الاسلامية بما فيها القوانين الاقتصادية. ويضيف ان التجربة الايرانية قامت على مبدإ العقد بين الثروة الانسانية والاجتماعية على اعتبار عدم قدرة اي نظام تحقيق التنمية الاقتصادية دون تنمية انسانية والتي حسب تعبيره "تقوم على التلاحم والتكامل الاسلامي لتحقيق حياة طيبة" كما يقوم الاقتصاد الايراني باعتباره اقتصادا اسلاميا على قواعد اساسية تستمد تعاليمه من القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ابرزها نظام المشاركة والملكية الخاصة والملكية العامة والقواعد ذات الطابع الاخلاقي والاجتماعي. ويرى أن منوال التنمية في ايران يستند إلى المبادئ الأخلاقية والقيم الإسلامية والطاقات البشرية والرصيد الاجتماعي لتحقيق السلامة العامة والرفاهية والأمن الغذائي والتأمين الاجتماعي وتكافؤ الفرص والعدالة في التوزيع ومكافحة الفقر والفساد والتمييز.. ويقول الدكتور الايراني ان نجاح التجربة الايرانية جاءت نتيجة دراسة معمقة للواقع الايراني ومتطلباته خاصة مع تركيز بنك المعلومات لسوق العمل والاعتماد على اليد العاملة المتخصصة وتكوين كفاءات في اختصاصات مختلفة يستجيب لها سوق الشغل التي يمكن الاستفادة منها مستقبلا في تطوير الحركة الاقتصادية وبعث المشاريع والانتصاب الذاتي وتوفير مواطن شغل جديدة.
منوال غير ناجع
وتطرق الخبير الاقتصادي عبد العزيز الحلاب الى منوال التنمية في تونس الذي اعتبره غير ناجع وساهم في تفشي ظاهرة البطالة باعتبار عدم تحقيقه للأهداف المرجوة خاصة وان وضعية سوق الشغل الراهنة تؤكد ان السياسات المعتمدة سابقا لم تكن ناجعة وساهمت في تهميش العديد من القطاعات الاقتصادية على غرار الفلاحة والخدمات والصناعة والسياحة. وأضاف ان غياب التشريعات والقوانين المنظمة للقطاعات الاقتصادية والرقابة والمتابعة ساهم في تدني الخدمات بسبب المنافسة غير الشريفة والتي نتج عنها ضياع فرص عمل وتوسع الاسواق الموازية وغير الخاضعة للقانون ،وطالب بضرورة تشجيع المؤسسات الاقتصادية لتوفير مواطن شغل جديدة وفي سياق متصل اعتبر الخبير الاقتصادي ان الاصلاح يتطلب الكثير من الوقت لتغيير المنظومة الاقتصادية. وعن اشكاليات سوق الشغل في تونس أوضح المنجي بوغزالة استاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية بأنه من الضرورى اليوم خلق عقلية جديدة في الاستثمار والصناعة والقطاعات المنتجة لتوفير مواطن شغل مؤكدا ان الوضع الاقتصادي الحالي هش حيث ارتفعت ارقام البطالة والمعطلين عن العمل فقبل 14 جانفي كانت النسبة 14 بالمائة وفي 2011 وصلت الى حدود 20 بالمائة وفق احصائيات المعهد الوطني للإحصاء.
إرساء عقد اجتماعي
كما قال المنجي بوغزالة استاذ الاقتصاد ان المنظومة التعليمية ساهمت في ارتفاع معدلات البطالة وطالب بضرورة مراجعة المنظومة التعليمية لمواكبة التطورات الراهنة. وفي نفس السياق أشار الى ان الدولة لم تتعامل بجدية مع مشكلة البطالة وهذا بسبب عجز ميزانية الدولة وارتفاع المديونية الى 45 بالمائة مضيفا ان سوق الشغل في تونس تحتاج الى عقلية جديدة ومراجعة جذرية للقوانين والتشريعات وارساء علاقة تشاركية بين جميع الاطراف الاجتماعية ورفع نسق الاستثمار الخاص اضافة الى ارساء عقد اجتماعي سليم يضمن حقوق الاطراف المتعاقدة ويضمن المرونة للمؤسسة الاقتصادية والمشغل ويؤمن الحماية للعامل.