"من اللجوء إلى الإيواء : الدروس المستفادة من التجربة التونسية في الإغاثة وآفاقها" مثّل محور الندوة الدولية الملتئمة على مدى يومي 3 و4 مارس الجاري بمدينة جربة. ربّما أن نجاح التجربة التونسية الفريدة والأولى في مجال الإغاثة والإيواء جعل الجهة المنظمة لهذا اللقاء الدولي، ألا وهي المعهد العربي لحقوق الإنسان بالتعاون مع مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، أن تبسط إشكالية تواصل معاناة اللاجئين في العالم وفي تونس، نتيجة ظروف حتّمتها عوامل إما داخلية أو خارجية، ومعاناتهم من التهميش والإقصاء في ظل غياب القوانين والتشريعات التي تعيد لهذه الفئات حقوقهم الإنسانية بما في ذلك العيش الكريم. فالأبعاد القيمة الاجتماعية والتاريخية لظاهرة اللجوء والإغاثة، هي قديمة متجددة اختلفت في الظروف المحيطة بها والفاعلة فيها، فظاهرة التضامن ظاهرة تاريخية أي أنها ظاهرة قديمة غير مستحدثة، وعلاقة التونسيين بالليبيين علاقة ترابط تاريخي عاطفي كان نتاجا للاستعمار الفرنسي لتونس أسس للذاكرة الجماعية بين القبائل الليبية والجنوب التونسي جعل هذه العلاقات تجد منفذها عند اندلاع الثورة الليبية ذلك أن التونسيين اختاروا "الاستضافة بدل اللجوء والبيت بدل المخيم" مما أسس لجيل جديد من الإغاثة وأقر "تجارب مبدعة في الإغاثة الإنسانية" بالرغم من أن أهالي سكان الجنوب التونسي "لم تكن لأي منهم تجارب سابقة في هذا المجال ولا الإمكانيات اللازمة للإيواء، "فنجاح مهام الإغاثة في المجمل يعود إلى جملة من القيم التي تميز بها الشعب التونسي وإلى الحس المدني لدى النشطاء والقدرة على الإبداع بتوفير الحلول من عدم أحيانا" كما ورد في تقرير الزيارة الميدانية للجنة دعم جهود الإغاثة بولايات الجنوب التونسي أيام 27 و28 و29 جويلية 2011 ببادرة من أعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. فقضية اللاجئين "مسألة استراتيجية"، كما جاء في التقرير، "وليست مشكلة ظرفية يمكن طرحها في سياق منفصل عن مجمل المسائل المتعلقة بالتنمية في هذه الجهات وبأمن البلاد عامة".
مواقع الإبداع
فقد أكدّ الأستاذ عبد الباسط بن حسن رئيس لجنة دعم جهود الإغاثة بولايات الجنوب التونسي ورئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أنّ " التفكير اليوم في تجربة اللجوء في تونس والبحث عن مواقع إبداعها ومواطن قصورها واشكالياتها هو في حقيقة الأمر مواصلة في التفكير في البعد الإنساني للمسألة" وأضاف أنّ "الجميع اليوم في حاجة إلى دراسة تجربة إغاثة اللاجئين في كامل أبعادها التاريخية والاجتماعية والقيمية" وأن "نخص جهود الإغاثة بعين النقد حتى نبني منظومة اغاثة انسانية قائمة على حقوق الإنسان والتنمية تكون لها قاعدة قانونية ومؤسساتية وتوضح مسؤوليات كل الأطراف حكومية كانت أو غير حكومية ..وطنية كانت أو إقليمية أو أوروبية".
إعادة الرسم
وبين رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أن ّهذه الندوة هي مواصلة يقوم بها المعهد لفتح حوارات حول موقع حقوق الإنسان في عمليات الانتقال الديمقراطي الذي تشهده تونس بعد بداية الثورات العربية، وهي حوارات متعددة الأصوات تنظر في رؤى ومنهجيات الانتقال نحو الديمقراطية." فمسار الانتقال الديمقراطي مسار صعب ويتطلب بناء الدولة المدنية واصلاح القوانين والسياسات والمؤسسات وبناء مجتمع مدني مستمر ومستقل وفاعل وجعل ثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية شأنا عاما يطالب به الناس في حياتهم اليومية، وهو مسار قال عنه الأستاذ عبد الباسط بن حسن أنه "يعيد رسم العلاقات الاجتماعية على أساس مبادئ العدالة والكرامة والمساواة وينأى بالسياسة عن استبداد الإيديولوجيا والمصالح الاقتصادية والتوظيف ويجعلها فضاء لممارسة المشاركة المدنية الواسعة والمواطنة القائمة على المساواة" وبالتالي لابدّ من إعادة التفكير في قضايا التهميش والإقصاء وإدماج قائم على حقوق الإنسان لكلّ الفئات الضعيفة والمهددة و"لذلك فإن العناية بحقوق الفقراء والنساء والأطفال واللاجئين والمهاجرين وذوي الحاجيات الخاصة وسكان المناطق المحرومة هي من المعاني الكبرى التي يجب أن تتوجه إليها عناية من يرمون بناء انتقال ديمقراطي واصلاح القوانين والسياسات والمؤسسات وبناء مجتمع مدني".