أعادت ثورة الحرية والكرامة القيمة الحقيقية لصرح البرلمان الذي أصبح منذ جلسته الافتتاحية وجهة لكل الأنظار بعد أن كانت جلساته في عهدي بورقيبة والنظام النوفمبري شكلية ولا تكتسي أي أهمية باعتبار أن الجلسات كانت تخصص للمصادقة على مختلف المشاريع بالاجماع مع نقاشات هامشية أمّا بثها فكان يقتصر على بعض المقتطفات «تمرر» في آخر السهرة دون أن تجد أي أهتمام. ولأن هذا الصرح قد استعاد قيمته اليوم من خلال المناخ الديمقراطي الذي يميز اشغال المجلس التأسيسي بما يعكس فعلا التعددية والإختلاف في الرأي فإنّه لابد أن يظل بعيدا عن «الألغام» التي قد تنبعث شظاياها في كل الاتجاهات بما يزيد في توتير الأجواء داخل المجلس ويفضي الى الاحتقان خارجه. المؤسف ان «سابقة» انسحاب المعارضة من جلسة الحوار مع الحكومة الأخيرة كانت بمثابة «اللّغم» الذي لم تشعر بعض الأطراف بعد بصداه وتأثيراته السلبية التي شوهت صورة مسارنا الإنتقالي ولعل ما يثير الاستغراب أكثر تشبث بعض الأطراف بالمهاترات الهامشية والشد والجذب بما يؤثر على أجواء جلسات لجان صياغة الدستور وهو ما نخشاه وكنا لا نتمنّاه. وبعيدا عن تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك فانه لابد أن يكون «لغم» الجلسة الأخيرة «درسا» لابد ان تتعظ به «الترويكا» والمعارضة باعتبار ان الضرورة تقتضي اليوم على كل الأطراف مهما كانت حساسياتها وانتماءاتها الحزبية التعامل بهدوء ورصانة والتعاطي بروية قبل الحسم في أيّ قرار لأننا لا نعتقد ان الشعب سيكون سعيدا بتلك «الفوضى» والأساليب «الفوضوية». وعوض ان يرسل المجلس رسائل وإشارات طمأنة للرأي العام فانه أصبح مصدرا ل «تصدير» القلق والخوف من المجهول وهذا ما قد تقفز عليه اذهان بعض السياسيين وتتجاهله. ان المرحلة الدقيقة التي تمر بها بلادنا تحتم على الجميع الترفع عن المصالح الحزبية الضيقة حتى يكون الدستور التونسي دستورا يعكس الاعتدال والوسطية وحقوق الانسان ويؤسس لنظام سياسي يوازن بين السلطات ويقطع مع كل أشكال الإستبداد. صحيح أن الطريق إلى الصياغة النهائية للدستور لن تكون سهلة ومفروشة بالورود وانما ستكون مليئة بالأشواك والمنعرجات والمطبات و«الألغام» -مهما كان تفاؤلنا- لأن كل زاوية وكل قاعة وحتى قبة التأسيس شاهدة على كل «الطبخات» مما يستدعي من كل الكتل والمستقلين وضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات حتى يكون الدستور في مستوى انتظارات وتطلعات جميع التونسيين دون استثناء والأجيال القادمة... فاحذروا «الألغام».